التاريخ والآثار

القدماء المصريين.. رواد الطب عبر التاريخ

القدماء المصريين.. رواد الطب عبر التاريخ

كتبته: شهد سعد الجنيدي

كيف وضع القدماء المصريين أسس الطب الحديث؟

لطالما كانت مصر القديمة منارة للعلوم والمعرفة في شتى المجالات ، وكان للطب فيها مكانة عظيمة جعلت القدماء المصريين يتفوقون على غيرهم من الشعوب، فقد وضع الفراعنة أسس الطب التي ظلت تُدرّس قرونًا طويلة بعدهم. لم يكن الطب في مصر القديمة مجرد ممارسة علاجية، بل كان فنًا قائماً على الحكمة والتجربة، حتى إن المؤرخ اليوناني *بلينيوس* وصف القدماء المصريين بأنهم مبتكرو الطب ومكتشفو خواص العقاقير.

لماذا كان الأطباء المصريين متفوقين على غيرهم؟

تميّز الأطباء المصريون القدماء بتخصصاتهم الدقيقة، حيث كان الأطباء متخصصين في فروع معينة، فلا يتدخل أحد في غير اختصاصه ،وهو ما أشار إليه المؤرخ *هيرودوت*، مؤكدًا أن كل طبيب كان يتخصص في عضو محدد من الجسم، مما أدى إلى تطور هائل في هذا المجال. وقد بلغ علمهم في الطب والكيمياء حدّاً جعل كلمة كيمياء ” chemistry ” مشتقة من اسم مصر القديمة “kemi” .كما أن دراستهم الطويلة وممارستهم المستمرة جعلتهم روادًا في كثير من الاكتشافات الكيميائية والطبية، وهو ما ذكره *إيبرس*، صاحب أشهر بردية طبية عرفها التاريخ.

كيف انتشرت شهرة الأطباء المصريين خارج مصر؟

لم يكن التقدم الطبي المصري محصورًا داخل البلاد، بل امتد تأثيره إلى الخارج، حيث طلب ملوك وأباطرة مثل *كورش ملك فارس* من الفراعنة إرسال أطبائهم إلى بلاطهم للاستفادة من خبراتهم.
وكان إمحوتب وزير الملك زوسر في الأسرة الثالثة ( حوالى 3000 ق.م )، هو إله الطب عند المصريين، ويعد أول شخصية طبية مسجلة في التاريخ. لم يكن إمحتب مجرد طبيب، بل كان مهندسًا ومستشارًا بارعًا، حتى إنه أصبح معبودًا بعد وفاته وأُلّه باعتباره إله الطب والشفاء.

كيف سبق القدماء المصريين الطب الحديث في التخدير والجراحة؟

تفوق الأطباء المصريون القدماء في الجراحة، وكانت لهم بصمة واضحة في مجال التخدير، حيث استخدموا تقنيات متقدمة مثل “التخدير بالوخز بالإبر”، وهي الطريقة التي عُرفت لاحقًا باسم “الإبر الصينية”، بالإضافة إلى استخدام مزيج من مسحوق الرخام والخل كمخدر موضعي. وقد أثبت العلم الحديث التأثير المخدر لهذا الخليط الناتج عن تفاعل كربونات الكالسيوم مع حمض الخليك، مما أدى إلى تكوين حمض الكربونيك، الذي كان له تأثير مخدر على المريض. مما يعد إنجازًا مذهلًا سبق الطب الحديث بآلاف السنين، كما استفادوا من معرفتهم الواسعة بالجسم البشري، والتي حصلوا عليها من خلال عمليات *التحنيط*، مما مكّنهم من فهم التشريح بشكل مذهل مقارنةً بغيرهم من الشعوب التي كانت تحرق الجثث أو تدفنها دون دراسة.

هل كان القدماء المصريين أول من قام بزراعة الأسنان والجراحة التعويضية؟

كان المصريين أول من أجروا عمليات “جراحة الفم والأسنان”، إذ عثر العلماء على مومياء بأسنان مثبتة “بسلك ذهبي” يربط بين سنتين، مما يدل على أنهم قاموا بعمليات “زراعة الأسنان” منذ آلاف السنين. كما استخدموا تقنية “تصريف الخراريج” ، حيث أجروا ثقوبًا صغيرة في عظام الفك لعلاج الالتهابات، وقاموا بحشو الأسنان بخليط من الملاخيت والصمغ.
أما في مجال زراعة الأعضاء، فقد عثر على عين صناعية متقنة، مما يشير إلى أنهم كانوا رواداً في زراعة الأعضاء التعويضية.

 

كيف استطاع القدماء المصريين تحديد جنس الجنين قبل آلاف السنين؟

كان المصريين قادرين على تحديد جنس الجنين في الأسابيع الأولى من الحمل من خلال فحص البول. فقد ذكرت إحدى البرديات المحفوظة في متحف برلين أن المرأة الحامل كانت تبلل الشعير والقمح ببولها، فإذا نما الشعير كان الجنين ذكراً، وإذا نما القمح كان أنثي. أما إذا لم ينمُ أى منهما، فهذا دليل على أن الحمل كاذب، وقد أثبتت الدراسات الحديثة أن هذه الطريقة دقيقة بنسبة كبيرة.
اهتم القدماء المصريين أيضًا بتطوير وسائل تساعد النساء أثناء الولادة، فاخترعوا *كرسي الولادة* الذي كانت تجلس عليه المرأة أثناء الوضع، وقد تم تصوير هذا الكرسي في النقوش الفرعونية، حيث تظهر المرأة جالسة عليه أثناء الولادة، بمساعدة الإلهة حتحور. سُجل منذ عام *1550 ق.م*.

هل استخدم القدماء المصريين الحقن الطبية والخيوط الجراحية؟

 

استخدم المصريين الحقن الطبية، حيث كان الكهنة المحنطون يستعملونها لحقن السوائل داخل الجسم. كما كانوا أول من استخدم الخيوط الجراحية لخياطة الجروح بعد العمليات، وقد عُثر على مومياوات يظهر فيها أثر الخياطة الجراحية بعد استخراج الأحشاء.

 

التحنيط.. سر الخلود :
يُعد *التحنيط* أعظم إنجاز طبي قدمه المصريين القدماء للبشرية، حيث حافظت المومياوات على ملامحها لأكثر من أربعة آلاف عام. كانت هذه العملية تستغرق *70 يومًا*، يتم خلالها استخراج الأعضاء الداخلية وحفظها في *أوانٍ كانوبية*، ثم تُغسل الجثة بمحلول النطرون، وتُدهن بالزيوت العطرية قبل لفها بلفائف الكتان المغموسة في مواد راتنجية لحفظها من التلف.

نظافة القدماء المصريين ووقايتهم من الأمراض:
كان المصريين يؤمنون بأن *الوقاية خير من العلاج*، ولذلك اهتموا بالنظافة الشخصية والعامة، حتى أن هيرودوت أبدى دهشته من مستوى نظافتهم مقارنةً بالشعوب الأخرى. فقد استخدموا *الصودا* في الغسيل، وحرصوا على *حلق الشعر* أو إزالته لمنع انتشار العدوى. كما صمموا بيوتهم بحيث تكون مزودة *بدورات مياه وأنظمة تصريف* تضمن التخلص الصحي من المياه الملوثة.

كان الطب المصرى القديم اللبنة الأولى في صرح الطب الحديث، وما زالت إنجازاتهم تلهم العلماء حتى يومنا هذا.
فقد أسهموا في وضع أسس العلوم الطبية التي لا تزال تُستخدم حتى اليوم. من التخدير والجراحة إلى التشخيص والتحنيط، أثبت المصريين القدماء أنهم ليسوا فقط بناة الأهرامات، بل أيضًا بناة الحضارة الطبية التي أنارت درب الإنسانية لآلاف السنين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى