التاريخ والآثار

لصوص الحضارة.. سرقة آثار مصر بين الماضى والحاضر

لصوص الحضارة.. سرقة آثار مصر بين الماضى والحاضر

عبير فكري موسى

لماذا تُعرض المومياوات المصرية في المتاحف الأوروبية وكأنها بلا صاحب؟!

لماذا تُباع القطع الأثرية المصرية في المزادات العالمية لمن يدفع أكثر، بينما يُحرم المصريون من رؤية إرث أجدادهم؟!

إن سرقة الآثار المصرية لم تكن يومًا مجرد حوادث متفرقة، بل هى استمرار لنهبٍ بدأ منذ قرون فهل تستطيع مصر استعادة ما سُرق أم  أن كنوزها ستظل حبيسة المتاحف الأجنبية إلى الأبد؟!

بالرغم من أن مصرتمتلك تراثًا حضاريًا فريدًا يمتد لآلاف السنين، إلا أنها تعرضت على مدار تاريخها لعمليات نهب وسرقة واسعة النطاق، خاصًة خلال فترات الإحتلال حيث تم تهريب العديد من القطع الأثرية إلى متاحف عالمية ومجموعات خاصة في مختلف الدول، وسُلبت بذلك جزءًا من هويتها الثقافية وإرثها التاريخي الذي يجب أن يعود إلى موطنه الأصلي.

لم تكن هذه السرقات وليدة الصدفة، بل تعود جذورها إلى  فترات الغزو الأجنبى لمصر؛ ففى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر نشأ علم المصريات كما يُعرف حاليًا؛ عندما غزت قوات نابليون مصر، وكان من بينها علماء، جابوا أنحاء مصر وأعدّوا تقارير علمية دقيقة عن العديد من آثارها.

وللأسف؛ أنه بعد هذا الجهد الفرنسي الهائل في التوثيق الدقيق، بدأت حملات نهب واسعة للآثار المصرية، وهو ما مثّل بداية لعصر التعديات المستمرة، وسرعان ما طرد البريطانيون الفرنسيين من مصر، لكن مصر ظلت ساحة معركة للتنافس الأنجلو- فرنسي حيث كانت هناك منافسة شرسة على من يستطيع الحصول على أفضل القطع.

وقد نُهبت بعض هذه الكنوز تحت ستار الإستكشاف العلمي، على يد لصوص بملابس المستكشفين وبدلًا من أن يُحاسبوا أصبحوا” علماء آثار” تُسطر أسماؤهم في الكتب، بينما تُعرض آثارنا المسروقة في لندن وباريس وبرلين وواشنطن!

فمن حجر رشيد إلى رأس نفرتيتي، ومن زودياك معبد دندرة إلى تماثيل رمسيس الثاني، ومن معابد الأقصر إلى مقابر الملوك؛ خرجت أعظم كنوز مصر في حقائب الدبلوماسيين وسفن المستعمرين في أكبر عملية نهب ثقافي عرفها التاريخ. وعلى سبيل المثال لا الحصر؛ من بين هؤلاء نذكر:

1 – جيوفاني بلزوني (إيطاليا):

وُلد في إيطاليا وعمل بالسيرك في لندن وجاء إلى مصر في أوائل القرن التاسع عشر، قام بفتح العديد من المقابر والمعابد بطرق همجية مستخدمًا الديناميت وأدوات بدائية دمرت بعض الآثار. وهو يُعد أشهر سارق آثار عرفته مصر على الإطلاق؛ فقد داس على المومياوات، وهدم أعمدة قديمة وحطم جدار مقبرة بمطرقة، ونقش اسمه على الجدران والتماثيل، وقام بتقطيع القطع الأثرية ليسهل حملها، ومن أشهر القطع التى قام بنقلها إلى إنجلترا، التمثال النصفي للملك رمسيس الثاني الذي يزن سبعة أطنان ويُعرض الآن في المتحف البريطاني.

2 – هنري سولت (بريطانيا):

القنصل البريطاني في مصر في أوائل القرن التاسع عشر. نظم عمليات سرقة ونهب ضخمة للآثار المصرية وبفضل خدمات بلزوني وأخرون؛ قام بنقل العديد من القطع الهامة إلى بريطانيا، بالإضافة إلى تكوين مجموعته الخاصة  والتى قام ببيع العديد منها إلى المتحف البريطاني، وكذلك متحف اللوفر الذي حصل على المجموعة الثانية من مقتنيات سولت عام 1826 م ومنها تابوت رمسيس الثالث.

3 – برناردينو دروفيتي:

سارق آثار ودبلوماسي شهير، إيطالي المولد وانضم إلى قوات نابليون ليشغل منصب القنصل العام الفرنسي في مصر في أوائل القرن التاسع عشر. هو المنافس الأشهر لهنري سولت، قام بجمع ونقل عدد هائل من الآثار المصرية التى تمكن من بيعها في أوروبا، ومنها آثارًا مصرية كانت النواة للمتحف المصري بتورينو في إيطاليا الذي يضم واحدة من أكبرالمجموعات المصرية في العالم ومعظمها من مقتنيات دروفيتي ومنها بردية تورينو الملكية، ويُحتفظ بجزء آخر من مجموعته في متحف اللوفر بباريس، بالإضافة إلى جزء في المتحف المصري ببرلين. جمع دروفيتي أكثر من ٨٠٠٠ تمثال وتابوت ومومياء وبردية.

4 – لودفيج بورخارت (ألمانيا):

عالم آثار ألماني قام بتهريب تمثال رأس نفرتيتي عام 1912 م حيث زوّر وثائق الحفر وقدم معلومات مضللة للسلطات المصرية، وادعى أن التمثال مصنوع من الجبس لإقناع السلطات  المصرية بالسماح له بأخذه، وبالرغم من مطالبات مصرالمستمرة بإستعادة التمثال لخروجه بطريقة غير شرعية؛ إلا أن ألمانيا ترفض حتى اليوم إعادته ويُعرض حاليًا بمتحف برلين الجديد.

5 – أوجست مارييت (فرنسا):

عالم آثار فرنسي ومؤسس مصلحة الآثار المصرية عام 1858 م، ورغم دوره في إنشاء المتحف المصري؛ إلا أنه قام بتهريب عدد كبير من الآثار إلى فرنسا، وكان وراء إرسال مئات القطع الأثرية إلى متحف اللوفر ومنها زودياك معبد دندرة.

6 – هوارد كارتر (بريطانيا):

اشتهر باكتشافه مقبرة الملك توت عنخ آمون عام 1922 م، ورغم أهمية الإكتشاف؛ إلا أن الدلائل تشير إلى أنه قام بتهريب بعض القطع الأثرية من المقبرة إلى بريطانيا وأوروبا مدعيًا أنها قد سُرقت من قبل اللصوص القدامى، لكن بعد عقود، ظهرت بعض هذه القطع في متاحف وجامعات أجنبية، مما يثبت تورطه في تهريب بعض القطع لخارج مصر بشكل غير قانوني.

وبالرغم من إستمرار النهب والسرقة  لعقود إلا أن ذلك لا يعني إستسلامًا أبديًا، ففي السنوات الأخيرة اتخذت مصر خطوات حاسمة لإستعادة آثارها المنهوبة؛ حيث قامت وزارة السياحة والآثار المصرية بإنشاء إدارة خاصة مهمتها تتبع القطع المهربة في المتاحف والمعارض والمزادات الدولية، وتتعاون مصر مع الأنتربول ومنظمة اليونسكو ومنظمات دولية أخري لتعقب واسترداد الآثار المهربة؛ إستنادًا إلى إتفاقية  اليونسكو لعام 1970 م، بالإضافة إلى توقيع مصر للعديد من الإتفاقيات الثنائية مع دول مثل الولايات المتحدة وإيطاليا وفرنسا وسويسرا، لمنع تهريب الآثار واستعادتها في حالة سرقتها، كما خاضت مصر معارك قانونية دولية رفعت فيها دعاوى قضائية ضد دور مزادات كبرى حاولت بيع قطع أثرية مسروقة.

ومن أبرز القطع التى نجحت مصر في إستعادتها:

 

1 – حجر “الواس” من معبد الكرنك (2023):

 

حجر نادر يعود لمعبد الكرنك كان مفقودًا منذ قرابة 30 عامًا،  وتم إستعادته من سويسرا بعد إثبات سرقته من موقعه الأصلي.

 

2 – التابوت الأخضر للكاهن “عنخ إن ماعت” (2022):

 

سُرق من قرية أبوصير وتم تهريبه إلى الولايات المتحدة  في 2008، وتم تسليمه إلى مصر بالإضافة إلى 17 قطعة أثرية أخرى.

 

3 – رأس تمثال “آمون” من الكرنك (2020): 

 

قطعة نارة تمت سرقتها من معبد الكرنك وتهريبها إلى الخارج، لكنها أعيدت من بريطانيا بعد مفاوضات طويلة.

 

4 – تابوت الكاهن “نجم عنخ” (2019): 

 

تم تهريبه من مصر بشكل غير قانوني في 2011 ، وظهر لاحقًا في متحف المتروبوليتان في نيويورك، وبفضل جهود مصر الدبلوماسية تم إستعادته.

 

5 – قطع أثرية من متحف اللوفر (2010):

 

استعادت مصر 5 لوحات حجرية كانت معروضة بمتحف اللوفر بباريس، نُهبت من مقبرة أثرية بالأقصر عام 1980 م، بعد ضغوط كبيرة على الحكومة الفرنسية لإعادتها.

 

 

 

وعلى مدار الأعوام العشرة الماضية، نجحت مصر في استعادة 29 ألفًا و300 قطعة أثرية من دول مختلفة مثل ألمانيا  وإيطاليا وبلجيكا والمكسيك والإمارات والكويت بعد ملاحقات قانونية ودبلوماسية.

 

وبالرغم من  الجهود الحثيثة التى تبذلها مصر ونجاحها في تحقيق العديد من الإنتصارات في ملف إستراد الآثار المصرية المهربة؛ إلا أن الطريق لا يزال طويلًا وشاقًا، فمازالت هناك آلاف القطع المتناثرة في متاحف ومعارض حول العالم، وإستعادة هذه الكنوز هي معركة هوية وحق تاريخي يجب ألا يتوقف السعي إليه؛ حتى يعود كل أثر مسلوب إلى موطنه الأصلي  ليحكي قصته بين أبناء وطنه.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى