التاريخ والآثار

” شعيرة الصوم  عند القدماء المصريين ” 

” شعيرة الصوم  عند القدماء المصريين ” 

 

 

 

بقلم الباحثة /إيمان سيد رمضان

 

 

يؤدي المسلمون حول العالم تلك الأيام فريضة الصوم، بعد حلول شهر رمضان المبارك، وهي فريضة، وواحدة من أركان الإسلام الخمسة، حيث يجتمع الملايين من المسلمين يومياً طوال شهر رمضان المبارك لأداء فريضة الصيام وطاعة الله وصلاة التراويح وسبق المسلمين فى الصيام عدد من الحضارات والثقافات الأخرى، وكان لكل حضارة طقوسها الخاصة التى فرضتها عليه بيئتها، ولعل القدماء المصريين كانوا أحد تلك الحضارات التي عرفت الصيام

 

 

 

• طقوس الصيام عند الفراعنه

 

 

القدماء المصريون عرفوا الصيام للتقرب للآلهة وتهذيب نفوسهم من أية مخالفات أو ذنوب اقترفوها، الفراعنة كانوا من أقدم الشعوب التى عرفت فكرة الامتناع عن الأكل والشرب للحصول على البركات ورضا الآله، فخادم المعبد كان يصوم 7 أيام متتالية من غير ماء قبل أن يلتحق بالمعبد وقد تمتد فترة الصيام إلى اثنين وأربعين يومًا كان يبدأ صيام الفراعنة من طلوع الشمس إلى غروبها، إذ يمتنعون عن تناول الطعام ومعاشرة النساء.

 

 

•  انواع الصيام عند المصري القديم

 

 

وبحسب عدد من الدراسات، انقسم طقس الصوم على مدار الأسرات الفرعونية المختلفة إلى صومين، الصوم الأول كان يخص طبقة الكهنة فقط، بهدف التقرب من الآلهة وتهذيب النفس، وتراوحت فترة الصوم ما بين 7 أيام و42 يوماً بحسب الهدف المرجو من الكاهن، وقبل أن يلتحق بالمعبد، كان يصوم الكاهن 7 أيام دون مياه، وفي صوم الـ42 يوما كان يبدأ الطقس منذ طلوع الشمس وحتى الغروب بالامتناع عن تناول الطعام وشرب المياه، وفي بعض الأوقات كان يُمنع تناول اللحوم في أول 10 أيام من صيام الـ42 يوماً عند الكهنة وخصص الصيام الثاني لباقي طبقات الشعب، وحددت أوقات صيام الشعب في فصل الفيضان، بالصوم 4 أيام من كل عام، وتبدأ فترة الصوم في الأسبوع الأول من الشهر الثالث من فصل الفيضان.

 

 

 

• تجارب الانسان الحضارية والروحية

 

يأتي الصوم، ليعلم البشر كيفية التحكم في النفس، في شهواتها واندفاعها، عسى وهي تمتنع طوعاً لا قسراً عن كل ما هو مباح ومتاح، أن تقمع ذاتها عن الممنوع والضار، وكل من شأنه التسبب في هلاك الزرع والضرع في فلسفة الصوم، ما يستنقذ الأرواح والأجساد معاً من طوفان بحر العالم الزائل، ولهذا السبب، كان الصوم ديدن شعوب وحضارات قديمة، حتى وإن اتسم صوم الشهر الفضيل بملامحه ومعالمه الخاصة جداً..أوصى الحكيم لقمان ذات مرة ابنه بالقول، “يا بني إذا امتلأت المعدة، نامت الفكرة، وخرست الحكمة، وقعدت الأعضاء عن العبادة”.

 

 • الصوم في عهد البطالمة

 

وفي عهد البطالمة، كان أطباء الإسكندرية، تلك المدينة الكوسمولوجية، رمز العولمة المبكرة، بما اجتمع فيها من شعوب وأجناس، ينصحون مرضاهم بالصوم تعجيلاً بالشفاء أما الطبيب الفرنسي الشهير الكسيس كاريل، الحائز جائزة نوبل في الطب، فقد كتب ذات مرة في شأن الصوم يقول، إن “كثرة وجبات الطعام ووفرتها، تعطل وظيفة أدت دوراً عظيماً في بقاء كثير من الأجناس عبر التاريخ، وهي وظيفة التكيف على قلة الطعام، ولذلك كان الناس يصومون على مر العصور”.

 

هل عرف الفراعنة شعيرة الصوم؟! 

 

كثيرة هي القراءات التي قدمت أفكاراً تقدمية عن المصريين القدماء، وهو التعبير العلمي الأدق من مصطلح الفراعنة، وعن علاقتهم بالروحانيات، وتطلعهم للعالم الآخر وصل المصريون القدماء في زمن أخناتون، إلى حدود الاعتراف بالإله الواحد وإن رآه في قرص الشمس، تلك التي تشرق لتنير العالم وتبدد الظلام.

 

وقد عرف هؤلاء ولا شك شعائر الصوم، بل إن هناك من علماء اللسانيات من يقطع بأن كلمة صوم في أصلها، هي كلمة هيروغليفية، تنطق “صاوم”، بمعنى “امتنع عن”، وهي قريبة الشبه جداً من المعنى في اللغة العربية، فيقال “صامت البكرة”، أي توقفت عن العمل.

 

اعتاد المصريون القدماء الصوم في الأعياد المكرسة لنهر النيل، الإله حابي، في عقيدتهم، فقد كان بمثابة مانح الخيرات، ولهذا وجب عليهم إكرامه والتقرب منه بتطهير النفس من الذنوب والأخطاء والمؤكد أن صوم المصريين القدماء، قد عرف نوعين مختلفين، واحد يخص العوام والبسطاء، وآخر يختص به كبار الكهنة في المعابد الفرعونية المختلفة.

 

يهمنا بنوع خاص صوم المكرسين لخدمة الآلهة المصرية القديمة في المعابد، ومن المثير أن نجده يبدأ من عند شروق الشمس، وينتهي مع غروبها، وهو أمر يتسق وإيمانهم بأن الحياة تبدأ تدب في الأجساد، مرة أخرى مع أول شعاع من الشمس، بعد أن تكون قد فارقت الأبدان في الليل، وقت النوم كانت هناك أصوام أسبوعية وأخرى سنوية، وفي إجمالها لم تكن تتجاوز الـ70 يوماً كل عام.

 

• المؤرخ اليوناني رأيه في الصوم

 

ويذكر المؤرخ اليوناني الشهير هيرودوت الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد، أن المصريين هم أفضل الناس صحة، ذلك لأنهم يقومون بتنقية أجسادهم من الطعام بالصوم ثلاثة أيام من كل شهر ، وقد كان في اعتقاده أن المعدة بيت الداء كما قال الأقدمون.

 

• الإغريق و مفهوم فلسفي للصوم

 

يتحدث المؤرخون عن الإغريق أو قدامى اليونان، بأنهم تعلموا علومهم وآدابهم، بل والكثير من شرائعهم الحياتية عن المصريين القدماء، الأمر الذي يجعلنا نتساءل: هل أخذ اليونانيون فريضة الصوم من المصريين؟

 

نحن نعلم أن عديداً من فلاسفة اليونان الكبار زاروا مصر، ومنهم سولون المشرع والشاعر ورجل القانون، وقد زار مصر في حدود عام 600 قبل الميلاد، ونقل عن كبار كهنة المصريين أسرار حضارة أطلانطس الغارقة قبل تسعة آلاف سنة، وهو سابق لأفلاطون بقرابة ثلاثة قرون وعنه نقل الكثير من القصص هنا يبدو أن الإغريق قد أخذوا عن المصريين الصوم، ولكن لا بوصفه شعيرة ترضي الآلهة، بل من منطلق فلسفي. كان مفهوم الصوم عند الإغريق القدماء مميزاً، لأنه وجد في بيئة حاضنة يميزها الفكر الفلسفي، بشكل أساسي، ولذلك في الأدبيات الإغريقية كان كبار الفلاسفة اليونانيين صوامين، وفي المقدمة منهم سقراط الذي عرف بـ إكثاره من الصوم، بهدف الوصول إلى حالة متقدمة من الصفاء الذهني والنفسي، ما يسمح له بالترقي في مسارات الروح والصعود في مساقات السماوات العلا، وبعيداً من صراعات الجسد التي تشده إلى أسفل.

 

• الحكيم اليوناني أبقراط

 

أما الحكيم والطبيب اليوناني الأشهر أبقراط، الذي ولد في القرن الخامس قبل الميلاد. واعتبر من أشهر الشخصيات الطبية في التاريخ، وردد الخريجون من الأطباء المعاصرين قسمه الشهير، فقد آمن بفلسفة الوقاية كبديل عن العلاج، وفي مقدمة أدوات الوقاية، التقليل من الطعام قدر المستطاع، وصوم أكبر قدر ممكن من الأيام، وكثيراً ما نصح مرضاه بأن  يلجأوا إلى الدواء المادي، إلا في آخر مرحلة من مراحل التشافي…

MEU

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى