التاريخ والآثار

سقنن رع… شعلة الفداء التى غيرت تاريخ مصر

سقنن رع… شعلة الفداء التى غيرت تاريخ مصر

عبير فكري موسى

في التاسع من مارس تحتفل مصر بيوم الشهيد المصري، يوم ُيخلّد فيه الوطن ذكرى أبطاله الذين وهبوا أرواحهم دفاعًا عن أرضه وكرامته، وبات هذا التاريخ شاهدًا على بسالة أبنائها الذين لم يترددوا لحظة في تقديم أرواحهم فدءًا لمصر. منذ فجر التاريخ سطّر المصريون صفحات مشرقة من البذل والعطاء، بدءًا من حماة مصر الأوائل مرورًا بمقاومي الإحتلال في مراحل التاريخ المختلفة  ووصولًا إلى أبطال القوات المسلحة الذين يضحون بأرواحهم حتى اليوم.

وفي قلب هذا التاريخ المضيء؛ يبرز اسم الملك “سقنن رع تاعا الثاني” أحد أعظم ملوك مصر وأوائل الشهداء الذين قدًموا حياتهم لمصر مستعينًا بشجاعته وإيمانه بحرية وطنه قاد جيشه ببسالة ودفع حياته ثمنًا لتحرير مصر، ليصبح رمزًا خالدًا للفداء والتضحية فلولا التضحيات التى قدمها هو وأسرته لربما اتخذ تاريخ مصر مسارًا مختلفًا تمامًا. هذه الأسرة التى ذكرها الأديب العالمي نجيب محفوظ في أحدى رواياته قائلًا: ” جميع الملوك مدينون بجاههم لمصر، إلا هذه الأسرة؛ فإن مصر مدينة لها”.

قبل أن تبدأ فترة المملكة المصرية الحديثة، كانت الصورة في مصر مختلفة تمامًا. وهذا ما يُعرف بالفترة الإنتقالية الثانية لمصر، وهي فترة لامركزية انقسمت فيها مصر إلى نصفين بين صعيد مصر (في الجنوب)، الذي حكمه الملوك المصريون الأصليون، ومصر السفلى (في الشمال)، التي حكمها “الحكْا-خاسوْت” أو الهكسوس؛ وهم مجموعة سكانية سامية هاجرت من كنعان إلى شمال دلتا مصر، وتم تسجيل هؤلاء الحكام باعتبارهم الأسرة الخامسة عشرة في مصر في سجل تورين الملكي، وهي القائمة الوحيدة المعروفة للملوك التى توثق وجودهم.

وتخبرنا بردية سالييه عن الخلاف الذي وقع بين الملك المصري “سقنن رع” الملقب بالشجاع وأخر حكام الهكسوس “أبوفيس الثالث”- والبردية عبارة عن تمرين مدرسي لتلميذ مصري يدعي “بنتاؤر” يكتب موضوعًا للتعبير عن أول ملك مصري قاد ثورة التحرير ضد الهكسوس – وهنا تشير البردية إلى أن رسولًا من الملك أبوفيس جاء إلى طيبة، ليبلغ الملك سقنن رع أن أصوات أفراس البحر التي تعيش في بحيرة طيبة تزعجه وأنه لذلك يأمر ملك طيبة أن يبيد فرس البحر الذي يسكن في تلك البحيرة إن أراد أن يبقي على إرضاء الملك” ومن الواضح أن رسالة ملك الهكسوس  تحمل دلالات أعمق من الظاهر، فربما كان يستشعر روح التمرد والثورة ضده في جنوب مصر وأنه أراد أن يجبر الملك المصري على إعلان خضوعه له، إلا أن الملك “سقنن رع” بدأ كفاحه ضد الهكسوس وانتهت هذه المعركة بسقوط الملك المصري مضرجًا بدمائه وتم اكتشاف مومياء” سقنن رع” وهي مليئة بجروح المعركة، بما في ذلك ضربة فأس قاتلة على الجبهة، مما يثبت أن هذا القائد كان في الواقع في ساحة المعركة مع جنوده عندما مات، وكان موته هو الشرارة التى أشعلت فتيل حروب التحرير المصرية ضد الهكسوس والتي سيكملها أبناؤه من بعده كاموس وأحمس الأول حيث تم الإطاحة بالهكسوس بالكامل وبدأت فترة المملكة الحديثة بتوحيد مصر بأكملها تحت حكم حاكم مصري قوي ومهيمن.

وفي هذا اليوم نجدد العهد على السير على خطى الأبطال ونستمد منهم دروس العزيمة والصمود ونعبر عن امتناننا العميق لتضحياتهم التى ستظل نبراسًا يضيء الطريق للأجيال القادمة.

MEU

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى