التاريخ والآثار

أبيدوس: إقليم الأبدية ومقر الخلود

أبيدوس: إقليم الأبدية ومقر الخلود

عبير فكري موسى

يقال أن التاريخ هو ظل الإنسان على المكان، ولكننا نؤمن أن الأثر هو ظل الإنسان على المكان والزمان معًا…
ففي رحلته من الجنوب إلى الشمال؛ يتلاقى النهر العظيم مع رحلة الحياة الممتدة من الشرق إلى الغرب الجميل، عند نقاط تمثل ظل الإنسان على المكان، وتشكل هذه النقاط محورًا موازيًا للنهر كخط وهمي يفصل بين الوادي والصحراء وهو رمز للخلود، هنا على الجانب الغربي من النيل، كانت أبيدوس؛ العاصمة الدينية للمصري القديم وقبلته الأبدية ومقرالخلود.

إقليم أبيدوس والذي يعرف حاليًا ب “عرابة أبيدوس“، هو كنز من كنوز مصر المنسية، فهوأحد أقدم وأهم الأقاليم في مصر القديمة، يقع بالقرب من مدينة البلينا في محافظة سوهاج حاليًا. وكانت أبيدوس تقع ضمن الإقليم الثامن من أقاليم مصر العليا، وأطلق عليها اسم ” تا – ور” أي الأرض العظيمة، وسميت أيضًا “آب- جو”، ومنه اشتق اسمها الحالي أبيدوس. وكانت مركزًا لعبادة المعبود “خنتي أمنتيو” أو سيد الغربيين، قبل أن تصبح مركزًا رئيسيا ً لعبادة “أوزير”.

وتعود أصول أبيدوس إلى فترة ما قبل الأسرات وبعد توحيد مصر وتأسيس الأسرة الأولى اكتسبت أهمية خاصة تاريخيًا؛ حيث ضمت مقابرملوك الأسرة الأولى وبعض ملوك الأسرة الثانية، ونالت نصيبًا من القداسة منذ بداية الدولة القديمة، وقد ورد ذكرها في نصوص الأهرام والتوابيت بأنها المقر الفعلي لأوزير فهي مدخل الأبرار إلى طرق ودروب العالم الآخر مما جعلها وجهة مقدسة ومزارًا سنويًا للحج عند المصريين القدماء. وكان للحج ميعاد ثابت وهو اليوم الثامن من الشهر الأول من فصل الفيضان. وقد تم تسجيل هذه الرحلات الدينية على الجدران في العديد من المقابر في بني حسن.

وكان الحجاج يأتون من جميع أنحاء مصر، ويتوجهون إلى أبيدوس في مواكب جنائزية رمزية، وكانت هذه المواكب تبدأ من معبد الكرنك في طيبة وتنتهي في أبيدوس. وعند وصولهم إلى أبيدوس، كان الحجاج يقدمون القرابين لأوزير وكان الهدف من هذه القرابين هو نيل البركة وضمان حياة أبدية في العالم الأخر. وكان الحجاج ينقشون أسماءهم وصلواتهم على اللوحات الحجرية أو يتركونها في المعبد.

وتضمنت الطقوس إعادة تمثيل أسطورة أوزير، حيث يشارك الحجاج في مشاهد تروي قصة موته على يد أخيه ست، وعودته إلى الحياة وبعثه من جديد، مما يرمز إلى دورة الحياة والموت والقيامة. وتوضح أسطورة أوزير فهم المصري القديم لمفهوم الموت، فالموت ليس النهاية بل هو مجرد مرحلة إنتقالية لشكل أخر من أشكال الوجود.

وتعتبر أبيدوس من أغنى المواقع الأثرية في مصر، حيث أنها تضم معبد الملك سيتي الأول “معبد ملايين السنين”، الذي ُيعد أحد أهم المعابد المصرية، نظرًا إلى تخطيطه المعماري الفريد، ونقوشه البارزة الأنيقة وألوانه الرائعة، بالإضافة إلى احتوائه على عدد كبير من المناظر المتفردة التى أبدع في صنعها الفنان المصري القديم.
أما غرب المعبد؛ فيوجد الأوزوريون الذي ُيعد ضريحًا رمزيًا لأوزير سيد البعث والخلود والعالم الآخر وهو بناء تحت الأرض ليس له مثيل في كل المباني الأثرية التى عثر عليها في مصر حتى الآن، كما تحوي المنطقة أيضًا معبد الملك رمسيس الثاني الذي ُكرس لعبادة أوزير والذي ٌصورت على بعض جدرانه مناظر لمعركة قادش، بالإضافة إلى عدة مواقع أثرية مميزة مثل:

مقابر ملوك الأسرتين الأولى والثانية –
شونة الزبيب. –
جبانة الصقور. –
كوم السلطان. –
أم الجعاب.-
مجموعة سنوسرت الثالث. –
مجموعة أحمس الأول. –
مقابر الدولة الوسطى والحديثة. –

وتولى الدولة ممثلة في المجلس الأعلى للأثار،أهمية كبيرة لمشروع تطوير منطقة أبيدوس الأثرية، حيث يستهدف المشروع رفع كفاءة المنطقة ككل تمهيدًا لإستعادة أبيدوس من جديد لمكانتها، كمزار ثقافي وحضاري يحتل مكانة خاصة في السرد الأوسع للتاريخ المصري.

وهكذا، تبقى أبيدوس شاهدة على الثراء الديني والثقافي والحضاري لمصر القديمة، فهي ليست مجرد معالم صامتة بل ثروة حقيقية وبرهان حي يعكس عبقرية وإبداع الفنان المصري، عبقرية حية وباقية ولا تعرف الموت.

MEU

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى