
مصاطب الدولة القديمة
مصاطب الدولة القديمة
بقلم حبيبه محمد عبدالمنعم
المصاطب هي القبور التى بنيت في الدولة القديمة وما قبلها منذ الأسرة الأولى وتكون غالباً في شكل مستطيل له جدران عالية ومائلة قليلا…كانت تكسى باللبن وأحياناً بكساء ثان من الخشب .. وقد استعملت الأحجار في بناء بعض أجزاءها كالأعتاب و اللوحات المأتمية و الأرضيات و الجدران الداخلية .
يلاحظ أنه من الأسرة الأولى إلي الثالثة كانت جدران المصاطب تحلى والأبواب الوهمية من كل الجهات عدا الجهة الغربية .. ومنذ الأسرة الرابعة انحصر وجود هذه الأبواب علي الجهة الشرقية فقط .. وفائدة هذه الأبواب هي إرشاد القرين ( كا ) إلي مكان جسد المتوفى لتتقمصه ليحيا حياة ثانية وكانت تبنى في الجهة الشرقية لتشرق الشمس علي المتوفى كل صباح .. وقد تحتوى المصطبة علي اكثر من باب وهمى إذا دفنت الزوجة مع زوجها حيث يكون بابها أصغر حجماً من باب زوجها وفي الجهة اليسرى المصطبة ويصنع عادة من الحجر الجيري المجلوب من ( طره ) .
خلف الباب الوهمى نجد البئر الذى كان يؤدى إلي حجرة الدفن وكان يصل عمقه أحياناً إلي ٤٠ متراً وهذه الآبار كان الجزء العلوى منها مبنياً بالأحجار إلي أن يصل لمنسوب الصخر الطبيعى فينحت به وفى نهايته تنحت حجره الدفن بأحد جوانبه وكانت مساحتها متوقفه على مقدرة المتوفى المادية حيث كانت تصل إلي ٦×٧ أمتار ثم يدفن في تابوت من الحجر الجيري أو الجرانيت .. ثم يوضع حول التابوت كل الاثاث الجنائزي للمتوفى وكان البئر يملأ بعد ذلك بالبقايا المتخلفة من حفره .
ليس من الضرورى أن يكون عدد آبار الدفن بقدر عدد الابواب الوهمية المثبتة في الجدار الشرقى فقد يحدث أن يقيم صاحب المقبرة لنفسه بابين وهميين يكتب عليهما ألقابه وأعماله وفي هذه الحالة يكون بئر الدفن بينهما .. وأحياناً نجد بجوار بئر الدفن بئراً آخر لا يؤدى إلي أي حجرة للدفن .. فكما للمقبرة باباً وهمياً تدخل منه ( الكا ) فهذا البئر وهمياً لظل جسم الميت ( آخت ) ومقراً لها ليصل هذا ال ( آخت ) إلي الجسد الحقيقى ويحل محله إذا أتلفه الدهر .
أحياناً يستعاض عن البئر العمودى بحفر منزلق في إحدى جوانب المصطبة يؤدى إلي حجرة الدفن ويكون هذا المنزلق أيضاً خلف الباب الوهمى .
في البداية كان أقارب المتوفى يجلسون أمام الباب الوهمى في الأعياد و المواسم ومعهم القرابين ويضعونها علي مائدة قربان حجرية .. ومع تقدم العمران وبدلاً من الجلوس أمام الباب الوهمى في الخارج بنوا حجرة للجلوس ولتقديم القرابان ( مقصورة ) داخل المصطبة نفسها بحيث يكون بابها في الجهة الشرقية أو البحرية ونادراً في القبلية ، أما الباب الوهمى فمكانه لم يتغير قط إذ كان دائماً يتجه إلي الشرق .. وبكثرة نقوش الصلوات وألقاب الميت وتعدد القرابين زاد عدد الحجرات حتي وصل عدد الحجرات في إحدى المصاطب إلي ٤٢ حجرة كما في مقبرة الوزير ( حم كا ) من الأسرة الأولي.
أحياناً نجد عند مدخل حجرة الدفن رؤوس تماثيل لصاحب المقبرة مصنوعة من الحجر الجيري وبالحجم الطبيعي وتنتمى معظم الرؤوس إلي عهدى ( خوفو ) و ( خفرع ) ، ويعتقد فساد النظرية القائلة بأنها رؤوس بديلة عن رأس الميت إذا دب فيها الفناء أو غير التحنيط ملامحها .. وإنما بسبب أن هذين الملكين قد حرّما إقامة التماثيل في مقابر الأفراد العاديين حتى لا تؤدى لها الشعائر والطقوس ، وإنما يقيمونها في مدخل غرفة الدفن من وراء ثقبين في الأحجار التي تسد الغرفة حيث يعتبران منفذاً لل ( كا ) عند زيارتها للقبر فتتعرف علي تمثال الميت فلا تخطئ الطريق إلي جسده .
كانت تصنع في القبور المسقوفة فتحة في الجهة الشرقية قبالة الباب الوهمى بطريقة تجعل أشعة الشمس تنفذ منها صباحاً وترسل خيوطها للباب الوهمى .
كان الباب الوهمى في بادئ الأمر خالياً من كل نقش ثم كتب عليه اسم المتوفى ولقبه وبعد ذلك نقشت عليه الصلوات الدينية ثم تدرج ورسم عليه المتوفى ثم زوجته وبعض أفراد أسرته وخاصة الابن الأكبر الذى أخذ دوراً مهماً في تقديم القرابين لوالده من والاسرة الرابعة .. وفى النهاية كان يرسم في الجزء الأعلى من الباب الوهمى المتوفى وحده أو معه زوجته وأمامه مائدة قرابين صوّر عليها كل ما لذ و طاب من أنواع المأكولات والمشروبات.
كانت الحجرة بداخل المصطبة في بادئ الأمر لجلوس أقارب الميت و وضع القرابين .. ثم أخد ينقش على مداخلها الصلوات وعلي العتب العلوى اسم المتوفى و ألقابه .. ثم تدرج ونقش جانباها الخارجين ثم الداخليان .. وأراد المصرى القديم أن يمثل كل ما كان يتمتع به فى الدنيا على جدران تلك الحجرة فاهتم بها وكساها بالأحجار ونقش علي جدرانها كل مناظر الحياة اليومية ، ولما كانت الحجرة الواحدة لا تكفى زاد من عدد الحجرات إلي أن أصبحت هذه المقابر بمثابة بيوت للأموات تؤلف مدينة بشوارعها وأزقتها ، حيث بنيت هذه المصاطب حول قبر مليكهم وذلك لأن عظماء القوم كانوا يريدون أن يلتفوا حول مليكهم في آخرتهم كما كانوا يلتفوا حوله في دنياهم .