المرأة والحياة

هل الحب خطيئة؟

 

 

كتبت – مايا أحمد زكي:

 

“إن الذي خلقنا وبث أرواحنا في أجسامنا هو الذي خلق لنا هذه القلوب وخلق لنا فيها الحب، فهو يأمرنا أن نحب، وأن نعيش في هذا العالم سعداء هانئين، فما شأنكم والدخول بين المرء وربه، والمرء وقلبه؟” هكذا كانت رؤية مصطفى لطفي المنفلوطي عن الحب في رواية العبرات، وهذا ما أسعى لإزالة الغبار عنه خلال رسالتي على الأرض.

 

سفه الكثيرون من قيمة الحب، فمنهم من اعتبره وهمًا ومن اعتبره مضيعة للوقت، ومن اعتبره نزوة تمر مرور السحاب، ومنهم من رأى أنه قد كُتِبَ عليه في هذه الأرض الشقاء فقط فصد عن نعيم الحب، ومنهم من رأى أن صراع البقاء هو المحور الذي يدور الفلك حوله، وأعرض عن الحب إعراضً جليًا.

 

كثيرًا ما حورب الحب ووجوده ومعناه وتجلياته، رُفِضَ الحب على مر عصور كثيرة، واختبأ خلف الأسوار وتحت المناضد، خاف كل عاشق من انفضاح سر قلبه حتى أصبح الخوف مكون رئيسي في أحماض العالم النووية، حتى إذا اضطرّ العاشق مواجهة العالم بِحبه خنع وأنكر وهرول هاربًا؛ خوفًا من قيود المجتمع وأحكامه وحرمانه المحبين من بعضهم، من أقنع تلك الصدور الفارغة أن الحب خطيئة؟ أم أن لهم أفئدة لا يعقلون بها؟

 

هل يستطيع العالم أن يعيش من دون الحب؟ الإجابة نعم، إذًا هل يستطيع العالم أن يحيا من دون الحب؟ الإجابة لا، وهذا فراق كبير بين العيش وبين الحياة، فأن تعيش هو أن تقوم “اوتوماتيكيًا” بكل الوظائف الحيوية التي يقوم بها أي كائن حي على وجه البسيطة، أما أن تحيا فهو أن يكون للعيش غاية أكبر من الوظيفة الحيوية، أن يسكنك سلام الحب من بعد صراع البقاء، وأن تلتحم روحك بروح ما ومن تحبه، فالحب يتعدى حدود العيش، ليصل إلى عمق الحياة.

 

إن الحب هو الهبة الربانية التي تعين المرء منا على حياته، وتجعل لشقائه في جمع قوت يومه لذّة، وتجعل لتحمّله أعباء المعيشة بهجة، وتجعل من علقم المشكلات قناطير العسل المصفى، فالحب يستطيع أن يحول الروتين اليومي الممل إلى شعلة لا تنطفئ من الحماس والشغف، كل ما كنا نفعله قبل الحب بانطفاء نستطيع بعد الحب أن نفعله بكامل التوهج.

 

في الآونة الأخيرة استطاع الحب أن يتمرد على الجمود والجحود والوحشية، انتصر الحب على محاربيه، وخرج من الحرب كناجٍ لا كضحية، وأثبت أنه نعمة لا خطيئة، كما قال الشاعر مرسي جميل عزيز في قصيدة ألف ليلة وليلة التي تغنت بها كوكب الشرق: “قول الحب نعمة مش خطية، الله محبة، الخير محبة، النور محبة”.

 

استطاع الحب إرساء يديه في كل حياة طيبة نراها، استطاع الحب أن ينتصر على أعداءه بفضل الله الذي أمر بوجوده، ثم بقلوب معتنقيه الشجعان الذين لا يهابون شئ سوى خسارة الحب، الشجاعة هى التي أفسحت مجالًا لوجود الحب وظهوره وازدهاره، فلو استمرّ القطيع في إخفاء الحب خلف ظهره، من ذا الذي كان ليسمع صوت الحب اليوم؟

 

على كل قلب أن يعرف بالحب المكنون داخله، وأن يعترف به فيعمل على إظهاره للنور، وأن يحيا كل يوم بحال العاشق، وألا تمر عليه لحظة واحدة دون أن يرى الوجود بعين الحب، وأن يتفقد قلبه بين الحين والآخر ليتأكد أن ثمة شئ يحرك دوامات الحب داخله، على كل قلب أن يُحِب، ولكل قلب الحق في أن يُحَب.

رُويتم الحب في كؤوس هنيّة، سلامًا.

إقرأ أيضاً:- 

التقدم في العمر لدى النساء وتحدياته

MEU

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى