مدينة أريحا أقدم استيطان حضري عرفته البشرية
كتب/ عبدالرحمن حسين
الانتقال من حياة الترحال والصيد إلى حياة الاستقرار والزراعة يعد من أبرز التحولات التي شهدها التاريخ البشري ، ومن أقدم الاستيطانات الحضرية التي تم اكتشافها حتى اليوم ، تكون مدينة أريحا رمزاً لهذا التحول العظيم ، المدينة الواقعة في الضفة الغربية لفلسطين، التي تعتبر واحدة من أقدم المدن المأهولة في العالم يعود تاريخها حوالي 9,000-10,000 عام قبل الميلاد ، مما يجعلها محط اهتمام تاريخي وديني وأثري على مر العصور .
–بداية الاستيطان الحضري في أريحا :
مدينة أريحا من أقدم المواقع التي شهدت تحول الإنسان من حياة البداوة إلى الاستقرار الحضري ، في أريحا بدأ الإنسان بناء أولى أسواره الدفاعية ، وهذا يدل على وعي الإنسان المبكر بأهمية الحماية الدفاعية ، كما تم أكتشاف أبراج للمراقبة على أسوار المدينة، مما يعكس تطور للفكر الدفاعي والهندسي في هذه الفترة ، ومن أهم ما يميز مدينة أريحا هو تطورها الزراعي ، كانت أريحا من أولى المناطق التي بدأ فيها ممارسة الإنسان الزراعة المستقرة ،مما جعلها من أهم المراكز الزراعية في العصر الحجري الحديث.
–أريحا في السياقات الدينية والتاريخية :
تحتل أريحا مكانة خاصة في التوراة، يُذكر أنها كانت أول مدينة يفتحها بنو إسرائيل بعد عبورهم نهر الأردن ، لاكن هذه الرواية تنتمي للتقاليد الدينية، ولم يتم إثباتها تاريخياً أو أثرياً ، كما أنها أيضاً تحظى بأهمية كبيرة في الديانة المسيحية ،حيث يُعتقد أن المسيح قد عَبر نهر الأردن إلى تلك المنطقة ، بالإضافة إلى ذلك يوجد في مدينة أريحا العديد من المواقع الدينية المقدسة للمسيحيين .
–الآثار والتطور العمراني في مدينة أريحا :
مدينة أريحا من أغنى المدن الأثرية في العالم ، تل السلطان الذي يعتبر موقع رئيسي في المدينة القديمة ، يحتوي على بقايا منازل ومرافق عامة تعود إلى العصور القديمة ، وتشير الاكتشافات الأثرية إلى أن سكان المدينة كانوا يتمتعون بقدرة عظيمة في التنظيم والتخطيط العمراني ، حيث ظهر أنظمة معمارية متطورة في تلك الفترة ، كما تم العثور على الفسيفساء القديمة التي كشفت عن تطور الفنون والعمارة في تلك المدينة ، وهذا ما يعكس الدور الكبير لمدينة أريحا في التطور الثقافي والحضاري للبشرية .
–أهمية مدينة أريحا الاستراتيجية والاقتصادية :
تتمتع أريحا بموقع جغرافي متميز ، موقع استراتيجي قرب نهر الأردن ، موقع جعلها مركزاً تجارياً هاماً على مر العصور ، كانت المدينة نقطة رئيسية لعبور التجارة والجنود ، وأسهمت زراعة أريحا في دعم الاقتصاد المحلي ، حيث كانت تشتهر بزراعة النخيل والموز والعديد من المحاصيل الزراعية الأخرى ، كمان أن الأنظمة المائية التي تم تطويرها في المدينة لعبت دوراً كبيراً في دعم الزراعة وتوفير الماء لسكانها.
-على الرغم من كون أريحا مدينة تاريخية غنية بالتراث، فإن أريحا تواجه اليوم العديد من التحديات المرتبطة بالتحولات المعاصرة ، بسبب التغيرات الساسية والاجتماعية ،ومع ذلك تظل أريحا مركزاً مهماً بسبب آثارها التاريخية والمعالم الدينية،كما أنها لا تزال تحتفظ بطابعها الزراعي .
وفي الختام ، مدينة أريحا ، بما تحمله من تاريخ طويل وآثار عظيمة ، تمثل أقدم استيطان حضري معروف للبشرية، كانت هذه المدينة بمثابة نقطة انطلاق للتحول البشري من حياة ترحال إلى الاستقرار ، هذا ما مهد الطريق لنشوء حضارات متقدمة في العصور اللاحقة . اليوم تظل أريحا بموقعها التاريخي والديني ، و الشواهد الأثرية ، أحد أرقى الأمثلة على تطور الإنسان من مرحلة بدائية إلى مرحلة حضارية.