
أنشودة الانتصار.. لوحة نصر مرنبتاح
بقلم/ محمد جمال
لوحة إسرائيل والمعروفة أيضاً بـ لوحة نصر مرنبتاح وقد كشف عنها المؤرخ الأثري الفرنسي فرناند بتري F. Petrie عام 1896 وهي لوحة من الجرانيت الأسود في خرائب في معبد مرنبتاح الجنائزي في القرنة بطيبة الغربية، أطلق على هذه اللوحة تعسفاً اسم «لوحة إسرائيل». وتعود اللوحة في أول استخدام لها إلى عهد أمنحوتب الثالث (1405- 1367 ق.م)، وأعيد استخدامها في عهد مرنبتاح (1224- 1214 ق.م) حيث سجلت كتاباته على ظهر مسلة أمنحوتب الثالث.
• وصف لوحة نصر مرنبتاح :-
نرى في أعلى اللوحة منظراً مزدوجاً يظهر فيه مرنبتاح على يمين ويتبعه المعبود خونسو-نفر-حتب وهو يقوم بتقديم علامة الخبش بيده اليمنى إلى المعبود آمون وبيده اليسرى يمسك بعلامة حقا. وعلى اليسار مرنبتاح يعطى يده اليمنى علامة الخبش لآمون ويمسك بيده اليسرى علامة حقا ويتبعه المعبودة موت. وبعد ذلك يبدأ النص الذي يتكون من 28 سطراً، والذي يحدثنا فيه الملك مرنبتاح عن انتصاراته على الـ “تمحيو” [الليبيين]. وزعم علماء اللغة والآثار أن كلمة “إسرائيل” ذكرت في السطر 27 من اللوحة، ومن بين ما تمت كتابته على تلك اللوحة.
• الأصل العرقي لوحة نصر مرنبتاح :-
والمصطلح العرقى ” إسرائيل ” الذى قد ورد ذكره فى نص ” أنشودة الانتصار ” المسجل على لوحة انتصارات الملك مرنبتاح الشهيرة والمعروفة فى أدبيات علم المصريات بلوحة إسرائيل ، والذى قد جاء فيه : ” لا يرفع أحد رأسه من بين الأقواس التسعة ، الخراب للتحنو ، وبلاد خيتا قد أسكتت ، ونهبت كنعان وأصابها كل شر ، واستسلمت عسقلون ( عسقلان ) وأخذت جازر ، وينوعام أصبحت كأنها لم تكن ، وخربت إسرائيل ولم يعد لها بذور ، وأصبحت خارو أرملة لمصر ” هذه الرؤية قد جاءت اعتمادا على النظريات والرؤى الحديثة عن وجود مناظر حربية للملك مرنبتاح فى معبد الكرنك والتى كانت تنسب فى الماضى إلى والده الملك رمسيس الثانى ، وقد سجلت من خلالها بعض تفاصيل حملة مرنبتاح على بلاد كنعان لقمع التمرد الذي قام ضد الإمبراطورية المصرية هناك فى العام الخامس من عهده ، حيث قام من خلال هذه الحملة بقمع مدن عسقلان وجازر وينوعام في بلاد كنعان ( فلسطين ) ، بالإضافة إلى الكيان العرقى المسمى بإسرائيل.

• آراء العلماء حول مصطلح إسرائيل :-
كان جمهور المؤرخين وعلماء المصريات والذين كان أبرزهم السير آلن جاردنر ، ولورانس ستاجر ، وإيتامار سينجر ، وفرانك يوركو ، وكينيث كتشن ، وجيمس هوفماير ، وآخرون ، قد رأوا أن ” إسرائيل ” المذكورة فى نص أنشودة انتصار مرنبتاح هو الشعب الإسرائيلى القديم المعروف فى التوراة العبرية ، وقد لعبت الكثير من المعاهد والمؤسسات العلمية والبحثية الدولية دورا ملحوظا للترويج لهذا الرأى لإثبات التواجد التاريخي للشعب الإسرائيلى القديم فى تاريخ وحضارة مصر القديمة ، وللربط بين تاريخ ملك مصر العظيم مرنبتاح وبين أحداث الخروج الشهيرة المذكورة فى الكتب المقدسة .. وعلى الرغم من وجود بعض الآراء القديمة لبعض الباحثين ، والذين قد رأوا أن مصطلح ” إسرائيل ” لا يمت بصلة للشعب الإسرائيلى الذى ورد ذكره فى التوراة العبرية ، وإنما يرتبط بوادى يزرعيل وهو أحد الأودية الواقعة فى شمال فلسطين ، فإن هذا الرأى قد حاول جمهور العلماء تجاهله بشتى الطرق ، وكان لديهم الكثير من الوجاهة فى هذا الأمر لأن الاسم ” إسرائيل ” قد ورد فى النص المصرى كشعب أو قبيلة وليس كمدينة أو دولة ، حيث رسم الرجل والمرأة كمخصص ملحق باسم ” إسرائيل ” بدلا من المعتاد برسم المدينة أو الأرض الأجنبية فى تحديد أسماء المواقع ، والتى استخدمت كمخصص مع المدن الثلاثة السابقة عسقلان وجازر وينوعام.
وبالعودة حول مفهوم المصطلح العرقى ” إسرائيل ” ، فوفقا لما ورد فى مناظر الكرنك الحربية والتى نسبها العلماء مؤخرا إلى الملك مرنبتاح ، والتى قد تضمنت مناظر لحصار بعض المدن الكنعانية التى قد نسبها العلماء إلى مدن عسقلان وجازر وينوعام المذكورين في نص أنشودة الانتصار ، حيث ذكرت عسقلان صراحة فى نصوص مناظر الكرنك ، وجد كذلك أحد المناظر يمثل معركة بين الملك مرنبتاح وشعب يقاتل فى ساحة مفتوحة دون مدينة ، فاتفقت غالبية العلماء على أن هذا المنظر يمثل المعركة بين مرنبتاح والشعب الإسرائيلى القديم والذى قد صور كشعب أو قبيلة بدون دولة أو مدينة ، كما يدل نص أنشودة الانتصار المسجل على لوحة إسرائيل .. ومن خلال الدراسات والرؤى التى قامت حول تفاصيل هذا المنظر ، أن مصطلح ” إسرائيل ” لا يمكن أن يرتبط بتاتاً بالشعب الإسرائيلى القديم ، نظرا لتجسيد هذا الشعب فى منظر الكرنك بالهيئة الكنعانية ولامتلاكهم لتقنية عسكرية متطورة تتمثل في استخدامهم للعربات الحربية فى قتالهم ضد الملك مرنبتاح ، وهى تقنية عسكرية يصعب على الشعب الإسرائيلى امتلاكها خلال تلك الحقبة المبكرة من تاريخه.
ومن ثم فالأرجح أن مصطلح ” إسرائيل ” أو ” يسيريار ” المذكور فى نص أنشودة الانتصار ( لوحة مرنبتاح ) يرتبط بقبيلة كنعانية محاربة تواجدت فى بلاد كنعان خلال تلك الفترة من العصر البرونزي المتأخر ، وقد اشتركت فى أعمال التمرد ضد الإمبراطورية المصرية بشكل مؤثر ، الأمر الذى أولاها اهتماما من قبل كتبة مرنبتاح للذكر فى تفاصيل هذه الحملة ، كما ذكرت أن هذه القبيلة يحتمل أن تكون شبيهة بقبائل العابيرو البدوية التى كانت تحيا فى بلاد كنعان ( أرض فلسطين ) خلال تلك الحقبة وتمارس أعمال التمرد والغزو فى المناطق المختلفة من بلاد كنعان ، مما كان يجبر السلطات المصرية على إرسال حملات عسكرية لقمعها والسيطرة عليها لحفظ النظام فى مناطق السيادة المصرية فى كنعان كما أشارت المصادر المصرية مرارا خلال عهد الإمبراطورية المصرية ( 1550 – 1069 ق.م ) ،وجود وادى يزرعيل فى شمال فلسطين والذى يحمل تسمية ربما يمت اشتقاقها اللغوي بشدة إلى هذه القبيلة الكنعانية وقد ذكر البروفسير كريستوف أوهلينجر أن مصطلح ” إسرائيل ” المذكور فى نص أنشودة الانتصار ينبغى أن ينسب إلى الكنعانيين وليس إلى الشعب الإسرائيلى القديم.
• وختاماً، أن تسمية هذه اللوحة بـ “لوحة مرنبتاح”. يخالف ما جاء على وجهي اللوحة من نصوص. فهي تحتوى في وجهها الأمامي على نص من عهد الملك أمنحتب الثالث، وعلى ظهرها يوجد نص مرنبتاح.