المرأة والحياة

كيفية تعافي المرأة بعد الطلاق 

 

كتبت- ميرنا محسن: 

 

تبدو كلمة الطلاق وكأنها إطلاق سراح طرف لطرف آخر، الأمر الذي يحمل في طياته معانٍ إيجابية كثيرة منها: الحرية، عدم المسئولية تجاه الطرف الأخر وغيرها من أوجه كسر الوعود بين طرفين، فكل هذه المعاني تروق لأي إنسان، لكن السؤال هنا: هل الطلاق في حقيقة أمره يعتبر قرار سهل؟ هل آثار هذه التجربة تعد آثار مزمنة يُصعب التعافي منها؟ هل هناك بروتوكول محدد يمكن إتباعه لتخفيف حدة هذه الآثار؟

 

ينظر البعض إلى الطلاق نظرة سطحية مقصورة على انفصال طرفين عن بعض فحسب فالطلاق ليس هذا فقط، بل هو هدم لميثاق بين طرفين ينطوي على بنود من المودة والرحمة والسكن والأمان واستكمال رحلة حياة بأكملها مع الطرف الأخر، لتأتي ثلاثة حروف وتضع نقطة نهاية لذلك الميثاق الغليظ. نعم ثلاثة حروف قد تكون سبب في لحظة غضب لنهاية علاقة كاملة بين زوجين لكنها في الوقت ذاته قد تكون نابعة من تفكير عميق بين الزوجين ليرى كلاهما أن الصالح العام يكمن تحت مظلة هذه الحروف الثلاثة.

 

فأيًا كانت الأسباب الحقيقية وراء هذا القرار، فلا أحد منا يمكنه إنكار العواقب السلبية التي تعقب هذا القرار على كلا الزوجين، فالأمر هنا غير متعلق بكون الفرد ذكر أم أنثى، وليس متعلقاً بقضية المساواة التي ننادي بها للمرأة، فيكاد يكون الطلاق من الأمور التي يتساوى الرجل والمرأة دون مجهودات لتحقيق هذا التوازن.

 

فكلاهما يعاني وجع الفقد والبعد والتعلق مع الاعتراف الصريح بزيادة معدل كل هذه العواقب لدي طرف أكثر من الأخر وفقاً لدرجة تمسكه بهذه العلاقة السامية باحثاً عن سبل التعافي من تداعيات هذه التجربة كي ينهض مجدداً ليبدأ رحلة جديدة في الحياة ألا وهي حياة ما بعد الطلاق.

 

حقائق حول الطلاق: 

 

قد يكون الطلاق قرارك أنتِ وقد يكون قرار الطرف الأخر، في كلتا الحالتين ينتج عن هذا القرار ما يُسمي بمعاناة ما بعد الطلاق، والتي في غالبها تحمل أعراض سلبية تتنوع ما بين العزلة، الاكتئاب أو القلق من هذه التجربة وفي ذات الوقت من شك قدرة التعافي من سلبيات هذه التجربة، حقاً لأبد من أن يعطي كل طرف نفسه الحق في الحزن كي يستطيع التغلب على هذا الشعور حتى لا يتمكن منه ويسلبه حقه في حياة هادئة.

 

تحاول المرأة أثناء الفترة الانتقالية بين حدوث الطلاق وبدء الحياة مجدداً بالتأقلم والتكيف مع الوضع الجديد سالكةً مختلف السبل لإصلاح ما أفسدته هذه الكسرة، لذا فهذه الفترة هي الأدعى لتقديم شتى سبل الدعم الاجتماعي بمختلف أنواعه الذي يعد بمثابة مفتاح لعبور هذا الحاجز النفسي لتصل لأولى درجات سُلم التعافي من هذه الكسرة.

 

تتنوع أعراض ما بعد الطلاق عند المرأة ما بين: الشعور باليأس والخوف من المجهول أو ما يحمله لها الزمن بعد الطلاق مثل لأرق واضطرابات النوم، صعوبة في التركيز في أبسط الأشياء، البكاء السريع حتى لأبسط الأسباب والذي يكون في حقيقة الأمر تنفيساً عما تمر به من تغييرات نفسية، التفكير المستمر في النظرة النمطية للمرأة المُطلقة ليصل الأمر في بعض الأحيان للتفكير في الانتحار رغبةً من التخلص من كل العواقب الوخيمة التي تولدت عند المرأة بعد تجربة الطلاق.

 

صدمة ما بعد الطلاق: 

 

وفقاً لمقياس تقييم التكيف الاجتماعي الذي يقيس العلاقة بين أحداث الحياة، الضغط النفسي والقابلية للإصابة بالأمراض، اتضح أن الطلاق اعُتبر بمثابة أشد أوجه ضغوطات الحياة. لذا فإننا لا يمكننا إنكار العواقب السلبية للطلاق على المرأة والتي وفقاً لقوانين المنطق تختلف من امرأة لأخرى ومن حالة طلاق لأخرى، حيث يتوقف الأمر على عدة عوامل لعل من أهمها التداعيات التي حالت إلي قرار الطلاق بين الزوجين و نهج المعاملة المُتبع بينهما بعد وقوع الطلاق نفسه والذي من شأنه أن يخفف من وطأة هذا القرار أو يجعله أشبه بالعقدة عند كلا الزوجين.

 

إن تعرض المرأة لأوجه الإساءة المختلفة قبل وقوع الطلاق وعند وقوعه من شأنها أن تزيد فرص إصابة المرأة بصدمة ما بعد الطلاق، هذا بجانب التاريخ العائلي للمرأة من حيث التعرض للقلق الزائد عن الحد والاكتئاب المُفرط، فكل هذه العوامل تتفاعل مع بعضها البعض وكأنها تهيأ المرأة للإصابة بصدمة ما بعد الطلاق.

 

كما نؤكد أن حال مرور الفرد بأي موضع اختبار طاقة وصبر من المولى -عز وجل- فمهما حصل الفرد على دعم من الأشخاص المحيطين، فيبقى الفرد ترمومتر ذاته لذلك يجب على المرأة ألا تستسلم للتمادي في مشاعر الحزن و الضعف و أن تنتبه جيداً لأية أعراض تطرأ عليها من: المبالغة في إلقاء اللوم على ذاتها فيما يخص وقوع الطلاق ذاته وما ينتج عنه من عواقب لها ولأبنائها أو إلقاء اللوم علي الآخرين والظروف والمجتمع.

 

تجنب الاحتكاك بالأخرين خوفاً من الحديث عن تجربتها أو ربما لوم الاخرين لها و تفضيل العزلة، الانغماس في شعور الحزن لوقوع الطلاق، السلوك العدواني الغير معُتاد للمرأة في أسلوب حياتها، العصبية المُفرطة خاصةً علي الأبناء، الاحلام المزعجة “الكوابيس” التي قد تؤدي بالمرأة لتفضيل عدم النوم تجنباً لمثل هذه الأحلام، الشعور بالخجل عند التحدث عن ذكريات الماضي وكأنها هي وحدها السبب في وقوع الطلاق. فكل هذه الأعراض تتطلب من المرأة على الفور اللجوء إلى طلب الدعم من المحيطين بها أو ربما للمتخصصين في هذا الأمر سعياً للتخلص من هذه الازمة وحتى لا تتحول إلى أزمة مزمنة لدي المرأة يصعب التعافي منها.

 

روشتة التعافي من صدمة ما بعد الطلاق: 

 

1- الأكل الصحي: فلابد أن تحبي نفسك وتفضلي صحتك، بل وجعلها أولية أولى ضمن قائمة اهتماماتك لأن هذا من شأنه أن يشعرك بمزيد من الراحة وقدر من السعادة مما يساعد بدوره في التركيز على الأولويات التي من شأنها أن تدعم وتيرة تخطيك لهذه المرحلة من حياتك.

 

2- كوني رحيمة بذاتك: فبجانب أهمية الدعم الاجتماعي لابد ان تكوني انتي أولى من تدعمين نفسك. حبي نفسك عزيزتي وتجنبي جلد ذاتك ولومك على وقوع الطلاق، تحدثي مع نفسك كثيراً مؤكدة لها أنك مهمة وتستحقي التقدير والحب من حولك وأن الطلاق ليس نهاية المطاف، فحسب، بل قد يكون بداية اكتشاف ذاتك والتصالح معها.

 

3- أعطِ نفسك فترة كافية لتخطي هذه المرحلة: تقبلي مشاعرك من حزن وغضب وعدم الراحة مدركة أنها فترة انتقالية في حياتك وأنك سوف تتخطيها مع الوقت لأن استعجال زوال هذه المشاعر قد يؤدي بك لإخفاء مشاعرك محاولةً التظاهر بالقوة أمام الآخرين مما يجعل هذه المشاعر تبقى معك فترة طويلة.

 

4- انخرطِ مع الآخرين وتجنبِ العزلة: لا تستسلمِ أبداً لرغبتك في البقاء وحدك، بل حاولي الإندماج خاصةً مع الأشخاص الذين يشتركون معك في نفس الظروف مما يشعرك بأنك لستِ وحدك من تمر بهذه المرحلة أو التجربة.

 

5- حضور فصول التمارين الجماعية والأنشطة الذهنية: حيث تفضل شريحة كبيرة من النساء حضور فصول مثل: الزومبا والتي يُفضل حضورها في مرحلة ما بعد الطلاق لما لها من فرصة للمرأة للانخراط مع الآخرين وتجنب العزلة مع استعادة القدرة على التركيز. بجانب تفضيل فصول الأنشطة الذهنية مثل: اليوجا التي تعطي المرأة فرصة الحصول على قدر من البعد عن ضوضاء أفكارها والتخلص من مشاعر القلق والتوتر الغير متناهيان بعد وقوع الطلاق.

 

6- التنفيس عن مشاعرك بالتعبير الإبداعي: فكل امرأة في داخلها موهبة ما تلقي فيها ذاتها وتساعدها على تجاوز ما تمر به من ضغوطات الحياة اليومية وليس فقط أزمة الطلاق، فهذه الوسيلة من شأنها مساعدة المرأة على التنفيس عن مشاعرها التي قد يصعب عليها التعبير عنها بالطرق التقليدية للآخرين.

 

7- اكتب أفكارك: حيث إن هذه الوسيلة والتي تُسمي بالكتابة التأملية من شأنها أن تساعدك على تفريغ أفكارك وتحريرك العاطفي من أي مشاعر وأفكار سلبية.

 

8- اطلبي الدعم: لا تخجلي من طلب الدعم سواء من أفراد الأسرة، الأصدقاء أو إذا استدعى الأمر اللجوء لأحد المتخصصين فهذا من شأنه أن يسرع وتيرة التخطي من خلال مشاركة هذا الحمل مع أشخاص آخرين.

 

9- شاركي في الأعمال التطوعية: حيث أن المشاركة في مثل هذه الأنشطة من شأنها أن تساعدك على تحقيق ذاتك، بجانب إتاحة الفرصة لتكوين علاقات جديدة، بجانب زيادة شعورك بقدرتك على مساعدة الآخرين و الانخراط في مشكلاتهم مما يدعم ثقتك في قدراتك.

 

10- ركزي على نقاط القوة: تذكري دائماً ما حققتيه من إنجازات قبل المرور بهذه التجربة وأحلامك التي تستطيعي تحقيقها متذكرة أنك طالما مازالت على قيد الحياة، فأنت جديرة بهذه الحياة.

 

عزيزتي لا أحد منا ينكر أن الطلاق ليس سهلاً على الزوجين ويحتاج إلى فترة زمنية قد تطول أو تقصر من أجل التعافي من هذه الكسرة، فنطلق عليها الكسرة ليس لأنه ضربة ستكسرك، فحسب أنتي أقوي من تستلمي لتجربة في حياتك، فقط نطلق عليه كسرة لأنه بطبيعة الحال كسرة للعواطف بين الزوجين وللحياة الأسرية التي سعا معاً لتكوينها.

 

ضعي نصب عينيك دائماً أنك غالية وتستحقي الحب والتقدير والاهتمام، مؤكدة لنفسك دائماً أنك أقوى من الهزيمة، أقوى من أن تضع تجربة في حياتك نقطة نهاية لأحلامك، طموحاتك ولتقديرك لذاتك، انهضي مرة أخري سالكة طريق جديدة بحثاً عن السعادة، فالسعادة عزيزتي لها طرق عديدة كل منا يسلك الطريق الأنسب له، فلا يعني عدم الوصول لها من طريق ما أنه لا يمكن تحقيقها عبر طرق أخرى.

إقرأ أيضاً:- 

كيف توازن المرأة بين عملها وحياتها الشخصية؟

MEU

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى