إخناتون اسطورة التوحيد
✍️بقلم الباحثة/ إيمان سيد رمضان
أمنحوتب الرابع “نفر خبرو – رع رع – ان رع ” (اخناتون ):-
“إخناتون” بمعنى (المخلص لآتون أو الروح الحية لآتون)
كان “أمنحوتب الرابع” الابن الأصغر للملك “أمنحوتب الثالث” من الملكة “تيي” التي كانت الزوجة العظمى المفضلة لدى “أمنحوتب الثالث”، ولم يكن مقدرا أمنحتب الرابع أن يكون ولى العهد حتى وفاة الأخ الأكبر له “تحتمس”والذى له الاحقية فى تولى الحكم إلا أن وافته المنية قبل توليه الحكم …..
“أمنحوتب الرابع” هو عاشر ملوك الأسرة 18… حكم مع زوجته الرئيسية “نفرتيتي” لمدة 17 عام والتي أنجبت له ست بنات
ويوجد له زوجة ثانوية وهى “كيا” ويرجح انها والدة الملك الشهير “توت عنخ أمون”……
” تولي أمنحوتب الرابع عرش البلاد بعد وفاة أبيه”
ولم يكن “أمنحوتب الرابع” ملكا محاربا كالملوك الذين سبقوه … بل أهمل السياسة الخارجية وبدأت مصر تفقد أجزاء من إمبراطوريتها فى الوقت الذي كانت فيه منطقة الشرق القديم تفور بالصراع وبدلا من صورة الملك المحارب التي كانت لابد وأن تظهر لتعيد مصر لقمة الأحداث مرة أخرى إذا بصورة جديدة تماما تطل علينا وهي صورة الملك المسالم صاحب الثورة الدينية على الآلهة وعلى كهنة “آمون رع” بصفة خاصة……
حاول توحيد آلهة مصر القديمة بما فيها الإله “أمون رع” في شكل الإله الواحد “آتون” ونقل العاصمة من طيبة (الأقصر) إلي عاصمته الجديدة بالمنيا “آخت آتون / أخيتاتون” أي “أفق آتون” وهي المنطقة المعروفة الآن بتل العمارنة….
قام “أمنحتب الرابع” بإلغاء عبادة الآلهة وأغلق المعابد وغير اسمه من “أمنحتب الرابع” إلى “إخناتون” ومعناه “المخلص لآتون” وأعلن “آتون” المتمثل فى القوة الخفية وراء قرص الشمس إلها رسميا للبلاد وجعله صورة مجردة ولم يجعل له تمثالا وأشار إليه فى أناشيده التي كرسها له بالشمس وضوئها……
لم تكن ثورة اخناتون ثورة دينية فقط بل أحدث ثورة فى الفن الواقعي ولاسيما في النحت والرسم والأعمال النحتية والنقاشيةلتلك الفترة بعدت كثيرا عن الكلاسيكية والترف فى الفن الذي كان فى عهد ممن سبقوه من الملوك
بل اتجه الى التقشف والتبسط ودليل على ذلك أن أغلب فن تل العمارنة فى تلك الفترة كان من الحجر الرملي البسيط وميله للواقعية مع كثير من المبالغة فى الأعمال الفنية …
فلا نعلم إذا كان التمثال ذكرا كان أم أنثى ودليل ذلك ملامح الملك إخناتون نفسه التي كانت أقرب للتخنث منها للرجال وبنيته النحيفة الضعيفة التي لا تصلح أن تكون بنية محارب كما حال أسلافه وأيضا الميل إلى إظهار الأجساد بهيئة مترهلة سمينة وبطن منتفخة وأثداء مترهلة محاكاة فى ذلك للمعبود”حعبي” للدلالة على الخصوبة والتجدد كما حال نهر النيل كل ذلك نلمح أثره فى فن العمارنة وبخاصة التماثيل……
أخناتون أو أمنحوتب الرابع هو فرعون من الأسرة الثامنة عشر، «آمون يرضى»، ويُدعى في المصادر الكلاسيكية أَمنوفيس . والده أمنحوتب الثالث (1417 -1379 ق.م)، ووالدته تيي التي تحدَّرت من بيئة شعبية، على خلاف ما عُرف عن زوجات الفراعنة اللواتي تحدّرن من سلالات مميزة. أما مرضعته فهي تي، وزوجها قائد المركبات أيي، وخالته شقيقة الملكة الأم هي «موت نجمة»
حكم مع زوجته نفرتيتي لمدة 17 سنة منذ عام 1369 ق.م كلمة أخناتون معناها الجميل مع قرص الشمس. حاول توحيد آلهة مصر القديمة بما فيها الاله أمون رعفي شكل الإله الواحد أتون. ونقل العاصمة من طيبة إلي عاصمته الجديدة أخت أتون بالمنيا. وفيها ظهر الفن الواقعي ولاسيما في النحت والرسم وظهر أدب جديد يتميز بالأناشيد للإله الجديد آتون. أو ما يعرف حاليا بنظام تل العمارنة. وإنشغل الملك إخناتون بإصلاحاته الدينية وانصرف عن السياسة الخارجية وإدارة الإمبراطورية الممتدة حتي أعالي الفرات والنوبة جنوبا. فانفصل الجزء الآسيوي منها. ولما مات خلفه أخوه توت عنخ أمون الذي ارتد عن عقيدة آتون وترك العاصمة إلى طيبة وأعلن عودة عقيدة أمون معلنا أنه توت عنخ آمون. وهدم كهنة طيبة آثار إخناتون ومدينته ومحوا اسمه من عليها.
وبداية حكمه اختلطت بنهاية حكم أبيه الذي بلغت مصر في عهده ذروة مجدها في تاريخها القديم، وامتد نفوذها من الجزيرة الفراتية والأناضول وكريت وحوض بحر إِيجه إِلى النوبة وقد تلقى الملك الشاب اسمه الملكي الذي حمله بعد تتويجه نفر خبرو رع ولكنه بعد ست سنوات من اعتلائه العرش دعا نفسه أَخناتون وهو الاسم الذي اشتهر به.
“سنوات حكمه المبكرة كأمنحوتب الرابع”
مرّت السنوات الأولى من حكم أمنحوتب الرابع، أخناتون، بوصفه مشاركاً للسلطة مع أبيه في العاصمة طيبة. ولكنه كان مصمماً على تحقيق إِصلاح ديني جذري، فترك العاصمة طيبة برضى أبيه الملك، وأسس على مسافة تقرب من ثلاثمئة وخمسة وسبعين كيلو متراً إِلى الشمال من طيبة، بعيداً عن أرض آمون, مدينة جديدة سرعان ما أضحت عاصمة زاهرة هي أخيت آتون (تل العمارنة).
ونقل أخناتون بعدئذ مقره إِلى هذه المدينة الجديدة ليعيش فيها مع زوجاته وجواريه وأفراد حاشيته من كبار الموظفين وبناته الست اللواتي أنجبن نفرتيتي. ويبدو أن العائلة المالكة عاشت حياة سعيدة في أخيت آتون حتى انقسام الأسرة في أواخر سنوات حكمه.
ولم يقتصر التغيير في أسلوب حياة الفرعون على علاقته بأسرته ورعيته, بل كان ثمة تغيير في أسلوب الملك تبرز دراسة الرسائل الدبلوماسية في أرشيف تل العمارنة وهي تكشف عن أسلوب التراسل بين ملوك وأمراء كنعان وأمورو (فلسطين وسورية) من جهة والفرعون من جهة أخرى.
وتدل دراسة عصر العمارنة برمته على تدهور النفوذ الفرعوني في المناطق التابعة بعد التراخي في فرض هيبة الملك التي تراجعت كثيراً عما كانت في عصر تحتمس الثالث. فمبلغ الجزية المفروضة على البلاد لم تعد تصل إِلى خزانة فرعون. ولم يتحرك القصر الفرعوني كما يقتضي الأمر لمواجهة الوضع الدولي الناجم عن تراجع مصر أمام تقدم النفوذ الحوثي. ويبدو أن مؤامرة كبيرة أطرافها من الداخل: كهنة آمون في طيبة وقائد الجيش حورمحب من جهة, وأمراء كنعان وأمور ومن جهة أخرى, قد تم تدبيرها للإطاحة بحكم العاهل الذي كان منصرفاً إِلى الإِصلاح الديني, من دون أن يكون محيطاً بما كان يجري من الأحداث حوله.
ومرّ زمن كان فيه الملك قابضاً بيد قوية على زمام الأمور في طيبة وفي القصر. وكان باستطاعته أن يأمر بتشييد معابد ضخمة لآتون في طيبة بجوار معبد آمون. ولكن بعد السنة الثانية عشرة من حكمه أخذ الضعف يدبُّ في بنية السلطة. ووقع الانشقاق في الأسرة الملكية نفسها. فتركت الملكة نفرتيتي القصر الملكي في وسط مدينة أخيت آتون مع المربية تي وزوجها الكاهن إِيي وأربع من بناتها والأمير الصغير توت عنخ آتون واتخذت لنفسها مقراً في شمالي المدينة، في حين استقر الملك في قصر آخر في جنوبي العاصمة. ووثق صلته بأخيه الأصغر «سمنخ كارع» ليجعله صهره وزوجاً لابنته وشريكاً له في إِدارة الُملك، وبذلك دخل عصر العمارنة مرحلة جديدة.
في هذه المرحلة تفاقمت حالة الملك النفسية، ازدادت تصرفاته اضطراباً، فغدت شبه عشوائية ووسّع جبهة المناهضين لحركته الدينية عندما أمر بتحطيم تماثيل آمون و بمحو اسمه من النقوش، وألغى ألقابه وكل ما كان يطلق عليه من صفات تعبر عن الاعتقاد بحماية عرشه الملكي. واتسع نطاق هذا التغيير في الحياة الدينية في مصر القديمة حتى شمل صورة الصقر التي يرمز بها إِلى الربّة نخبت, وشُوَّه اسم مدينة آمون (طيبة) المكتوب بالهيروغليفية، وأصدر الملك أوامره بإِزالة تلك الصور الممقوتة حتى حدود النوبة، وإِحلال عبادة آتون محلها في كل أنحاء البلاد.
وقد اصطدمت هذه السياسة الدينية التي قادها الملك بمعارضة قوية تزعمها كهنة المعابد الذين كانوا أكثر المتضررين من توحيد العبادة، وكذلك النبلاء الذين هدَّدت الإِصلاحات امتيازاتهم، والضباط والقادة العسكريون الذين تقلص نفوذهم في الدولة لقلة اهتمام الملك بالجيش وعزوفه عن متابعة سياسة أسلافه التوسعية، فأصاب الوهن القدرات العسكرية للدولة وتدهورت هيبتها المعهودة داخلياً وخارجياً، وتوغلت دول الأناضول القوية في سورية. وقد أشارت وثائق العمارنة ولاسيما الرسائل الدبلوماسية منها إِلى حقيقة الوضع في فلسطين وسورية في مواجهة التوسع الحيثي.
وكان لانصراف أخناتون عن قيادة جيوشه أو تحريكها بطريقة فعالة من أجل المحافظة على مواقع مصر في آسيا الغربية، والاكتفاء بالعمل على نشر عقيدته الجديدة عواقب وخيمة كلّفت البلاد ثمناً باهظاً، إِضافة إِلى انهيار العلاقات التجارية لانعدام الأمن والاستقرار، وانتهت أيام الملك في خضم أزمة مأساوية، وآلت الأمور بادىء الأمر إِلى وريثه سمنخ كارع الذي عمل على إِعادة الاتصال بمنفيس وطيبة، وأعاد مصر إِلى التعددية الدينية.
ودفن أخناتون في عاصمته أخيت آتون. وقد تعرّف علماء الآثار على قبره، ولكنهم لم يعثروا إِلاّ على حطام ناووسه الملكي الذي رمم ونقل إِلى متحف القاهرة. أما مومياؤه التي لم يعثر عليها فلا يعرف أحد ماذا حلّ بها. وقد يكون أصابها ما أصاب أخيت آتون (تل العمارنة) من التدمير على يدي القائد حورمحب الذي كان في مقدمة من عمل على إِنهاء عصر العمارنة وعلى الإِطاحة بحكم أخناتون.
وقد عثر في وادي الملوك على مومياء يظن أنها مومياؤه ولكن لا توجد دلائل قاطعة على ذلك. وبعد سمنخ كارع الذي حكم مدة قصيرة اعتلى العرش توت عنخ آتون الذي اضطر إِلى تبديل اسمه إِلى توت عنخ آمون مؤذناً بإِعادة الاحترام لآمون ولكهنة طيبة الأقوياء. وهكذا انهارت هذه المحاولة المبكرة لقلب الوجدان الديني التقليدي في مصر القديمة ولإِحلال وحدانية الإِله محل التعددية.
“تغيير اسمه إلى إخناتون”
في عام 1380 ق.م مات أمنحوتپ الثالث الذي خلف تحتمس الثالث على عرش مصر بعد حياة حافلة بالعظمة والنعيم الدنيوي ، وخلفه إبنه أمنحوتب الرابع الذي شاءت الأقدار أن يعرف بإسم اخناتون. ولدينا تمثال نصفي لهذا الملك واضح المعارف ، عثر عليه في تل العمارنة،
ولم يكد يتولى الملك حتى ثار على دين آمون وعلى الأساليب التي يتبعها كهنته. فقد كان الهيكل العظيم بالكرنك طائفة كبيرة من النساء يتخذن سراري لآمون في الظاهر، ليستمتع بهن الكهنة في الحقيقة.
وكان الملك الشاب في حياته الخاصة مثالاً للطهر والأمانة، فلم يرضه هذا العهر المقدس؛ وكانت رائحة دم الكبش الذي يقدم قرباناً لآمون كريهة نتنة في خياشيمه كما كان إتجار الكهنة في السحر والرقى، وإستخدامهم نبوءات آمون للضغط على الأفكار بإسم الدين، ولنشر الفساد السياسي، مما تعافه نفسه، فثار على ذلك كله ثورة عنيفة، وقال في هذا: “إن أقوال الكهنة لأشد إثماً من كل ما سمعت حتى السنة الرابعة (من حكمه)؛ وهي أشد إثماً مما سمعه الملك أمنحوتب الثالث
وثارت روحه الفتية على الفساد الذي تدهور إليه دين شعبه، وكره المال الحرام والمراسم المترفة التي كانت تملأ الهياكل، واحفظه ما كان لطائفة الكهنة المرتزقة من سيطرة على حياة الأمة. ثار الرجل على هذا كله ثورة الشعراء، فلم يقبل تراضياً ولم يقنع بأنصاف الحلول، وأعلن في شجاعة أن هاتيك الآلهة وجميع ما في الدين من إحتفالات وطقوس كلها وثنية منحطة، وأن ليس للعالم إلا إله واحد هو- آتون.
ورأى إخناتون- كما رأى أكبر في الهند من بعده بثلاثين قرناً- أن الألوهية أكبر ما تكون في الشمس مصدر الضوء وكل ما على الأرض من حياة. ولسنا نعلم هل أخذ نظريته هذه عن بلاد الشام، أو ابتدعها من عنده وهل كان آتون مجرد صورة أخرى لأدنيس. وأياً كان أصل هذا الإله فقد ملأ نفس الملك بهجة وسروراً ، فاستبدل بإسمه الأول أمنحوتب المحتوي على لفظ آمون إسم إخناتون ومعناه “آتون-راض” ،
واستعان ببعض الترانيم القديمة، وبعض قصائد في التوحيد- نشرت في أيام سلفه – فألف أغاني حماسية في مدح آتون.
“شرح عقيدة التوحيد عند أخناتون”
لعل عقيدة التوحيد هذه كانت صدى لوحدة عالم البحر الأبيض المتوسط تحت حكم مصر في عهد تحتمس الثالث، كما يقول برستد. ويرى إخناتون أن إلهه رب الأمم كلها . إن آتون لا يوجد في الوقائع والانتصارات الحربية، بل يوجد في الأزهار والأشجار وفي جميع صور الحياة
وليس الإله إنساناً في صورة البشر دون غيرها من الصور ، بل إن هذا الإله الحق هو خالق حرارة الشمس ومغذيها ؛ وليس ما في الكرة المحرقة والآفة من مجد ملتهب إلا رمزاً للقدرة الغائبة. على أن هذه الشمس نفسها تصبح في نظر إخناتون “رب الحب” لما لها من قدرة شاملة مخصبة مباركة
وهكذا يصبح آتون آخر الأمر رمزاً للأبوة الجزعة القلقة الرحيمة الرقيقة القلب كان رب الرحمة والسلام. ومن مآسي التاريخ أن إخناتون بعد أن حقق حلمه العظيم حلم الوحدانية العامة التي سمت بالبشرية إلى الدرجات العُلى لم يترك ما في دينه الجديد من صفات نبيلة يسري في قلوب الناس ويستميلها إليه على مهل ، بل عجز عن أن يفكر في الحقائق التي جاء بها تفكيراً يتناسب مع الواقع. لقد خال أن كل دين وكل عبادة عدا عقيدته وعبادته فحش وضلال لا يطاق.
فأصدر أمره على حين غفلة بأن تمحى من جميع النقوش العامة أسماء الآلهة كلها إلا اسم آتون، وشوه إسم أبيه بأن محا كلمة آمون من مئات الآثار، وحرم كل دين غير دينه، وأمر أن تغلق جميع الهياكل القديمة. وغادر طيبة لأنها مدينة نجسة، وأنشأ له عاصمة جديدة جميلة في إخناتون “مدينة أفق آتون”.
وما لبثت طيبة أن تدهورت بعد أن أخرجت منها دور الحكومة- وخسرت رواتب الموظفين، وأضحت إخناتون حاضرة غنية أقيمت فيها المباني الجديدة- ونهض الفن بعد أن تحرر من أغلال الكهنة والتقاليد. ولقد كشف السير وليم فلندرز بيتري في تل العمارنة- وهي قرية حديثة أنشئت في موقع إخناتون القديمة- طواراً جميلاً تزينه صور الطيور، والسمك وغيرهما من الحيوانات ، رسمت كلها أدق رسم وأجمله. ولم يفرض إخناتون على الفن قيوداً بل كل ما فعله من هذا القبيل أن حرم على الفنانين أن يرسموا صوراً لآتون، لأن الإله الحق في اعتقاده لا صورة له.
وما أسمى هذه من عقيدة. ثم ترك الفن بعدئذ حراً طليقاً ، عدا شيئا واحداً آخر، وهو أنه طلب إلى فنانيه: بِك، وأوتا، ونتموز، أن يمثلوا الأشياء كما يرونها، وأن يغفلوا العرف الذي جرى عليه الكهنة. وصدع هؤلاء بأمره، وصوروه هو نفسه في صورة شاب ذي وجه ظريف رقيق رقة تكاد تبلغ حد الوجل، ورأس مستطيل مسرف في الطول، واسترشدوا في تصويرهم بعقيدته الحيوية في إلهه، فصوروا كل الكائنات الحية نباتية كانت أو حيوانية في تفصيل ينم عن حب وعطف عظيمين، ودقة لا تسمو عليها دقة في أي مكان أو زمان. وكان من أثر هذا أن ازدهر الفن أعظم ازدهار لأن الفن في جميع العصور يحس بآلام المسغبة و القتام.
ولو أن إخناتون كان ذا عقل ناضج لأدرك أن ما يريده من خروج على تعدد الآلهة القديم المتأصل في عادات الناس وحاجاتهم، إلى وحدانية فطرية تخضع الخيال للعقل، لأدرك أن هذا تغيير أكثر من أن يتم في زمن قصيرة؛ وإذن لسار في عمله على مهل وخفف من حدة الانتقال بأن جعله على مراحل تدريجية. ولكنه كان شاعراً لا فيلسوفاً، فاستمسك بالحقيقة المطلقة فتصدع بذلك جميع بناء مصر وانهار على أم رأسه.
ذلك أنه ضرب ضربة واحدة جرد بها طائفة غنية قوية من ثرائها فأغضبه عليه، وحرم عبادة الآلهة التي جعلتها العقيدة والتقاليد عزيزة على الناس. ولما أن محا لفظ آمون من إسم أبيه خيل إلى الناس أن هذا العمل زيغ وضلال، إذ لم يكن شيء أعز عليهم من تعظيم الموتى من أسلافهم.
وما من شك في أن إخناتون قد إستخف بقوة الكهنة وعنادهم، وتغالي في قدرة الشعب على فهم الدين الفطري. وقام الكهنة من وراء الستار يأتمرون و يتأهبون، وظل الناس في دورهم وعزلتهم يعبدون آلهتهم القديمة المتعددة. وزاد الطين بلة أن مئات الحرف التي لم تكن لها حياة إلا على حساب الهياكل أخذت تزمجر في السر غضباً على الملك الزنديق، بل إن وزرائه وقواده بين جدران قصوره كانوا يحقدون عليه ويتمنون موته. ألم يكن هو الرجل الذي ترك الدولة تنهار وتتقطع أوصالها بين يديه؟.
وكان الشاعر الفتى في هذه الأثناء يعيش عيشة البساطة والإطمئنان. وكانت له سبع بنات ولكنه لم يكن له ولد ذكر. مع أن القانون كان يجيز له أن يطلب وارثاً ذكراً من زوجة ثانية، فإنه لم يقدم على هذا الحل، وآثر على أن يظل وفياً لنفرتيتي. ولقد وصلت إلينا تحفة صغيرة من عهده تظهره يحتضن الملكة؛ كما أجاز لمصوري أن يرسموه في عربة يسير بها في الشوارع يلهو ويطرب مع زوجته وبناته. وكانت الملكة تجلس إلى جانبه في الإحتفالات وتمسك بيده كما كانت بناته يلعبن إلى جانب عرشه. وكان يصف زوجته بأنها: “سيدة سعادته” ويقول “إن الملك يبتهج قلبه حين يسمع صوتها”؛ وكان في قسمه يقسم بهذه الصيغة: “بقدر ما تسعد قلبي الملكة وأطفالها”. لقد كان حكم هذا الملك فترة من الحنو والعطف وسط ملحمة القوة والسلطان في تاريخ مصر.
وجاءت الرسائل المروعة من الشام تنغص على الملك هذه السعادة الساذجة البريئة، فقد غزا الحيثيون وغيرهم من القبائل المجاورة لهم البلاد التابعة لمصر في الشرق الأدنى. وأخذ الحكام المعيَّنون من قِبَل مصر يلحون في طلب النجدة العاجلة. وتردد إخناتون في الأمر؛ ذلك أنه لم يكن على ثقة من أن حق الفتح يبرر إخضاع هذه الولايات لحكم مصر؛ وكان يكره أن يرسل المصريين ليهلكوا في ميادين القتال البعيدة دفاعاً عن قضية لا يثق بعدالتها.
ولما رأت الولايات أنها لا تطلب النجدة من ملك حاكم بل تطلبها من ولي صالح ، خلعت حكامها المصريين، وامتنعت في غير جلبة عن أداء شيء من الخراج ، وأصبحت حرة مستقلة في جميع شؤونها. ولم يمض من الزمن إلا أقصاه حتى خسرت مصر إمبراطوريتها الواسعة، وانكمشت حتى عادت دولة صغيرة ضيقة الرقعة.
وسرعان ما أقفرت الخزانة المصرية التي ظلت قرناً كاملاً تعتمد أكثر ما تعتمد على ما يأتيها من الجزية الخارجية. ونقصت الضرائب المحلية إلى أقصى حد، ووقف العمل في مناجم الذهب، وعمت الفوضى في جميع فروع الإدارة الداخلية. وألفا أخناتون نفسه فقيراً لا صديق له ولا معين في عالم كان يخيل إليه من قبل أنه كله ملك له. واندلع لهيب الثورة في جميع الولايات التي كانت تابعة لمصر وقامت جميع القوى الداخلية في وجهه تناوله وتترقب سقوطه،،
“رأي العلماء والباحثين في علم الأديان في نبوة أخناتون (أمنحوتب الرابع) ”
هل إخناتون نبى؟ بالوقائع التاريخية كل مواصفات النبوة تنطبق عليه.. ولكن!!
عن كاهل الحضارة المصرية العريقة، التى أشاعت النور للعالم، وسطرت نموذجا تعريفيا يحتذى به فى مختلف المجالات والعلوم، ولم يترك المصرى القديم شيئا كان صغيرا قبل الكبير، إلا وكان له بصمة واضحة ومتفردة ما زالت تثير اهتمام ودهشة وإعجاب العالم بأثره، فإننا نتطرق اليوم للإجابة عن السؤال المهم والذي اختلف عليه المولعون بتاريخ وآثار مصر، وهو: هل الملك أمنحوتب الرابع، وكنيته «إخناتون» نبى من أنبياء الله؟ إذا ما وضعنا فى الاعتبار أن القرآن الكريم ذكر 25 نبيا، لكن هناك عددا آخر لم يذكرهم، مصداقا لقوله سبحانه وتعالى فى سورة غافر: «ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك وما كان لرسول أن يأتى بآية إلا بإذن الله فإذا جاء أمر الله قضي بالحق وخسر هنالك المبطلون».. صدق الله العظيم.
وأرسل الله تعالى رسلا إلى كل أمة من الأمم، وقد ذكر أنهم متابعون، الرسول يتبعه الرسول، وقال سبحانه وتعالى في صورة المؤمنون: «ثم أرسلنا رسلنا تترا كل ما جاء أمة رسولها كذبوه فأتبعنا بعضهم بعضا وجعلناهم أحاديث فبعدا لقوم لا يؤمنون».. كما قال المولى عز وجل فى سورة فاطر: «إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا وإن من أمة إلا خلا فيها نذير».
إذن هناك رسل لم يذكرهم القرآن، وحسب بعض الأحاديث الصحيحة، الواردة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن عددهم كبير، ففى مسند الإمام أحمد عن أبى ذر رضى الله عنه قال، قلت يا رسول الله كم المرسلون؟ قال: «ثلاثمائة وبضعة عشر جما غفيرا»، وفي رواية أبى أمامة قال أبو ذر، قلت يا رسول الله كم وفاء عدة الأنبياء؟ قال: مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا، والرسل من ذلك ثلاثمائة وخمسة عشر جما غفيرا».
تأسيسا على ذلك، فإن بعض الباحثين فى علم الأديان، جنحوا إلى الظن ببعض الشخصيات التاريخية، أنهم أنبياء لم يذكرهم القرآن، وتنطبق عليهم المعايير التي تنطبق على الأنبياء والرسل المذكورين، مع الوضع فى الاعتبار أن علم الأديان عبارة عن دراسة علمية وموضوعية تتناول ديانات العالم الماضية والحاضرة، تتوخى معرفة الديانات فى ذاتها، واكتشاف نقاط التشابه والاختلاف فيما بينها.
من بين هؤلاء الذين يحاول الباحثون فى علم الأديان، التأكيد على أنه نبى، هو الملك أمنحوتب الرابع، الملقب بـ«إخناتون» وهو أحد ملوك الأسرة الثامنة عشر، انطلاقا من أن هناك صفات للنبوة، عدد كبير منها ينطبق على الملك «إخناتون»، أبرزها أن ما من نبى إلا ويحمل رسالة دينية جديدة، يبشر بها بين قومه، وما من نبى إلا وتعرض للاضطهاد، ثم الهجرة إلى مكان جديد، ويؤسس مدينة جديدة، تنطلق منها دعوته.
وإخناتون، فى العام السابع من حكمه، بشّر بديانة جديدة تدعو للتوحيد وعبادة الإله «أتون»، منقلبا على «أبو الآلهة» حينذاك «آمون رع»، مما دفع الكهنة إلى الوقوف ضده بقوة، مستخدمين نفوذهم، لمنع التبشير بهذه الديانة، واضطهاد أتباعها، وتضييق الخناق عليهم، ولم يجد «إخناتون» سبيلا أمام الحرب الضروس ضده سوى الهجرة من طيبة «الأقصر» جنوبا إلى «تل العمارنة» بمحافظة المنيا شمالا.
وبمجرد أن وصل تل العمارنة، أسس معبد الشمس، لعبادة إله واحد «أتون رع»، ثم ولأول مرة فى تاريخ المصريين القدماء، منذ الأسرة الأولى، يسمح ملك ببناء بيوت للفقراء لتجاور قصور الملوك والأمراء والنبلاء، فى رسالة مساواة بين العباد.
وزهد إخناتون، الحكم، وظل يتعبد فى معابد الشمس، تاركا إدارة شأن البلاد داخليا وخارجيا يقتسمها رجال بلاط قصره مع والدته الملكة «تى»، فتشتت القرارات واتقسمت مصر داخليا ما بين كهنة «آمون رع»، الذين حكموا طيبة فى الجنوب، والملك الشرعي الذي انشغل بفلسفته الخاصة وإصلاحاته الدينية، ومصر كانت حينها إمبراطورية ممتدة من أعالى النيل والنوبة جنوبا، وبابل وبلاد الشام آسيويا.
التبشير بالديانة الجديدة، وجوهرها وفلسفتها الرامية للتوحيد، وأن هناك إلها واحدا يمنح الحياة للبشر والنباتات والحيوانات، وكل الكائنات الحية، ثم تعرضه للاضطهاد، وقرار الهجرة فى جنح الليل، وعند وصوله بنى معبدا، ثم مدينة قائمة على العدل والمساواة، وأخيرا، الزهد فى الحكم والمُلك، كلها أسباب دفعت للتأكيد أنها علامات بارزة للنبوة، ومن ثم ربما يكون إخناتون نبى، من الأنبياء الذين لم يذكرهم القرآن.. والله أعلى وأعلم!
لكن.. ورغم كل الأسباب التى سردتها، والصفات التى تدفع بأن إخناتون نبى، يتبقى أمر جوهرى، وهو أن الكتب السماوية الثلاثة لم تذكر شيئا عن إخناتون.. وهنا نعيد التأكيد على خطورة إقحام التاريخ، المنتج البشرى، فى الأديان السماوية، المنتج الإلهى، والعكس…..
“وفاة الأسطورة اخناتون”
ولم يكد يتم الثلاثين من عمره حتى توفي في عام 1362 ق.م محطم القلب بعد أن أدرك عجزه عن أن يكون مَلِكاً وأيقن أن شعبه غير جدير به.
ولما مات “إخناتون” خلفه “سمنخ كا رع” ثم أخوه “توت عنخ أمون” الذي ارتد عن عقيدة والده وهى عبادة “آتون” وترك العاصمة “أخيتاتون” بالمنيا التى اتخذها والده “إخناتون” وذهب إلى طيبة (الأقصر) وأعلن عودة عقيدة عبادة الاله “أمون” معلنا أنه “توت عنخ آمون” وهدم كهنة طيبة آثار “إخناتون” ومدينته “أخيتاتون” بالمنيا ومحوا اسمه من عليها.