صاغ تقرير للبنك الدولي مفهوم فخ الدخل المتوسط وفي ذلك الوقت كان المصطلح يستخدم لوصف البلدان التي تقع في الغالب في أميركا اللاتينية والشرق الأوسط، والتي لم تتمكن قط من التحول إلى بلدان مرتفعة الدخل، على الرغم من النمو الاقتصادي وانخفاض معدلات الفقر واليوم لا يزال فخ الدخل المتوسط يثقل كاهل أكثر من 100 دولة حول العالم، وفقًا لتقرير البنك الدولي عن التنمية في العالم للعام 2024 ولكن ما هو فخ الدخل المتوسط بالضبط والأمر الأكثر أهمية هو كيف يمكن للبلدان التغلب عليه أو تجنب الوقوع في هذا الفخ تماماً.
فخ الدخل المتوسط يهدد دول كثيرة
في نهاية العام 2023، صنف البنك الدولي البلدان ذات الدخل المتوسط باعتبارها اقتصادات يتراوح نصيب الفرد فيها من الدخل القومي الإجمالي بين 1136 دولارا و13845 دولارا ويمكن تصنيف البلدان ضمن هذه المجموعة إلى بلدان ذات دخل متوسط أدنى حيث يكون إجمالي نصيب الفرد من الدخل القومي بين 1136 دولارا و4465 دولارا وبلدان ذات دخل متوسط أعلى نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي بين 4466 دولارا و13845 دولارا وذلك بحسب تقرير للمنتدى الاقتصادي العالمي.
حيث يعيش اليوم نحو 75 بالمئة من سكان العالم في بلدان متوسطة الدخل، بما في ذلك نحو 66 بالمئة من الناس الذين يعيشون في فقر مدقع، ووفقاً لتقرير البنك الدولي الذي يضيف التقرير أن البلدان متوسطة الدخل مسؤولة عن 40 بالمئة من الناتج الاقتصادي العالمي ووفقا للبنك الدولي يوجد حاليا 108 دولة بما في ذلك الاقتصادات الكبرى مثل الصين والبرازيل وتركيا والهند عالقة في فخ الدخل المتوسط.
تحديات للبلدان متوسطة الدخل
تواجه الكثير من البلدان المتوسطة الدخل رياحاً معاكسة خطيرة وهي تتعلق بالنمو الاقتصادي والمنافسة على الأجور والابتكار، كما تعتمد في كثير من الأحيان على سياسات تقوم على تدابير سطحية للكفاءة الاقتصادية
ويضيف التقرير أن هذه الظروف تجعل البلدان المتوسطة الدخل عرضة بشكل خاص للتباطؤ المبكر في التنمية.
بلدان عالقة في الفخ
وفي تقرير منفصل، يشير صندوق النقد الدولي إلى أن العديد من البلدان التي علقت في فخ الدخل المتوسط في العقود الأخيرة وجدت نفسها محاصرة بين التكنولوجيا المتقدمة المتغيرة بسرعة في البلدان الغنية، والمنافسة في المنتجات الناضجة من البلدان الفقيرة ذات الأجور المنخفضة ويؤكد البنك الدولي أن آفاق النمو في البلدان المتوسطة الدخل تعتمد على قدرتها على زيادة الإنتاج من خلال الابتكار وهو إنجاز يصعب على العديد من الاقتصادات تحقيقه على نطاق واسع ويضيف تقرير المنظمة أن تحقيق وضع الدخل المرتفع في العديد من البلدان المتوسطة الدخل قد يستغرق أجيالاً عديدة إذا استمرت معدلات النمو الاقتصادي الحالية.
النهج القديم وعلاقته بالدخل
وفي هذا السياق، نقل تقرير المنتدى عن كبير خبراء الاقتصاد في البنك الدولي وعضو مجتمع كبار خبراء الاقتصاد في المنتدى، إندرميت جيل أن أغلب البلدان ذات الدخل المتوسط تظل متمسكة بنهج يعود إلى القرن الماضي وهي سياسات تركز بشكل كبير على جذب الاستثمار وهذا يعادل قيادة السيارة بالكامل في وضع الترس الأول سوف يستغرق الأمر إلى الأبد للوصول إلى الوجهة وفي العقود الأخيرة لم تشهد سوى بضع عشرات من البلدان نمواً من بلدان متوسطة الدخل إلى بلدان مرتفعة الدخل حيث يشمل هذا المملكة العربية السعودية ولاتفيا وبلغاريا وكوريا الجنوبية، وغيرها.
طرق لمواجهة فخ الدخل
في تقريره، يحدد البنك الدولي نهجاً ثلاثي الأبعاد يمكن للدول اتباعه لتجنب فخ الدخل المتوسط وتتضمن الخطة معايرة استراتيجية للسياسات الاقتصادية المتعلقة بالاستثمار والضخ والابتكار فأولاً، ينبغي للدول ذات الدخل المنخفض أن تركز في المقام الأول على زيادة الاستثمار في الاقتصاد ففي عام 2001 تمكنت كولومبيا من زيادة الاستثمار في البلاد وذلك من خلال تنفيذ إصلاحات مختلفة شملت الحد من الإنفاق الحكومي، وأيضاً إدخال سعر الصرف العائم، وتعزيز استقلال البنك المركزي.
وعند وصول دولة ما إلى مرتبة الدخل المتوسط المنخفض، فلابد من تعديل السياسات وذلك لتسهيل مزيج من الاستثمار والضخ وبالأخص ينبغي أن يركز الضخ على توسيع نطاق استخدام التكنولوجيات المتقدمة وبعد الوصول إلى وضع الدخل المتوسط المرتفع، يتعين على البلدان أن تستكمل الاستثمار والضخ بالابتكار ويشير التقرير إلى أن إضافة الابتكار تتطلب إعادة هيكلة المشاريع والعمل واستخدام الطاقة مرة أخرى، مع التركيز بشكل أكبر على الحرية الاقتصادية وأيضاً الحراك الاجتماعي والقدرة على المنافسة السياسية.
عوامل للمحافظة على مستوى الدخل
قال الخبير الاقتصادي وكبير الاقتصاديين في شركة “ACY”، الدكتور نضال الشعار أن مفهوم فخ الدخل المتوسط يُعتبر مفهومًا مجازيًا أكثر من كونه اقتصاديًا بحتًا وقال إن هناك عدة عوامل تُبقي بعض الدول ضمن نطاق محدد من مستوى الدخل، ومن بين تلك العوامل تلك التي تتعلق بالأوضاع السياسية والاجتماعية، بما في ذلك درجة الفساد الحكومي، بالإضافة إلى الإرادة السياسية.
من ناحية أخرى، أكد الخبير في الشؤون الأوروبية، محمد رجائي بركات أن العديد من دول العالم، بما في ذلك دول غنية، تعاني من فخ الدخل المتوسط، لجهة الفارق الكبير بين الحد الأدنى للأجور ودخل أصحاب الثروات، بما يؤثر بشكل سلبي على متوسط الدخل في الدولة وأشار رجائي إلى أن الدول تحاول مواجهة هذا الوضع من خلال زيادة الاستثمارات، سواء كانت حكومية أو خاصة، في مجالات مثل الزراعة والصناعة، مما يوفر فرص عمل جديدة ويمنح أعدادًا من السكان الفرصة للحصول على دخل أعلى من الحد الأدنى للأجور.
ويعتبر ارتفاع متوسط دخل الفرد في أي المنطقة من العالم هو في الغالب مجرد ظاهرة ريعية، ولا يعني بالضرورة متانة وقوة الاقتصاد وسلامة هيكله، بل إن ذلك يعني إلى حد كبير هشاشة الاقتصاد وتعرضه للأزمات العالمية المتتالية كما أن تجارب الدول التي تجنبت الوقوع في فخ الدخل المتوسط أو خرجت منه تدل على أن توسعة الاقتصاد وتنويعه يحتاج إلى عمل دؤوب وتخطيط سليم، وإلى تسخير الموارد البشرية والمادية اللازمة وتدبيرها بصورة كفؤة.