مقالات

سامح عبده يكتب : تفاصيل الإعداد لمعركة اكتوبر وملحمة استعادة الكرامة

سامح عبده يكتب : تفاصيل الإعداد لمعركة اكتوبر وملحمة استعادة الكرامة

كتب / سامح عبده 

يظل السادس من أكتوبر 1973 يومًا محفورًا في ذاكرة كل مصري وعربي. فهو اليوم الذي أعاد فيه المصريون والعرب الكرامة واستردوا أرضهم بعد سنوات من الاحتلال الإسرائيلي. تلك الحرب التي شهدت استعدادات دقيقة، وتكتيكات عسكرية مبتكرة، وقوة لا تُقهر من الجنود المصريين، وصمودًا شعبيًا عظيمًا، إضافة إلى دعم عربي تاريخي، جعلت من النصر في هذه الحرب معجزة عسكرية بكل المقاييس.

استعداد مصر لحرب أكتوبر: البداية من قلب الهزيمة

بعد الهزيمة المريرة في عام 1967، أدركت القيادة المصرية بقيادة الرئيس جمال عبد الناصر، ومن بعده الرئيس أنور السادات، أن المواجهة القادمة لن تكون مجرد معركة عادية، بل يجب أن تكون معركة وجودية تستعيد فيها مصر سيادتها وأرضها. بدأ الجيش المصري في إعادة تنظيم صفوفه وتدريبه على أحدث الأساليب القتالية.

كان الهدف الأول للقيادة المصرية هو تقوية القدرات الدفاعية والهجومية. قامت مصر بشراء معدات عسكرية متطورة من الاتحاد السوفيتي، بما في ذلك الطائرات والدبابات والصواريخ. كما تم تدريب القوات المصرية على عبور قناة السويس، أكبر عائق طبيعي بين الجيش المصري والأراضي المحتلة.

لكن التحضير لم يكن يقتصر على الجيش فقط، بل شمل أيضًا تكتيكات خداع استراتيجي. فقد نجحت مصر في تضليل الاستخبارات الإسرائيلية عبر حملات إعلامية وخطط وهمية، جعلت العدو غير مستعد تمامًا للهجوم.

معركة العبور: تحطيم الأسطورة

في يوم السادس من أكتوبر، الساعة الثانية ظهرًا، بدأت القوات المصرية عملية العبور. قاد سلاح الطيران المصري الهجوم بضربة جوية مكثفة، دمرت العديد من مواقع العدو الحيوية في سيناء. كانت الضربة الجوية المفاجئة بداية ملحمة عسكرية قلبت موازين الحرب في لحظاتها الأولى.

وعلى الأرض، قام الجنود المصريون بتحطيم خط بارليف، الحصن المنيع الذي اعتقد الإسرائيليون أنه لا يُخترق. استخدم المصريون مضخات مائية لفتح ثغرات في الساتر الترابي، مما سمح للدبابات والمشاة بالعبور. وقد سُجلت تلك اللحظات كأعظم أمثلة التفوق التكتيكي والعملياتي في الحروب الحديثة.

مثال حي من قلب المعركة: يُذكر أن أحد الجنود المصريين، عندما رأى العلم المصري يرفرف فوق الضفة الشرقية للقناة لأول مرة منذ سنوات، أجهش بالبكاء وقال لزملائه: “أخيرًا نرفع العلم هنا. هذا اليوم سيظل في ذاكرتي حتى آخر لحظة.”

دور الشعب المصري في المعركة

من أهم عناصر النصر في حرب أكتوبر كان وحدة الشعب المصري وتماسكه خلف جيشه. في تلك الفترة الصعبة، كان المصريون على قلب رجل واحد. عاشت البلاد في حالة تعبئة شاملة؛ العاملون في المصانع أنتجوا ما يحتاجه الجيش، والشباب تطوعوا في لجان الدعم والمساعدة، والنساء ساهمن في تقديم الرعاية الطبية والتبرعات.

لم يكن هناك مصري واحد في تلك الفترة إلا وقد ساهم بشكل أو بآخر في دعم الجيش. وكان الدعم الشعبي والمعنوي دافعًا قويًا للجنود، الذين شعروا أنهم لا يقاتلون فقط من أجل الأرض، بل من أجل شعبهم وكرامتهم.

دور العرب في الحرب: وحدة المصير

لم تكن مصر وحدها في مواجهة العدو الإسرائيلي. كان الدعم العربي أساسيًا لتحقيق النصر. قدمت الدول العربية دعمًا عسكريًا واقتصاديًا حاسمًا. العراق، الجزائر، ليبيا، والسعودية، جميعها شاركت بإرسال قوات أو معدات عسكرية. ولكن الدعم العربي الأبرز تمثل في “سلاح النفط”، حيث قادت الدول النفطية، مثل السعودية، حملة لفرض حظر على تصدير النفط للدول الداعمة لإسرائيل، مما جعل الغرب يضغط لوقف الحرب والتوصل لحلول دبلوماسية.

مثال آخر: أحد أبرز الأمثلة على التضامن العربي كان إرسال العراق لواءً مدرعًا كاملاً إلى الجبهة السورية خلال الحرب، وتقديم الجزائر دعمًا عسكريًا مباشرًا لمصر. كانت تلك الجهود المشتركة تعبيرًا صريحًا عن وحدة المصير العربي في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.

النصر وما بعده: استعادة الكرامة

بعد عدة أيام من المعارك الضارية، ورغم المحاولات الإسرائيلية المتكررة لصد الهجوم، استطاع الجيش المصري أن يثبت أقدامه على الضفة الشرقية للقناة. بدأ الجنود المصريون في التوغل داخل سيناء، مما أجبر العدو على التراجع والدفاع بشكل يائس عن مواقعه.

في 22 أكتوبر، صدر قرار وقف إطلاق النار، ولكن النصر كان قد تحقق. بالنسبة للمصريين، لم يكن هذا النصر مجرد استعادة أراضٍ، بل كان استعادة للكرامة الوطنية التي ضاعت في 1967.

الاحتفالات بالنصر منذ 1973 وحتى الآن

منذ ذلك اليوم، أصبح 6 أكتوبر يومًا للاحتفال الدائم في مصر. كل عام، تُنظم عروض عسكرية ضخمة، ويُكرم الأبطال الذين شاركوا في الحرب. يتجمع المصريون في الشوارع والميادين للتعبير عن فخرهم بما حققه أجدادهم وآباؤهم. كما أصبح هذا اليوم مناسبة لتذكير الأجيال الجديدة بأن الانتصار لا يأتي إلا بتضحية وبذل الجهود.

دروس حرب أكتوبر: العزة والوحدة

علمتنا حرب أكتوبر أن الوحدة بين الشعب والجيش، وبين الدول العربية، يمكن أن تصنع المعجزات. هذا النصر لم يكن فقط انتصارًا عسكريًا، بل كان درسًا في الصمود، التخطيط، والتعاون. كما أعاد التأكيد على أن العرب قادرون على مواجهة أي تحدٍ إذا توحدوا وتكاتفوا.

الختام: نصر أكتوبر.. ملحمة تتوارثها الأجيال

يبقى نصر أكتوبر رمزًا خالدًا في تاريخ الأمة المصرية والعربية، ليس فقط باعتباره نصرًا عسكريًا بل كأيقونة تحمل في طياتها كل معاني العزة والكرامة. إنه اليوم الذي عادت فيه الروح إلى الأمة، وتجلت فيه إرادة الشعوب وحرية الأوطان. لا يمكن للأجيال التي لم تعايش تلك اللحظات إلا أن تستلهم من تلك الملحمة دروسًا في التضحية، العمل الجاد، والإيمان بقدرة الإنسان على تخطي أصعب العقبات إذا ما كانت لديه العزيمة.

كل عام يتجدد العهد مع هذا النصر، ويظل السادس من أكتوبر عنوانًا للشموخ، ليس فقط للمصريين، بل لكل من يؤمن بالحرية والعدالة. لن تنسى الأجيال القادمة من رفع راية النصر في سيناء، ولن تُمحى ذكرى تلك الأيام المجيدة من ذاكرة الأمة. وكما صنع الأبطال في أكتوبر المجد، فإننا جميعًا مطالبون بالحفاظ على هذا الإرث، ونقله للأجيال القادمة ليظل نصر أكتوبر شعلة مضيئة تضيء طريق الأمل، الكرامة، والوحدة.

MEU

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى