تقارير وتحقيقات

حقيقة وجود العرب بين صفوف الجيش الإسرائيلي

كتبت: سوده هنو 

 

الجيش الإسرائيلي يُعتبر واحداً من أكثر الجيوش إثارةً للجدل في العالم، وذلك بسبب تنوّع الديموغرافيا ضمن صفوفه. من بين جنوده، توجد مجموعة من العرب الإسرائيليين، وهي ظاهرة تثير الكثير من النقاش والجدل سواء داخل إسرائيل أو في العالم العربي. منذ تأسيس دولة إسرائيل عام 1948، يعيش حوالي 20% من العرب داخل حدودها وقد حصلوا على الجنسية الإسرائيلية. مع مرور الوقت، انضم بعض هؤلاء العرب إلى الجيش الإسرائيلي، سواء عبر التجنيد الإجباري المفروض على طوائف معينة مثل الدروز والشركس، أو من خلال الانضمام التطوعي. تعتبر هذه المسألة معقدة، حيث يُنظر إلى المجندين العرب من قبل البعض على أنهم جزء من واقع سياسي متغير، بينما يرى آخرون أنهم يتخلون عن هويتهم العربية لصالح الولاء لدولة يُوصَفَها الكثيرون بالكيان المحتل.

 

 

مشاركة عرب إسرائيل في الجيش الإسرائيلي  

 

على الرغم من أن الخدمة العسكرية ليست إلزامية للعرب في إسرائيل، يختار بعضهم، سواء من المسلمين أو المسيحيين، الانضمام طوعًا إلى الجيش الإسرائيلي. يشجع الجيش الإسرائيلي تجنيد أبناء الأقليات مثل المسيحيين والشركس والدروز، ويوجد اليوم نحو 250 جنديًا عربيًا مسلمًا في الجيش، بينهم 15 ضابطًا و40 ضابط صف.

 

شارك الجنود العرب الدروز والشركس في وحدات مثل “كتيبة السيف” أو “الوحدة 300″، التي قاتلت إلى جانب القوات الإسرائيلية. في عام 2015، تم دمج هذه الكتيبة في الوحدات العسكرية الأخرى، مما سمح لأفرادها بالانضمام إلى مختلف أفرع الجيش بعد سنوات من الخدمة.

 

أما البدو، الذين يشكلون 10% من إجمالي العرب في إسرائيل ويعيشون في صحراء النقب، فقد كان لديهم خيار التطوع في الجيش منذ عام 1985. وقد تم تأسيس وحدة عسكرية خاصة للبدو بشكل طوعي في عام 1987، مما أتاح لهم فرصة الخدمة في الجيش الإسرائيلي.

 

تجنيد العرب المسلمين: 

الجيش الإسرائيلي
Israeli military mobility on the Gaza border

تجنيد العرب المسلمين في الجيش الإسرائيلي هو موضوع حساس ومعقد، ويشهد تغييرات على مر السنوات، خاصة في صفوف البدو الذين يشكلون الغالبية العظمى من الجنود المسلمين. وفقًا لصحيفة “جيروزاليم بوست”، ارتفع عدد الجنود المسلمين بشكل ملحوظ في عام 2020 ليصل إلى 606 جنود مقارنة بـ489 في عام 2019 و436 في 2018، مما يعكس توجهًا تدريجيًا لزيادة نسبة مشاركة المسلمين في الجيش.

 

بالإضافة إلى حملة التجنيد بين البدو، الذين يعيشون بشكل رئيسي في صحراء النقب، يشكلون جزءًا كبيرًا من المجتمع العربي في إسرائيل. بسبب أوضاعهم الاقتصادية الصعبة والافتقار إلى الفرص التعليمية والمهنية في مناطقهم، كان الجيش الإسرائيلي ينظم حملات لتشجيع البدو على الانضمام. في إحدى الحملات الرئيسية، تم استهداف نحو 4000 شاب بدوي لدعوتهم للتجنيد، وتم قبول 250 منهم بعد عملية فحص واختيار دقيقة.

 

المرأة العربية في الجيش الإسرائيلي

 

شهد الجيش الإسرائيلي عبر السنوات الماضية انضمام عدد محدود من النساء العربيات إلى صفوفه، وهي خطوة تعتبر مثيرة للجدل في الأوساط العربية والإسرائيلية على حد سواء. كانت أميرة الهيب أول امرأة عربية تخطو هذه الخطوة بانضمامها إلى الجيش الإسرائيلي، حيث شكلت تجربتها سابقة مهمة دفعت ببعض النساء العربيات الأخريات، خاصة من المجتمع البدوي، إلى اتخاذ قرار مشابه. من بين هؤلاء النساء، تبرز إليانور جوزيف، التي حظيت باهتمام إعلامي واسع كونها أول امرأة فلسطينية غير بدوية تخدم في الجيش الإسرائيلي. وقد أثارت تصريحات إليانور على شاشات التلفزيون، التي أعربت فيها عن استعدادها لمحاربة العرب، ضجة وجدلًا كبيرًا بين مؤيدين ومعارضين لمشاركتها.

 

إلى جانب إليانور، التحقت موناليزا عبده، التي تعتبر ثاني امرأة عربية تنضم إلى كتيبة “كراكال”، التي تختص بالمهام القتالية على الحدود الإسرائيلية. انضمام هذه النساء يطرح تساؤلات حول دوافعهن واندماجهن في مجتمع مختلف ثقافيًا واجتماعيًا، ويثير في الوقت ذاته نقاشات حول دور المرأة العربية في المؤسسات العسكرية الإسرائيلية، وما إذا كانت هذه الخطوة تعبيرًا عن اندماج حقيقي أم مجرد محاولة فردية للخروج عن تقاليد المجتمع.

 

أسباب ودوافع الانضمام للجيش

 

انضم العديد من الجنود المسلمين للجيش الإسرائيلي بدوافع مختلفة، بعضها اقتصادي والبعض الآخر اجتماعي. من بين هذه الدوافع، السعي لتحسين فرص العمل في مجتمع يعاني فيه العرب من تمييز في سوق العمل، حيث يرون في الانضمام إلى الجيش فرصة لفتح الأبواب أمام وظائف حكومية أو خاصة يصعب الوصول إليها بدون خدمة عسكرية. كما يسعى بعضهم للحصول على الإعانات المالية التي يقدمها الجيش للجنود، مثل المساعدات الدراسية والمنح التي تمكنهم من إكمال دراستهم الجامعية، وهو أمر قد يكون صعبًا عليهم دون هذه المساعدات.

 

بالإضافة إلى الدوافع الاقتصادية، هناك دوافع اجتماعية وشخصية تدفع البعض للانضمام، مثل الرغبة في الشعور بالانتماء إلى المجتمع الإسرائيلي الأوسع، أو رغبة بعض الشباب في التمرد على تقاليد مجتمعاتهم، خصوصًا في المجتمعات التي لا ترى في الانخراط بالجيش الإسرائيلي شيئًا محمودًا. على الرغم من هذه الدوافع، يواجه هؤلاء الجنود رفضًا قاسيًا من مجتمعاتهم الأصلية، حيث يُنظر إليهم على أنهم خونة ويتعرضون للنبذ. في بعض الحالات، لا يتوقف الأمر عند الرفض الاجتماعي، بل يتطور إلى الاعتداء اللفظي أو الجسدي على هؤلاء الجنود وأسرهم. يعتبر البعض أن هذا النوع من الهجوم هو تعبير عن الغضب والرفض للخدمة في جيش يُنظر إليه على أنه أداة لقمع الشعب الفلسطيني.

 

ورغم التحديات التي يواجهها هؤلاء الجنود، يرى البعض في انضمامهم فرصة لتحسين وضعهم الشخصي والمادي، خاصة في ظل القيود الاقتصادية والاجتماعية المفروضة على العرب في إسرائيل. قد تكون هذه التحديات سببًا في انخراط البعض في الجيش، رغم معرفتهم بأنهم سيواجهون رفضًا واسعًا من مجتمعاتهم، لكنهم يختارون مواجهة هذا الرفض لتحقيق أهدافهم الشخصية والمهنية.

 

تحديات الجنود العرب في الجيش

 

يواجه الجنود العرب في الجيش الإسرائيلي تحديات كبيرة، أبرزها الرفض المجتمعي، حيث يُنظر إلى الخدمة في الجيش الإسرائيلي كخيانة، وتُعتبر وصمة عار في نظر الكثيرين من أبناء مجتمعاتهم. يتعرض هؤلاء الجنود للنبذ الاجتماعي وأحيانًا للعنف الجسدي أو اللفظي. أحد مظاهر هذا الرفض هو موقف الحركة الإسلامية في إسرائيل التي ترفض إقامة جنازات لأي جندي مسلم خدم في الجيش، مما يزيد من عزلة هؤلاء الجنود حتى بعد وفاتهم.

 

على الرغم من أن البعض ينضم إلى الجيش لتحسين ظروفهم المعيشية أو الحصول على فرص تعليمية، فإنهم يواجهون ضغوطًا نفسية واجتماعية كبيرة. إضافة إلى التحديات المجتمعية، قد يشعر الجنود العرب بالعزلة داخل الجيش نفسه نتيجة خلفيتهم العرقية أو الدينية، مما يزيد من تعقيد تجربتهم.

 

تظل هذه التحديات تثير تساؤلات حول اندماج العرب في الجيش الإسرائيلي وتأثير ذلك على هويتهم ونسيجهم الاجتماعي.

 

تأثير وجود العرب في الجيش على العلاقات الإسرائيلية والفلسطينية

 

وجود العرب في الجيش الإسرائيلي يشكل قضية حساسة ومثيرة للجدل بين الفلسطينيين والإسرائيليين. العرب الذين يخدمون في الجيش يمثلون أقل من 1% من إجمالي السكان العرب في إسرائيل، لكن وجودهم يعكس توترات عميقة بين الهوية الوطنية والولاء.

 

بالنسبة للفلسطينيين، يُعتبر انضمام العرب للجيش بمثابة خيانة للقضية الفلسطينية، حيث يُنظر إلى الجيش كرمز للاحتلال والقمع، مما يزيد من الانقسامات بين الفلسطينيين داخل إسرائيل وأشقائهم في الأراضي المحتلة. من ناحية أخرى، يرى بعض الإسرائيليين أن هذه المشاركة تعزز من التعايش والاندماج، حيث توفر فرصًا اقتصادية وتعليمية للعرب، لكنها أيضًا تثير تساؤلات حول الولاء والهوية وسط الضغوط الاجتماعية والسياسية التي تواجهها هذه الفئة.

 

آراء حول الخدمة العسكرية للعرب

 

الجانب المؤيد:

 

قال العقيد وجدي سرحان، رئيس وحدة الأقليات في الجيش الإسرائيلي، إن انضمام العرب للجيش له أهمية كبيرة، موضحًا أن الجيش يوفر فرصًا للتواصل بين المجتمع المسلم والدولة العبرية.

 

كما أشاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشجاعة الجنود البدو في حماية إسرائيل خلال زيارته لكتيبة الدورية البدوية.

 

الباحث الأمني يوسي ميلمان، يرى أن انضمام العرب للجيش الإسرائيلي يعزز التعايش بين العرب واليهود، ويساهم في بناء مجتمع إسرائيلي أكثر تعددية. ومع ذلك، يعترف بوجود تحديات تتعلق بالهوية والولاء.

 

الجانب المعارض:

 

حنين زعبي، نائبة عربية في البرلمان الإسرائيلي، انتقدت الدولة الإسرائيلية قائلة إن العرب الذين يخدمون في الجيش يعملون ضد شعبهم. واعتبرت أن إسرائيل تستغل الفقر بين العرب لتجنيدهم.

 

نائب رئيس الحركة الإسلامية في شمال إسرائيل أشار إلى أن أي مسلم يُقتل خلال خدمته لن تُقام له جنازة في المسجد.

 

أما المحلل السياسي الفلسطيني علي الجرباوي فيرى أن الخدمة في الجيش الإسرائيلي تُعد تهديدًا مباشرًا للهوية الفلسطينية، حيث تساهم في فصل العرب في إسرائيل عن محيطهم الفلسطيني وتقوي من تفكيك الروابط الوطنية.

 

ناصر اللحام، رئيس تحرير وكالة “معا” الإخبارية الفلسطينية، يعتبر انضمام العرب للجيش الإسرائيلي “خيانة للقضية الفلسطينية”، ويشدد على أن مشاركة العرب في الجيش تساهم في تعميق الانقسام بين الفلسطينيين داخل إسرائيل وأشقائهم في الأراضي المحتلة.

 

 

في النهاية، تظل الخدمة العسكرية للعرب في الجيش الإسرائيلي قضية جدلية تُثير نقاشات واسعة ومعقدة داخل المجتمع الإسرائيلي. تتباين الآراء بين مؤيدين يرون فيها فرصة لتحسين ظروفهم المعيشية وتعزيز اندماجهم في المجتمع الإسرائيلي، وبين معارضين يعتبرونها خيانة وهجرة عن القيم الثقافية والوطنية. تعكس هذه الآراء المتناقضة عمق التوترات حول الهوية والانتماء، وتبرز التحديات التي يواجهها الأفراد في التوفيق بين ولائهم الوطني ومطالب مجتمعاتهم المحلية. في هذا السياق، تبقى الخدمة العسكرية للعرب في الجيش الإسرائيلي موضوعًا يحمل العديد من الأبعاد الاجتماعية والسياسية التي تحتاج إلى معالجة وتفكير عميق.

MEU

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى