التاريخ والآثار

الساعات الشمسية عبر العصور

 

بقلم منة الله محمد

الساعات الشمسية تعتبر من أقدم أدوات قياس الوقت التي اخترعها الإنسان،و اعتمدت بشكل أساسي على مراقبة حركة الظلال التي تتغير مع حركة الشمس عبر السماء. ترجع استخدامات الساعات الشمسية إلى الحضارات القديمة مثل المصريين القدماء والبابليين، ولعبت الساعات الشمسية دورًا مهمًا في تنظيم الحياة اليومية للمجتمعات الزراعية و ايضا الشعب .

المسلات والساعات الشمسية البدائية

المسلات: ظهرت المسلات في مصر القديمة، وكانت المسلة عبارة عن عمود طويل يتم نصبه في مكان مفتوح، بحيث تلقي المسلة بظلها على الأرض. مع تحرك الشمس في السماء، كان الظل يتحرك على الأرض، و هذا ساعد المصريين القدماء في تحديد الوقت. وأيضاً كانت هذه المسلات تُنصب في المعابد أو الأماكن العامة، و بجانب دورها في المساعدة على معرفة الوقت لعبت أيضاً دورًا مهمًا في الطقوس الدينية وتنظيم الحياة اليومية.

الساعات الشمسية البدائية: بعد فترة من الوقت تم تطوير الساعات الشمسية الأفقية، والتي كانت عبارة عن عمود صغير او عصا مثبتة عموديًا على سطح أفقي. وعندما تسقط أشعة الشمس على العصا، كان الظل يتحرك على السطح، وقد حدد المصري قديما أوقات محددة على السطح تشير إلى ساعات اليوم.

الساعات الشمسية عبر العصور
الساعات الشمسية عبر العصور

الساعات الشمسية الأفقية والمنحوتة

الساعات الأفقية: اعتبرت تطورًا الساعة الشمسية البدائية. ولكن بإضافة بعض التحسينات فهذه الساعات بإضافة علامات زمنية على السطح الأفقي، مما جعل من السهل قراءة الوقت بشكل أكثر دقة مما سبق. وكانت هذه الساعات بسيطة في تصميمها، لكن بالرغم من بساطتها كان بها عيب كبير وهو أن فعاليتها كانت تعتمد بشكل كبير على وضعها الصحيح في اتجاه الشمال الجغرافي.

الساعات المنحوتة: ظهرت في الحضارة اليونانية، وتم صنع عدة أمثلة للساعات الشمسية المنحوتة، وكانت هذه الساعات تعتمد على سطح مقعر أو منحني بحيث يتم تثبيت مؤشر صغير كان (يسمى “جنومون”) في المركز. كان الغنومون يلقي بظله على السطح المنحني، مما يسمح بقراءة الوقت بناءً على حركة الظل.

الساعات الشمسية المحمولة

مع تقدم الحضارات تم تصميم ساعات شمسية جديدة صغيرة الحجم يمكن حملها واستخدامها في السفر لتساعد الناس أثناء التجوال .و كانت هذه الساعات تُصنع من مواد خفيفة مثل الخشب أو البرونز ليكون حملها سهل ، وكان يمكن ضبطها لتناسب خطوط العرض المختلفة. استخدمت هذه الساعات بشكل واسع في الحضارة الرومانية، حيث كان التنقل والتجارة عبر مسافات طويلة يتطلبان وسيلة موثوقة لقياس الوقت.

الساعات الشمسية في العصور الوسطى

خلال العصور الوسطى، استمر استخدام الساعات الشمسية في أوروبا والعالم الإسلامي و أضاف المسلمون تحسينات كثيرة على تصميم هذه الساعات، وأدخلوا لها مفاهيم حسابية معقدة لزيادة الدقة في تحديد الوقت. كانت الساعات الشمسية تستخدم بشكل رئيسي لتحديد مواقيت الصلاة، وكانت توضع في المساجد والمدارس الدينية.

التصميم والتطوير

تصميم الغنومون: اعتبر الغنومون هو العنصر الأساسي في أي ساعة شمسية، حيث يتم تحديد ارتفاعه وزاويته بعناية لضمان دقة قراءة الظل. و قد اعتمد تصميمه على الموقع الجغرافي لخط العرض للمنطقة التي يتم استخدام فيها الساعة.

سطح ساعة الشمس: يتم تقسيم السطح الذي يسقط عليه الظل إلى أقسام متساوية بحيث تمثل ساعات اليوم. وقد اتختلف هذه الأقسام حسب الوقت من السنة، بسبب اختلاف زوايا الشمس على مدار العام.

محدودية الساعات الشمسية

– بالرغم من بساطة وكفاءة الساعات الشمسية، إلا أنها كانت تعاني من بعض القيود والعيوب :

أولاً تتأثر بالطقس: لا يمكن استخدام الساعة الشمسية في الأيام الغائمة أو الممطرة بسبب عدم وجود الشمس بشكل كاف .

العمل في النهار فقط: لم تكن الساعات الشمسية صالحة للاستخدام خلال الليل لعدم وجود الشمس .

الدقة: كانت الدقة تعتمد بشكل كبير على الموقع الجغرافي وتوقيت السنة، بالإضافة إلى تصميم الساعة نفسه.

الإرث الثقافي

الساعات الشمسية لم تكن مجرد أدوات لقياس الوقت؛ بل كانت تعكس الفهم العميق للعلم والفلك لدى الحضارات القديمة وايضا تميزهم. ساهمت هذه الساعات في تطوير علم الفلك والرياضيات، وتركت لنا إرثًا ثقافيًا وعلميًا هامًا أثر في تصميم الساعات الميكانيكية بعد ذلك .

 استخدامات حديثة

بالرغم من تطور الساعات والتقنيات الحديثة، لكن مازالت الساعات الشمسية تُستخدم اليوم لأغراض تعليمية وزخرفية. تعتبر الساعات الشمسية جزءًا من المعالم التاريخية في العديد من المدن، وتظل لنا رمزًا للإبداع البشري في مجال قياس الوقت.

وفي الختام، يمكننا القول إن الساعات الشمسية لم تكن مجرد أداة بسيطة لقياس الزمن، بل كانت أكثر من ذلك كانت شاهداً على تطور الفكر البشري وإبداعه في التعامل مع الطبيعة. فقد مثلت هذه الساعات حجر الأساس في تطوير أساليب قياس الوقت عبر الزمن وأيضاً ولعبت دوراً محورياً في تنظيم الحياة اليومية للمجتمعات القديمة، سواء في الزراعة أو الطقوس الدينية أو الحياة العامة، ومع مرور الوقت ورغم تطور التكنولوجيا وظهور وسائل أكثر دقة لقياس الزمن، تبقى الساعات الشمسية رمزاً للابتكار البشري الأولي وتجسيداً لارتباط الإنسان بالطبيعة.

MEU

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى