التاريخ والآثار

أهمية الوعي الأثري لفهم الحضارة المصرية

 

بقلم✍ / إيمان سيد

تمثل المناطق الأثرية أهمية قومية لما تحمله من قيم تاريخية وثقافية وإقتصادية وإجتماعية تراكمت عبر القرون ، فالتراث يمثل هوية الشعوب والأمم ولابد من التمسك بأصالته وعراقته والمحافظة عليه؛ فهو التاريخ المادي والمعنوي ، والمرآه الحقيقة لأي حضارة وهو المعبر الصادق عن الإنجازات الفكرية والثقافية والحضارية.

إن الوعي الأثري هو نقطة البداية في العمل الأثري . وهو الذي يهيء المناخ البشري المناسب لكل عمل متخصص في المسح الأثري ، والتصوير الأثري ، والتسجيل الأثري والتنقيب الأثري ، وهو الذي يضع العناية والمحافظة على عرض الآثار على الدرب الصحيح من وجهه النظر العلمية والعملية على حد السواء . وفى غياب هذا الوعي الأثري نتوقع كل شيء إلى حد إنتهاك أو إهدار التراث الأثري أو التفريط فيه؛ بل قل غياب الوعي الأثري تتضرر بموجبه معايير التقويم الصحيح للتراث الأثري؛ بل ولا نبالغ حين نقول أن مثل ذلك يؤدي إلي قدر من التبلد الوطني ، أعني فقدان الإنتماء وذلك أخطر ما في الأمر .

إذا أرادت أمة أن تحافظ على تراثها الأثري فلن تجد أفضل من الوعي الأثري سياجاً يحتضن هذا التراث، وكم يحتاج هذا التراث الأثري ويتطلع إلى هذا الوعي، ويتلهف على إيجابية اليوم وغداً. ويعني الوعي الأثري في أبسط كلمات إدراكاً حقيقياً لمعنى التراث وأهميته وقيمته، وهو من إنجاز الأجداد القدماء، ويفتح هذا الإدراك كل السبل أمام العناية والمحافظة على هذا التراث، ومن ثم يتبنى هذا الوعي الأثري على مستوى الجماهير كل موجبات البحث والاهتمام بهذا التراث الأثري المعروف، وكل ما نتوقع الكشف عنه باعتباره المصدر الأساسي والبكر لكتابة التاريخ الصحيح الذي يجسد مبلغ اجتهاد أولئك الذين خلفوا هذا التراث، وهم الذين يمتلكون خير أمة أو خير شعب متحضر ذلك الذي يحافظ على هذه الثروة.

ولا يبلغ الشعب هذه المرتبة من الوعي من غير أن يعي تماماً أن من لا ماضٍ له لا خير في حاضر له. بل ويجب أن تبقى جذور الحضارات القديمة قوية ثابتة ونابضة بالحيوية في الأرض الطيبة التي نبتت فيها. ومن غير الوعي الأثري (الذي يجسد معني المحافظة على الجذور الحضارية) يغيب عن الشعب فهم الحقيقة التي تقول إن صياغة وبناء الحاضر لا يمكن أن تنبني إلا على أساس هذه القاعدة الحضارية الراسخة العريقة. كذلك الأمر إذا غابت عنه أيضاً الحقيقة التي تؤكد على أن قوة وأصالة الحاضر الحضاري – التي لا تنفصل عن جذور الماضي الحضاري- تبث القوة والعزم والتصميم في تطلعات المستقبل .

ويتضح لمن يتابع نشأة وتطور علم الآثار، تطوراً منهجياً استوجب انضمامه إلى زمرة العلوم الأكاديمية، ويدرك تماماً مبلغ الصعوبات والتحديات التي تواجهها الدراسات الأثرية العلمية الأكاديمية في غيبة الوعي الأثري. إن غياب الوعي الأثري في كثير من البلدان التي قامت على أراضيها الطيبة حضارات قديمة في منطقة الشرق الأدنى؛ هو المسئول أصلاً عن تأثير أو تردد أو تجمد الاهتمام الواعي بالآثار. بل هو مسئول أيضاً عن تأخير انضمام علم الآثار في الوقت المناسب إلى زمرة العلوم التي تتبناها الجامعات في إطار دورها الوظيفي الأكاديمي. والفرق كبير بين علم الآثار الذي يدعمه ويشد أزره الوعي الأثري على أوسع مدى، وعلم الآثار الذي يفتقد هذا الدعم ويتضرر في غيبة الوعي الأثري. وفي غيبة الوعي الأثري كم تعرضت الثروة الأثرية في بلدان الشرق الأدنى للسلب والنهب أو التدمير والتخريب. وفي غيبة الوعي الأثري تمتد الأيدي العابثة التي تنهب أو تخرب، ولا همٓ لها غير الهدف المتجرد من كل دواعي الأمانة والشرف. وسواء أكان الهدف الحصول على التحف الأثرية التي تتجمل بها القصور أو المتاحف العالمية، أم كان الهدف الحصول على التحف الأثرية التي تتحقق بها مكاسب كبيرة ، فإن الأيدي المخربة في الحالتين تنهب وتهرب وتدمر وتخرب من غير وعي أثري أمين، أو في غياب الوعي الأثري. ولقد ساعد على ذلك الاستنزاف إغفال القيمة الحقيقية للتراث الأثري، ودون الوعي الأثري الحقيقي.

MEU

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا