تمائم هليوبوليس: رموز الحضارة والهوية في قلب القاهرة القديمة
كتبت/ لبنى عبد العزيز
إن أول درس يتعلمه الساحر المبتدئ من أساتذته فى علم السحر أن كل مشكلة تواجه الانسان فى هذا العالم المادى يوجد لها مقابل (سبب) فى العالم الروحى/الإلهي. فكل شئ تحدث أسبابه أولاً فى عالم الروح؛ ثم تنعكس على الأرض (كما فوق , كما تحت). لذلك كان على الساحر أن يتعلم تاريخ الكائنات الإلهية وكيف نشأت وترتيب ظهورها للوجود(genealogy)، وعلم اللاهوت، وعلم نشأة الكون وكل الأساطير التي تحكى قصة الخلق؛ ففى هذه العلوم سيجد الساحر الحل لكل المشاكل .
ومن طقوس السحر أن يقوم الساحر بتدريب وعيه على التمركز بإتزان تام بين الجهات الأصلية الأربعة (الشمال والجنوب والشرق والغرب) وبذلك يصبح الساحر بمثابة نموذج أو صورة مصغرة للكون ويصبح بإمكانه استقطاب القوى الخفية الغير مرئية وتوجيهها حسب إرادته .
ومن الاختبارات الهامة التي يجب أن يمر بها الساحر اختبار الأنا , حيث يقوم أساتذته فى أحد الطقوس بتجريده من الأنا , وهي النظرة الشخصانية للوجود. وبتجريد الساحر من الأنا (الشخصانية) يصبح بإمكان الكون أن يسرى من خلاله وقد كان أساتذة السحر يستخدمون أحياناً تركيبات عشبية معينة(potions) أثناء هذا الطقس من أجل إعداد الطالب للدخول في حالة وعى أعلى (trance state of mind) , ويقومون بشحنه بطاقة الحكا لإعداد الطالب لدوره الجديد فى الحياة.
وحين يقوم الساحر بالتأثير على المادة، فهو لا يستخدم طاقته الشخصية، وإنما هو يقوم بإستحضار قوة كونية أكبر منه لتقوم بذلك. ففى النصوص السحرية نجد الساحر دائماً ما يؤكد على أنه ليس هو المتحدث، وإنما المتحدث هو القدرة الإلهية الكامنة فيه (وكل كائن لديه قدرة إلهية كامنة فيه).
ومن الطقوس السحرية الجديرة بالاهتمام فى مصر القديمة فكرة استخدام “الختم” , وهى فكرة تعود إلى بداية الأسرة الأولى. أن تضع ختما فوق شئ يعنى أن تجعل الحضور الإلهى يسرى فيه. والختم فى الأصل هو أداة الملك الذى يعتبر هو الكاهن الأكبر والزعيم الروحي الذى يقف على قمة هرم المعرفة الروحية في مصر القديمة.
أن يضع الملك الختم الملكي على شئ , كان ذلك يعنى أنه هذا الشئ أصبح “إلهيا”، وأشهر أنواع الأختام فى مصر القديمة هى التي كانت تأخذ شكل الجعران , رمز البعث / التحول / الصيرورة. وعندما يصدر الملك أمراً ويضع الختم الملكى عليه , فهو يعى تماماً خطورة هذا الأمر ويدرك عواقبه ويتحمل المسئولية كاملة عن هذا الأمر.
وكان أحد أهم مراحل تعلم الساحر وارتقائه هي المرحلة التي يبدأ فيها بارتداء تمائم هليوبوليس. تنسب هذه التمائم الى مدينة هليوبوليس , لأنها هى مدينة كل العلوم المقدسة فى مصر القديمة ومنها علم السحر. وارتداء الساحر بعضاً من تمائم هليوبوليس كان يعنى امتلاكه قدرات سحرية خاصة، وكانت تمائم هليوبوليس توضع أيضاً فوق المومياوات قبل الدفن لما لها من قوة سحرية تمنع من إصابتها بالتحلل.