حوارات

من المنصورة إلى كوريا.. حكاية نجاح محمد البيار في عالم الترجمة

من المنصورة إلى كوريا.. حكاية نجاح محمد البيار في عالم الترجمة

كتبت:- سوده هنو

في قلب مدينة المنصورة المصرية، نشأ محمد البيار، الشاب الذي كان يحمل في قلبه شغفًا فريدًا بالتجارة والاكتشاف. منذ صغره، تأثر بقصص التجار وحكايات البلدان البعيدة، لتحتل كوريا مكانًا مميزًا في مخيلته. ولم يكن حلمه بالوصول إلى هذه الدولة الناهضة اقتصاديًا مجرد خيال، بل كان قرارًا مصيريًا. بعد التحاقه بكلية الألسن بجامعة أسوان لدراسة اللغة الكورية، تجاوز تحديات عديدة بحماس وإصرار.

تحوّلت حياة محمد عندما حصل على منحة دراسية في كوريا، حيث انغمس في ثقافة جديدة واكتشف عالمًا مليئًا بالابتكار، أصبح مترجمًا فورياً بين العربية والكورية، واليوم يساهم بفعالية في تقريب الثقافتين العربية والكورية من خلال ورش عمل وفعاليات تهدف إلى تعزيز التفاهم المتبادل.

لطالما كانت الترجمة جسراً يعبر به الإنسان الثقافات والحضارات. ومن بين هؤلاء المترجمين، يبرز محمد البيار بشغفه العميق باللغات والثقافات المختلفة، وسافر إلى العديد من البلدان لتعميق فهمه للثقافات المتنوعة.

ولكن كيف تؤثر هذه الثقافات المتنوعة التي عايشها محمد البيار على عمله كـمترجم؟ هذا السؤال طرحناه عليه مباشرة

كيف تؤثر الثقافة على عملية الترجمة؟

أجاب قائلاً: فهم ثقافة البلد الأجنبي الذي يتقن الشخص منا لغته أو يعرفها شيء بالغ الأهمية، ولا يكاد ينفصل عن معرفة اللغة نفسها. لأن معرفة اللغة وحدها، أزعم أنها غير كافية. الشخص الذي يترجم بين محورين مهمين أو بين كيانين أو حتى بين شخصين، يجب أن يكون مدركًا لثقافة الشخص الأجنبي الذي يترجم لغته، بما في ذلك ردود الأفعال وطريقة الكلام وكل ما يرتبط بذلك من ثقافة وفهم المصطلحات والتعبيرات. الترجمة هنا ليست مجرد نقل كلمة بكلمة أو حرف بحرف، بل هي ترجمة للمشاعر، وردود الفعل، والثقافة إلى ما يوازيها في ثقافة بلدي.

لذلك أزعم أن عملية فهم الثقافة أو الفهم الجيد للثقافة يحدث فرقًا كبيرًا في جودة الترجمة النهائية. ولكي تكون الترجمة دقيقة كي أتمكن من التعبير من خلالها عن كل ما يريد الشخص الآخر الذي أترجم لغته نقلها إلى لغتي الأم.

كيف ترى مستقبل الترجمة في ظل تطور الذكاء الاصطناعي؟

أعتقد أن مستقبل الترجمة في ظل تطور الذكاء الاصطناعي يتجه نحو تغييرات كبيرة. في رأيي، مع مرور الوقت وتقدم الذكاء الاصطناعي، ستبدأ أدوار الترجمة الفورية والترجمة التتبعية تندثر تدريجياً. وذلك لأن الذكاء الاصطناعي سيكون قادرًا على أن يحل محل المترجم وربما يتفوق عليه في صياغة الكلام بسرعة كبيرة. قد يشعر البعض بالقلق حول كيفية تعامل الذكاء الاصطناعي مع اللهجات المختلفة والنبرات، ولكن مع التطور المستمر للذكاء الاصطناعي، نشهد تحسينات هائلة شهرًا بعد شهر. لذلك، ليس من المستبعد أن يتمكن الذكاء الاصطناعي خلال عام أو عامين أو ثلاثة من ترجمة اللهجات والنبرات إلى أي لغة نرغب فيها. سيكون هذا مفيدًا بشكل خاص في أماكن العمل مثل المصانع، حيث قد يكون هناك حاجة لترجمة فورية بين المهندسين أو الفنيين والعمال.

أما بالنسبة للترجمة التحريرية، وخاصة الترجمة الأدبية، مثل ترجمة الأعمال الأدبية أو الشعر، فأعتقد أن الذكاء الاصطناعي قد يحتاج إلى المزيد من الوقت للوصول إلى مستوى يمكنه من ترجمة تلك الأعمال بنفس الدقة والإحساس بالمعنى والمشاعر، كما هو الحال مع أعمال شكسبير أو الشعر بأي لغة كانت. لذا، من غير المتوقع أن يصل الذكاء الاصطناعي إلى هذا المستوى خلال السنوات الخمس أو العشر القادمة.

ومع ذلك، أعتقد أن التركيز الحالي ينصب على تطوير الترجمة الفورية أو الترجمة التتبعية في الأعمال اليومية والأنشطة التي نقوم بها بشكل يومي. الهدف هو أن يحل الذكاء الاصطناعي محل المترجمين في المحافل والأماكن العملية التي تتطلب احتكاكًا بين الناس. هذا سيجعل الأمور أكثر فعالية، ويوفر العمالة والمال، ويقلل من الأخطاء المحتملة في عملية الترجمة.

هل هناك تجربة شخصية أثرت في مسيرتك المهنية؟

هناك العديد من التجارب التي أثرت في مسيرتي المهنية، ولا يزال الإنسان يتعلم ويكتسب الخبرات مع مرور الوقت. كلما خاض المرء تجارب أكثر، كلما زاد تأثيرها عليه. لذلك، لا أستطيع تحديد تجربة واحدة باعتبارها الأكثر تأثيراً، حيث أن جميع التجارب التي مررت بها ساهمت بشكل كبير في تشكيل شخصيتي العملية.

ولكنني أزعم أن من أبرز التجارب التي أثرت في مسيرتي كان العمل الذي قمت به عندما كنت طالبًا في السنة الرابعة، حيث بدأت بتجربة نفسي في مجال الترجمة. تزامناً مع الجيش، حيث كنت أترجم في مجال قطع غيار السيارات، ثم تطور الأمر وبدأت أترجم في المجالات الحكومية، مثل وزارة النقل، حيث شاركت في ترجمة الصفقات الدولية بين مصر وكوريا. هذه التجارب أثرت بشكل كبير على شخصيتي المهنية.

إلى جانب ذلك، قمت بالترجمة في معارض الطاقة ومهرجانات أخرى، وكل هذه التجارب أضافت لي الكثير. كذلك، تجربتي في السفر والترجمة في أماكن مختلفة خارج مصر، مثل الإمارات العربية المتحدة، حيث كنت أقيم في دبي ثم انتقلت إلى أبوظبي. لقد ترجمت في العديد من المدن الكبرى في الوطن العربي، ولم تقتصر تجاربي على مصر فقط.

كل تجربة ترجمة خضتها أضافت لي شيئًا جديدًا وعلمتني الكثير. مؤخرًا، بدأت في الترجمة من اللغة الإنجليزية إلى الكورية والعكس، ولم تعد الترجمة بالنسبة لي مقتصرة فقط على الترجمة من اللغة العربية إلى الكورية. لقد طورت مهاراتي في اللغة الإنجليزية أيضًا نظرًا للطلب المتزايد على الترجمة بين الإنجليزية والكورية.

كل هذه التجارب وسعت مداركي ومنحتني خبرات قيمة في مختلف المجالات التي عملت بها، سواء كانت في مجالات التكنولوجيا مثل المايكروتيك أو الألواح الشمسية أو بناء السفن أو قطع غيار السيارات أو الإدارة العامة أو الأجهزة البيئية. قبل كل مشروع ترجمة، كنت أحرص على الاستعداد الجيد، حيث أدرس الموضوع بلغتي الأم حتى أكون متمكنًا وفاهمًا المجال الذي سأترجم فيه.

كيف أثرت اللغة الكورية على محمد البيار؟

أزعم أن اللغة الكورية قد وسعت مدارك الشخص بشكل كبير، وأعتقد أن اللغات الأجنبية بشكل عام تؤدي نفس الوظيفة، حيث تجعل الفرد ينظر إلى ثقافته ومجتمعه من منظور الشعب الآخر الذي يتحدث لغته. يمكنه أن يزن الأمور من عدة وجهات نظر، ويرى ثقافته ومعتقداته ومجتمعه بعيون الآخر، مما يوسع آفاقه بشكل كبير ويجعله يدرك أنه ليس محور الكون، وأن الحياة تتسع للجميع. كما يتيح له ذلك فهم أن هناك أشخاصًا مختلفين تمامًا عنه، وربما يكون هؤلاء الأشخاص أيضًا صالحين، ولديهم ثقافاتهم واهتماماتهم، ويحترمون ويقدسون أشياء معينة كما نفعل نحن أيضًا.

وطبعًا هذا يوسع مدارك الفرد في التفكير، فلا يصبح تفكيره محدودًا أو ضيقًا، بل يصبح أوسع وأكثر عمقًا. كما ذكرت سابقًا، يمكنه التفكير في الأمور من عدة وجهات نظر، وليس فقط من وجهة نظر الشخص المتشبع بالثقافة الإسلامية والعربية. يتمكن من التفكير بعدة طرق، ويرى العالم من زوايا مختلفة، بما في ذلك وجهة نظر آسيوية، ويتعلم أيضًا شيئًا من هؤلاء الناس.

على سبيل المثال، الكوريون يتميزون بسرعة الإنجاز واحترام الوقت، وهم عاطفيون جدًا. الفرد يتأثر قليلًا بهؤلاء الناس، ويحاول أن يكون مثل الإسفنجة، يمتص ما يتفق مع نفسه ومعتقده وهويته، ويرفض كل ما يختلف أو لا يتوافق مع هذه الأمور من الثقافة الأخرى. لذا، بالتأكيد وبشكل إيجابي كبير، ساهمت اللغة الكورية في جعل الشخص ينظر إلى الأمور بمرونة أكبر، وحيادية، وربما يمكنني القول بعقلانية، بحيث لا يكون متحيزًا لشيء على حساب آخر، بل يزن الأمور بشكل أكبر.

ما هي الاتجاهات الجديدة التي تلاحظها في مجال الترجمة؟

إذا تحدثنا عن الترجمة بشكل عام، أعتقد أن هناك اتجاهًا واضحًا يتزايد، وهو استخدام الذكاء الاصطناعي. حاليًا، يتجه العديد من رجال الأعمال إلى استخدام الذكاء الاصطناعي فيما يعرف بـ “وضع المحادثة” أو “Conversation Mode”، حيث يمكن تفعيل هذا الوضع ليستمع النظام إلى صوت الشخص الذي يتحدث، ثم يقوم بترجمة حديثه على الفور. لم يعد هناك حاجة إلى وجود مترجم فوري يجلس في كابينة للترجمة، حيث يمكن الآن أن يقوم نظام مثل ChatGPT بهذا الدور. فعندما أتحدث، يمكن لمن أمامي تشغيل هذا الوضع، وسيقوم ChatGPT بالترجمة اللازمة. صحيح أن الترجمة قد لا تكون دقيقة تمامًا في الوقت الحالي، لأنها لا تزال في مرحلة تجريبية، ولكن مع مرور الوقت، سيتطور هذا المجال. وكما ذكرت سابقًا، أعتقد أن مسألة الوقت فقط هي ما ستحدد متى ستندثر مهنة الترجمة الفورية تمامًا.

بدأ الذكاء الاصطناعي يتغلغل بشكل كبير في حياتنا وأعمالنا، ويحل محل العديد من الوظائف. وأعتقد أن وظائف الترجمة الفورية والتتبعية ستكون من أولى الوظائف التي سيحل الذكاء الاصطناعي محلها في المستقبل، بإذن الله.

كيف طورت مهاراتك في الترجمة مع مرور الوقت؟

أزعم أنني لا أزال حتى هذه اللحظة في طور التعلّم المستمر ، ولا أعتبر نفسي خبيرًا متمرسًا في هذا المجال. بالطبع، كل شخص ينظر إلى الأمور من زاوية مختلفة بعين التقدير، ولكن بالنسبة لي، أرى أنني لا زال أمامي الكثير لأتعلمه، ليس فقط في مجال الترجمة، بل في مجالات أخرى أيضًا. ذلك لأنني لا أرغب في الاقتصار على هذا المجال، فالترجمة كانت بالنسبة لي مجرد هواية، ولا أرى نفسي أمارسها كمهنة مدى الحياة، لذا أسعى لتطوير مهاراتي في مجالات متعددة.

أحد الأمور التي ساعدتني في تطوير مهاراتي في الترجمة هو القراءة والتحضير المسبق قبل الشروع في العمل أو الدخول في حوار. على سبيل المثال، إذا كنت سأقوم بترجمة نص يتعلق بالطاقة المتجددة أو الألواح الشمسية، يجب أن أقرأ عن هذا الموضوع بشكل كافٍ حتى أكون مستعدًا للتعامل مع أي نقاش أو تفاصيل أعمق. هذه التجربة هي التي تبني الخبرة وتعلمك كيف تتعامل مع المواقف المختلفة. عندما تقوم بعمل معين لأول مرة، قد تكتشف أنك كان يجب أن تفعل شيئًا معينًا. في المرة الثانية، تكون أكثر استعدادًا، وفي المرة العاشرة تكون قد تطورت بشكل كبير عن المرات السابقة، حيث تكون قد عملت على تطوير كل نقاط الضعف التي لم تكن تلاحظها في المراحل المبكرة. لذا، يعتمد الأمر كله على التجربة المستمرة.

رسالة للمترجمين الشباب في بداية مسيرتهم؟

من يرغب في العمل في مجال الترجمة يجب أن يولي اهتمامًا كبيرًا باللغة التي يتعلمها بالإضافة إلى لغته الأم. من المهم جدًا أن يكون المرء متمكنًا في لغته الأم ليتمكن من نقل المعاني بوضوح ودقة. يجب على المترجم أن يمتلك قاعدة معرفية جيدة في المجال الذي يترجم فيه، وأن يكون على دراية بمداخل ومخارج العمل. كما ينبغي أن يطلع على الموضوع الذي يترجم عنه بشكل جيد.

من وجهة نظري، قد تكون الاعتماد على الترجمة وحدها في عصرنا الحالي غير كافٍ. في ظل الظروف غير المتوقعة التي قد تحدث في العالم، مثل جائحة كورونا أو الحروب، من الضروري أن يطور المرء مهاراته في مجالات متعددة. يجب أن يكون لديك العديد من المهارات والخطط البديلة حتى تتمكن من التكيف مع أي تغيرات قد تطرأ.

على سبيل المثال، قبل أن أتخصص في اللغات، كنت أعمل مع والدي في تجارة الملابس. العمل في مجال اللغات هو شيء جديد بالنسبة لي. لذلك، من الضروري أن يكون لديك خلفية عملية في عدة مجالات حتى تتمكن من الاستمرار في تقديم الخدمات بغض النظر عن الظروف المحيطة.

في الختام، قصة محمد البيار هي قصة إلهام لكل شاب يبحث عن تحقيق ذاته، يؤمن بأنه لديه القدرة على تحقيق أحلامه، مهما كانت التحديات التي يواجهها إنها قصة عن الشغف والإصرار والعمل الجاد. إنها قصة عن كيف يمكن أن يتحول حلم بعيد إلى حقيقة ملموسة، حكايه تشجع الشباب على التعلم المستمر والسعي وراء المعرفة، وعلى اغتنام الفرص التي تسنح لهم. كما تدعوهم إلى الانفتاح على الثقافات الأخرى، وتقبل الاختلاف، والعمل على بناء جسور التواصل بين الشعوب.

MEU

مقالات ذات صلة

‫5 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا