مقاهي القاهرة القديمة
بقلم الباحثة / مي نعمان
قد يبدو لك من بعيد أنها مجرد مجالس يتوافد إليها الرجال لتناول المشروبات وتبادل أطراف الحديث ولكن بالإقتراب من هذا المجتمع نجد أنها أكثر من مجرد مقهى، فالمقاهي ليست شئ مستحدث ولكن له تاريخ وفى تاريخه قيلت الحكايات، فهى عالم فريد، يعبر عن الملامح الإنسانية العامة وله سماته الخاصة ، فهنا فى مقاهي القاهرة يجلس الناس حول مناضد متواجهين يتبادلون النجوى والأحاديث والأشواق الإنسانية والمصالح المادية وقضاء الحاجات وعقد الصفقات ، كما أنه يوجد من يجلس بمفرده يحاول الخروج من أزمه لديه بالحديث مع شخص لا يعرفه ولكن هذا هو مجتمع والمقاهي الكل يتحدث والكل يفرغ طاقة اليوم من ضغط وعمل .
يأتى الإسم من ” القهوة ” والتي لم تعرفها مصر قبل القرن السادس عشر الميلادى ، وورد إلينا أن أول من عرفها هو ” أبو بكر بن عبدالله” المعروف ب” العيدروس” حين كان يمر فى سياحته بشجر البن فأكل من ثماره واكتشف تأثيره فى أجتلاب السهر وتنشيط للعباده والدماغ ” فأتخذه طعاماً ونصح به اتباعه ، ثم وص أبو بكر مصر عام 905 من الهجره ،وبعدها ادخل الصوفية شراب القهوة إلى مصر واختلف الناس حول هذا المشروب الجديد هل هو حرام ام حلال ؟
هذا ليس معناه أن ” والمقاهي” لم تكن موجودة قبل هذا التاريخ ولكنها وجدت بمسمى آخر وكان يُقدم فيها مشروبات مثل ” القرفه والزنجبيل والحلبة و الكركديه ” وبالنسبة للدخان لم يظهر سوى فى القرن الحادى عشر الهجرى ولكن كان هناك تمسك كبير من فقهاء المسلمين بتحريم الدخان و اجتماعهم على ذلك.
أما عن وصف والمقاهي القاهرية ورد إلينا ما تركه لنا المؤرخ ” إدورد وليم لين ” فقال ” إن القاهرة بها أكثر من ألف مقهى ، والمقهى غرفة صغيرة ذات واجهه خشبية على شكل عقود ، ويقوم على طول الواجهه معدا المدخل ، مصطبة من الحجر أو الآجر تُفرش بالحصير ويبلغ أرتفاعها قدمين أو ثلاثة وعرضها كذلك تقريباً وفى داخل المقهى مقاعد متشابهه على جانبين أو ثلاثة ، ويرتاد المقهى أفراد الطبقة السفلى والتجار ، وتزدحم بهم عصراً ومساءاً ، وهم يحبون الجلوس على المصطبة الخارجية ، ويُقدم ” القهوجى” القهوة بخمس فضه للفنجان الواحد ، ويتردد الموسيقيون ،والمحدثون على بعض المقاهى فى الحفلات الدينية الخاصة …”
ومن هذا الوصف يتضح لنا أنها تشبه إلى حد كبير بعض المقاهى فى الصعيد الجنوبى ، ولا يزال مقهى الفيشاوى القديم وبعض مقاهى القاهرة الفاطمية تحتفظ بدكك خشبية عريضه تتسع الواحدة منها إلى خمس أو ستة أفراد ، كما أن الأدوات التى كانت تُستخدم قديماً لم تتغير كثيراً عما يُستخدم الان فالمتعارف عليه فى أى مقهى أنه يوجد “رف عريض ” فوق النصبه أى المكان الذى يتم فيه إعداد المشروبات هذا الرف يحمل عدداً من النرجيلات وهى آله التدخين ويوجد عدد كثير منها فى خان الخليلى من الزجاج والنحاس وغيرها .
أما تقديم القهوة فكان فى بداية القرن التاسع عشر تُقدم فى ” بكرج” موضوع على جمر فى وعاء من الفضه أو النحاس ويُسمى” عازوقى” ويُعلق هذا الوعاء فى ثلاثة سلاسل ويقدم الخادم القهوة ممسكاً أسفل الطرف بين الإبهام والسبابة ، وكانت القهوة يُضاف إليها أحياناً الحبهان أو المستكة والأغنياء كانوا يضيفون العنبر ، إضافة إلى القهوة كان يُقدم ” الشاي بأنواعه : شاى بنور ، شاى ميزه ، شاى بوسته ، وشاي كشرى” وأيضاً القرفه والنرجيلة .
قبل أنتشار المذياع فى مصر كانت المقاهى أماكن مخصصة لرواية القصص الشعبية والملاحم ، وكان أصحاب المقاهى يستقدمون الرواه وبعضهم يُعرف بأسم ” الهلالية ” لتخصصهم فى سيرة أبوزيد الهلالى ، والبعض يُعرف بإسم ” الظاهرية ” نسبة إلي الظاهر بيبرس والذى ظهرت قصته فى القرن الادس عشر الميلادى وغيرها من القصص الآخرى مثل ” ألف ليلة وليلة ، وسيرة عنتره العبسي..” وكانت تُصاحب الرواية الآلآت الطرب كالربابه والعود .
فى النهاية يمكننا القول أن قمة أنتشار المقاهى وتأثيرها على الشعب كان فى العشرينات والثلاثينات وكانت القاهرة الجميلة تزخر بالعديد من المقاهى وكان مجمعاً للفنانين والأدباء ويٌقام فيها ندوات أدبية كل يوم جمعه ، وكذلك العديد من المقاهى القاهرية القديمة التى تحمل جدرانها ذكريات كثيرة وأحداث هامة فى التاريخ المصرى من ثورات وأحتلال وحروب وغيرها جلس أبناء الشعب يخططون ويتحدثون فى أراجائها ويشربون من قهوتها …