التاريخ والآثار

فلسفة الحياة والموت عند المصري القديم

 

بقلم الباحثة/ مي نعمان

أعتبر المصرى القديم أن هناك نوعين من الموت : الموت الأول، الموت الثاني. الموت الأول من وجهة نظره هو مفارقة الحياة أى مفارقة الروح البدن والدخول إلى عالم غامض ولكنه لم يعتبره نهاية الحياة وإنما مرحلة إنتقالية لحياة أُخرى ، أما الموت الثانى فيعني تحلل الجسد وفساده. لم يكن المصرى القديم يخشي الموت الأول ، ولكنه أعتبر الموت الثانى سداً وحائطاً يمنعه من العبور إلى الخلود والأبدية فى العالم الآخر ، وتخيل المصرى القديم أن إله الخلق شكل البشر من جزأين أساسين : أولهما ” المادة” أى الجسم الطبيعى والذى يحوى بداخلة خاصية قبول عوامل الفناء والتحلل ، والثانى ” جوهر الحياة ” أى الروح وكان مستقرها السماء بعد الموت ، ولخص المصرى مفهومه فى أحد نصوص الأهرام ” إن الروح مستقرها السماء ، والجسد للأرض ” .

لأن المصرى القديم تخيل أنه بحلول الموت ” مرحلة إنتقالية ” يفترق فيها الجسد والروح مدة زمنية محددة ثم تحل الروح في الجسد ثانية يوم الدفن كى تُرشدها في رحلة العالم السفلى ولكن فى النهاية تبقى الروح خالدة مخلدة فى السماء والجسد على الأرض . ومنها جاءت فكرة التحنيط كمحاولة لإيقاف عوامل الفناء ومساعدة جوهر الحياة فى المستقر السماوى .

رأى المصرى القديم أن المادة تنقسم إلى أربع عناصر أساسية في جسم الإنسان وهى ” غيت ” الجسد ، القلب ” اب”، الأسم ” رن ، الظل “شو” ، أما الجوهر الحياة فيتكون من ثلاثة عناصر وهي ” القرين ” كا ، الروح “با” ، النورانية ” أخ” . وفيما عدا الجسد والروح فإن العناصر الخمسة المكونة للإنسان هى :

“القرين” ويخلقه الإله خنوم في نفس يوم خلق الإنسان ويسمية المصريين أيضاً “الجسد الروحى” ومازال مفهوم القرين موجود فى المعتقدات الشعبية عندما يتعثر الطفل تقول له أمه ” اسم الله على أخوك ” وهي نفس المخيله التى كانت موجودة عند المصرى القديم عن القرين بأنه بصورة جسدية وروحية تشبه نفس صورة الإنسان الأصلية ” الجسد” .

“القلب” أستطاع المصرى القديم أن يفرق بين أمرين ، وهما القلب كعضلة أو كعضو في جسم الإنسان ، والقلب كمحتوى للرغبة والإرادة فسمى الأول “حاتي” ووالثانى “اب” وسوف يحاسب المتوفى على الثاني في الحياة الآخرى .

“الاسم” وهو هوية الإنسان التى تعطى له عند ميلاده وتعتبر من الماديات لأنه من الممكن التحكم في أى إنسان بكتابة أسمه او شطبه.

“الظل” يختلف عن الروح لأن الروح لها القدرة فى الصعود فى السماء بينما الظل يبقى على الرض ولا يغادرها حتى بعد وفاة صاحبه .

“النورانية” عبارة عن شكل من الأشكال الروحية تأخذ أحياناً شكل طائر وأحياناً شكل مومياء.

أما بالنسبة للعقائد الجنائزية وهى عقائد المصريين تجاه الحياة بعد الموت يجب علينا لفت النظر إلي تميز المصرى القديم بعقائده عن اى شعب آخر ورصد كل هذا الإرث المتتميز من ميراثه الدينى والروحى ، وكان النيل يفيض صيفاً فى مواعيد دورية ثابته كأنه يوحي بدورة حياة متجدده كل عام ، وكانت الشمس صحوها ووضوحها ودورتها اليومية وما توحيه من حياة وموت وبعث وخلود ” مركز الدين المصرى القديم ”

وأهم تلك المعتقدات ما يُسمى ب” عالم ما بعد الموت ” الذى يُسمى بالمصرية القديمة “توات أو دوات” إن تسمية العالم السفلى هى تسمية خاطئة لأنه لا يقع تحت الأرض فربما كان فى السماء ، وكذلك مسمى الجحيم لدى المعاصرين يمثل أفكار غريبة على أغلب المدارس الدينية المصرية ولأنه ليس جحيماً فقط فهو عالم حساب وجنه أيضاً لذلك فهو ليس بفردوس أو جنه ، ولا تدل كلمة ” عالم الموتى ” على خلود أو بقاء الناس أحياء بعد الموت ، ولذلك نرى أن أنسب كلمة مقابلة لذلك العالم هو ” العالم الآخر ” أو ” الآخرة ” فهو مصطلح دقيق يمكن أن يدل على تنوع ذلك العالم وما يحتويه من عوالم الحساب والجنة والجحيم فهو أربعة عوالم فى آن واحد لا تقع فى الأعلى او فى الأسفل فقط وهى ” القبر ، الحساب ، الجنه ، النار” .

فملخص ذلك؛ أن المصرى القديم كان يعلم أنه مثلما أن الشمس تشرق وتغرب فإن الإنسان يحى بعد وفاته حياة آخرى ولكنها حياة أبدية ، وأنه يُحاسب على كل شئ يفعلة فى الدنيا على ايدى مجموعة من الألهه التي تسمح له بالعبور عبر المركب الشمسى للعالم الاخر الأبدى .

MEU

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا