التاريخ والآثار

عودة تمثال نفرتيتي ورد التاريخ إلى موطنه

 

 ✍️إبراهيم ماجد/ باحث في تاريخ وحضارات العالم

هذا الخبر الذي لطالما انتظرت مصر أن تراه يتصدر أغلفة الصحف والعناوين للقنوات الفضائية حول العالم فعلى مدار أكثر من قرن وعقد من الزمان هذا التمثال الفريد من نوعه الذي وقف أمامه هتلر برغم قوته مهزوماً مذلولا يتأمل فيه عظمة وعبقرية المصري القديم في النحت والجمال والأنوثة التي تتصور بها الملكة نفرتيتي جميلة الجميلات.

هذا التمثال الذي في نظر البعض مجرد تمثال ولكن في نظر علماء المصريات حول العالم والملوك وقادة الجيوش هو ثورة من الفن والجمال والعلم والتقدم يظهرون في أبهى صورهم متجسدون في وجه إمرأة تصور جمال المرأة المصرية مفاتنها في مصر القديمة. هذا التمثال التي تحاول وتطالب مصر بإسترداده إلى موطنه الأصلي لأكثر من قرن من الزمان.

ترجع القصة منذ بداية القرن الماضي وتحديداً في شهر ديسمبر عام 1912م، حيث تم العثور على التمثال النصفي على يد عالم المصريات الألماني “لودفيج بورشاردت” والذي كان بدوره يرأس البعثة الأثرية الألمانية حين بذلك تم العثور علي التمثال النصفي للملكة نفرتيتي داخل ورشة للنحات المصري تحتمس في منطقة تل العمارنة بمحافظة المنيا؛ حيث مملكة الملك إمنحوتب الرابع ( إخناتون ) زوج الملكة نفرتيتي الأسرة الثامنة عشر من عصر الدولة المصرية الحديثة 1350ق.م تلك الملكة الجميلة التي أعانت زوجها في تبديل العبادة من الامونية للأتونية ( الإله الواحد )

و عند العثور على التمثال مع مجموعة تماثيل نصفية؛ تم العثور علي التمثال النصفي للمملكة نفرتيتي وهو مصنوع من الحجر الجيري بطول47 سم و وزن 20 كيلو وهو مزين بطبقة من الجـص الملون، ويعكس تمثال نفرتيتي مدي دقة و براعة الفنان المصري القديم في الفن الكلاسيكي حيث كل من يقترب من التمثال ينبهر بما فيه من دقة تفاصيل التمثال الذي استعان به الكثير من أطباء التجميل حول العالم حيث قال عالم المصريات وسيم السيسي أن صورة وجه تمثال نفرتيتي موجودة في كتب جراحة التجميل يستعينوا بما فيه من تفاصيل في عمليات التجميل .

وفي عام 1913 من القرن الماضي تم تهريب التمثال النصفي للملكة إلي ألمانيا حيث تم التدليس والتزوير والكذب من أجل خروج التمثال من مصر وكان القانون يمنع خروج أي تمثال ملكي من مصر مصنوع من الحجر الجيري فأدعوا أن هذا التمثال هو ليس أثري بل مصنوع من الجبس وذلك عكس الحقيقة حتى يتمكنوا بالخروج به من مصر وحدث ذلك.

بعد خروج تمثال الملكة من مصر وبعد أن وصل إلى ألمانيا تم إهداء التمثال إلي هينيري جيمس سيمون تاجر الأثار و الممول لحفاير تل العمارنة حين ذاك وكانت شروط بورشاردت أن يظل التمثال في الخفاء دون الإشهار عنه. احتفظ به سيمون حتى وهبه إلى متحف بيرلين عام 1920 وتم عرضه لأول مره أمام الجمهور عام 1923 بعد مناقشات و محاولات عدة من قبلها لعرض التمثال أمام الجمهور إلا أن بورشاردت كان يرفض دائما.

مع بداية الحرب العالمية الثانية تم إغلاق متحف بيرلين وتم نقل التمثال و إخفاؤه في أكثر من مكان مع أثار المتحف للحفاظ عليها، حيث تم وضع التمثال في قبو البنك الحكومي البروسي ومن بعدها إلى أحد المواقع العسكرية ومن بعد إلى منجم ملح ألماني في ولاية تورونغن، وفي عام 1945 تم العثور علي التمثال من قبل الجيش الأمريكي و تم إرساله إلي البنك المركزي الألماني بفرانكفورت وتم عرضه للجمهور في عام 1946 في فسبادن وتم استرجاعه عام 1956 إلي برلين الغربية وفي عام 1967 تم نقل التمثال إلى المتحف المصري في شارلوتنبورغ وبقى هناك حتى عام 2005؛ ثم تم نقله إلى متحف بيرلين الجديد عام 2009.

الصراعات بين مصر وألمانيا لاسترجاع التمثال

بدأت المطالبة من مصر لاسترجاع التمثال الذي تم خروجه بصورة غير قانونية ابتداءً من عام 1925، وهددت مصر بوقف التنقيبات الألمانية في مصر إلا بعد رجوع تمثال نفرتيتي إلا أنه المحاولة بائت بالفشل وفي عام 1929 حاولت مصر مرة أخرى بإستبدال التمثال ببعض القطع الأثرية الأخرى إلا أنها بائت بالفشل أيضا، وفي عام 1933 طالب هيرمان غورينج وزير الدفاع الجوي النازي، حين ذاك إهداء التمثال للملك فاروق الأول وبعد الموافقات والاتفاقات و النظرة الأخيرة من هتلر للتمثال وقف هتلر إمام تمثال الملكة مزهولا وقال عفواً أيتها الملكة لم تخرجي خارج الديار الألمانية و لن تعودي إلي ديارك وقال أنه سيبني متحفاً خاصاً بالملكة نفرتيتي ويوضع به هذا التمثال.

أصبح التمثال تحت سيطرة الأمريكان و طالبت مصر الأمريكان بعودته إلى مصر إلا أن الأمريكان رفضوا أيضا الفكرة، وفي عام 1989 زار الرئيس المصري السابق حسني مبارك تمثال نفرتيتي وقال إنها خير سفير لمصر بألمانيا، وفي عام 2005م طالب عالم الأثار المصري زاهي حواس اليونسكو بإعادة التمثال إلى مصر وتبوء المحاولات بالفشل، وفي عام 2007 هدد زاهي حواس بحظر الأثار المصرية من عرضها بألمانيا وطالب بحظر متاحف ألمانيا من العرض عالمياً بدعوة سماها الحرب العلمية وكالسابق بدون أي جدوى. وتستمر المحاولات وآخرها السنين الأخيرة طالبت مصر بإقراض رأس نفرتيتي في افتتاح المتحف الكبير أيضاً ولا حياة لمن تنادي.

وفي الأيام الأخيرة أطلق عالم المصريات الدكتور “زاهي حواس” عن حملة قادمة في منتصف سبتمبر من عام 2024 الجاري لإعادة بعض الأثار المصرية من الخارج والخارجة بطرق غير شرعية وغير قانونية وعلي رأسها التمثال النصفي للملكة نفرتيتي من برلين وحجر رشيد من المتحف البريطاني والقبة السماوية من باريس، ولكن في هذه الحملة دعى الدكتور زاهي حواس الشعب المصري بالتوقيع علي المذكرة للموافقة على استعادت تلك الآثار المصرية المذكورة وتم توقيع ما يقرب إلى نصف مليون مذكرة إلى الأن. وأنت هل من رأيك تكون آخر المحاولات و تعود الملكة إلى موطنها الأصلي أم لك رأي أخر؟

MEU

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى