عصر السلطان المؤيد شيخ
بقلم / آية محمد الخطيب
تُعد فترة حكم السلطان المؤيد شيخ المحمودي 815 _ 824 هجريا/ 1412 _ 1421 ميلاديا هي أحد فترات حكم السلاطين المماليك التي تميزت بالإزدهار الفني والنشاط العلمي. وتبدو مظاهر هذا الإزدهار فيما خلفته تلك الفترة بالرغم من قصرها من عمائر متنوعة الأغراض فمنها العمائر الدينية من مساجد، ومدارس وخانقاوات، والمدنية مثل القصور والوكالات والخانات والبيمارستانات والأسبله الصهاريج التي اندثرت بعضها بينما لا يزال الباقي منها قائما يتحدي الزمن بشموخه وعظمته ويشهد علي قدرة وكفاءة وإتقان المعماري المسلم في تلك الفترة.
قد واكب هذا النشاط المعماري نهضة أدبية وعلمية قامت وازدادت في نفس الوقت، ولا شك أن تشجيع السلطان نفسه كان وراء ذلك وهذا ما يؤكده معظم مؤرخي عصره على اختلاف أهوائهم؛ فقد جامعة على حبه للعلم وتشجيعه للعلماء والأدباء الذين كثيراً ما كان يحضر مجالسهم ويناقشهم ويستمع إليهم ويستمتع ب الحديث معهم.
ظهور وبروز مؤرخين في تلك الفترة مثل بن حجر العسقلاني ، بدر الدين العيني ، الخطيب الجوهري، تقي الدين المقريزي وغيرهم علامات بارزة تتوج هذه النهضة وتقودها وتسجل أحداثها ونظمها الاقتصادية والاجتماعية والقضائية والعسكرية.
كما تميزت هذه الفترة باتصال مصر بما جاورها من الدول الإسلامية شرقاً وغرباً وتبادل التجارة معها وهجرة الفنانين المتبادلة، الأمر الذي كان له أكبر أثر في ظهور عناصر معمارية الزخارف الاسلامية من الشرق والغرب الإسلامي في العمارة والفنون الإسلامية في مصر.
ولا شك أن قوة الشعور والتأثير الديني في تلك الفترة كان وراء اهتمام سلاطين المماليك والسلطان المؤيد بحركه التشييد العماره وخاصه تشييد العمائر الدينية حيث أوقفوا عليها المنشآت والأراضي العديدة ووصفوها في هذه الوثائق بالتفصيل.
وقد كان لوثيقة المؤيد أهمية كبيرة حيث أمدتنا بوصف للعديد من العمائر والمنشآت والتي لم يتبقى منها أمثلة قائمة حتى الآن والتي تُشكل في مجموعها طريقة طبيعة الحياة والنظام المعماري الذي ساد في تلك الفترة مثل مطابخ السكر والبساتين والمناظر والخنقاوات والشون والمعاصر والمخابز والتي توضح تنوع العمائر واختلاف وظائفها أاغرضها.
ومن العمائر التي سبق دراستها وأعدت تناولها جزئياً في هذا البحث:
“جامع المؤيد شيخ ”
خلال زياراتي المتكررة للجامع وللعمائر الأخرى الواردة بالمقالة بإعادة الإطلاع على وثيقة السلطان المؤيد في الجزء الخاص بوصف الجامع؛ وعلى وجه التحديد فيما يتعلق بوصف الباب الرابع وجدنا أن كاتب الوثيقة في وصفه لهذا الباب يذكر أنه يؤدي إلى الحمام وإلى الميضاه وإلى الخانقاه والى الدهليز الفاصل بين الجامع والميضآه، كما يشير إلى خزانة الكتب ويصف مساكن يقيم بها الطلبة، وأن بهذا الموقع اسطبلان وبئر وساقية.
وكلمة الخانقاه في هذا الوصف وهي في الجهة الشمالية الغربية من المسجد وقصد بها كاتب الوثيقة مساكن الطلبة الصوفيه المقيمين بالجامع لتلقي العلم الشري،ف وتصف الوثيقة هذه المساكن بأنها يصعد إليها بواسطة مدرات سلالم وتقع في الجهة الشمالية الغربية من الجامع وقد درست جميع هذه المباني ولم يتبق منها سوى الحمام وبقايا والميضآه القديمة.
وتشغل مواقع هذه الأماكن في الوقت الحالي عشش ومساكن عشوائية أقامها الأهالي وكذلك يشغل جزءًا من مساحتها نادي الدرب الأحمر الرياض الذي أقام منشآته عليها منذ بدايه الستينات.
ونستخلص من ذلك أن جامع المؤيد شيخ لم يكن جامعًا ومدرسة فقط بل كان أيضا خانقاه لإقامة الطلبة الصوفية المنقطعين لتلقي العلم الشريف من طلاب المذاهب الأربعة الشافعية والحنفية والمالكية والحنابلة وهذا أيضاً يؤكد مدى براعة وقدرة وتمكن المعماري المسلم من استغلال مساحه الأرض التي تحت تصرفه في إقامة منشأه تؤدي أغراضاً ووظائف متعددة في آن واحد وهذا النظام بدأ من قبل في مدرةه وخانقاه فرج بن برقوق بصحراء المماليك.