الغزو الفارسي الأول على مصر
بقلم/ آية أحمد حسن
تحددت مقادير الشرق الأوسط بميلاد الدولة الفارسية الهخامنشية في منتصف القرن السادس قبل الميلاد ، وهي دولة أراد زعماؤها أن يثبتوا لمواطنيهم بعقليتهم القبلية الجبلية أنهم بفوقون أسلافهم ذوي الميزاث الحضاري الطويل من عيلاميين وماذيين ، قوة واقتدارا في الداخل وفي الخارج ، وصمموا على بسط نفوذ دولتهم في الإتجاهات الأربعة ، مستغلين قوتهم وشيخوخة جيرانهم ، فخرجوا بحملات منظمة قوية تحت قيادة ملكهم قورش ، يدقون الأرض دقا عنيفاً حتى بلغوا آسيا الصغرى واكتسحوا دولة ليديا التي كانت شيئا عظيماً في نظر اغريق الشرق والغرب معا ثم عادوا قطووا بابل ذات التراث المجيد ، وأدركوا من ثم إدراك العالم المحيط بهم والذي مزقته المنافسات الحروب المتصلة لحكومة عالمية واحدة وهي حكومتهم بطبيعة الحال.
وفاة قورش قبل تحقيق حلمه بفتح مصر
ومات ملكهم قورش عام ٥٢٩ق.م قبل أن يحقق حلمة بفتح مصر التي كانت هي وبلاد الإغريق الفرس الدعائم الثلاثة حينذاك.
نجاح قمبيز بتحقيق الأمل لفتح مصر
تولى تحقيق هذا الأمل ابنه قمبيز ،وعندما بدأ مشروعة بغزو مصر من حدودها الشمالية الشرقية عاونتة الظروف فاستسلمت له بلاد الشام بدويلاتها الكثيرة ، ووضعت فينيقيا أسطولها الكبير تحت طاعته ، وتخلت قبرص عن التعاون مع مصر ، فقدت مصر ملكها المحنك أحمس و خلفة على عرشها ملك سىء الطالع وهو بسماتيك الثالث ” عنخ كان رع”ثم كان من كبار قادة جيشها قائد من المرتزقة الإغريق يدعى فانيس خانها وهرب إلي قمبيز وقاد له جيشه عبر مسالك الصحراء الصعبة المؤدية إليها كما كان فيها أعداد من اليهود اللذين اعتبروا أباه قورش مسيحهم المنتظر بعد أن فك إسار اليهود المنفسسن في بابل وما حولها و أعادهم إلي أورشليم وسمح لهم بتعميرها من جديد ، ولهذا كانوا على استعداد لأن يذللوا الصعاب في سبيله ، ومع هذه الظروف قاومت مصر جهد الاستطاعة وخاضت بقيادة ملكها التعس بسماتيك معركة عنيفة ضد الفرس في الفرما على الحدود الشمالية الشرقية في عام ٥٢٥ق.م ، ورأي المؤرخ هيرودوت آثار المعركة بعد نحو ثلاثة أرباع القرن من وقوعها فشهد بضراوة ما حدث فيها ، وسجل ملاحظة طريفة ذكر فيها إنه رأى جماجم الفرس من ناحية وجماجم المصريين في ناحية عند مصب بلوزيوم ، ولاحظ أن جمجمة الفرس يمكن أن تصدعها بحصاة على الرغم مما هو معروف عن ضخامة الرأس الازية بينما لا تنكسر جمجمة المصري إلا بضربة حجر.
ولم يثبت الجيش المصري طويلاً أمام الطوفان الفارسي فتراجع إلي العاصمة منف ، ولكنها سقطت هي الأخرى وأسر ملكها بسماتيك الثالث وقد جاملة قمبيز في بداية أمره وأطلق سراحة ولكن بسماتيك أبت علية وطنيته إلا أن يستأنف المقاومة ولما انكشفت أمره انتحر.
وخضعت مصر للفرس ما خضعت غيرها من أمم الشرق ، وإن لم يعفها هذا من وزر كبير بعد أن فتحت أبوابها للمرتزقة من هنا وهناك وجعلتهم دعامة جيشها. بلغ من تقدير قمبيز لضخامة البلد الذي سيطر عليه أن أقام في مصر أكثر من ثلاثة سنوات صحبها في بدايتها ما يأتي عادة من الغزاة ، من تخريب ونهب ومصادرات وغرامات ، و لم تسلم المعابد من كل هذا فتخرب أغلبها وانقضت مخصصتها إلي النصف وعسكر فيها جنود الاحتلال كل ملة.
ثم هدأت شرة الغزاة وتفتحت أمام قمبيز في مصر آمال جديدة ناحية الغرب والجنوب ، وخطط لثلاثة مشروعات فشلت كلها ، فقد مهد لغزو قرطاجة الفنيقية الأصل ذات الشهرة التجارية وتعلل بأن استقل هداياها وهديا قرنية إليه ، وأراد أن يستعين بالاسطول الفنيقي على فتحها ، ولكنة فشل ولعله لم يجد الإخلاص و الاستجابة الفعالة من أنباء عمومتنا الفنيقين.
وأرسل حملة إلي سيوة أحد مراكز آمون الكبرى وحيه ذي الشهرة الواسعة ، ليتم بها فتح الواحات وربما ليفتح بها طريقا إلي ما بعدها عن طريق البر ، فابتلعت العواصف الرملية الكثيفة حملته وقاد حمله إلى نباتا طمعا في ذهب النوبة ليفتح بها طريقا إلي السودان و لكنها فشلت من قلة الزاد وصعوبة الطريق ومقاومة أهل نباتاً ، كان من الطبيعي أن يرى المصريون هذا الفشل المثلث انتقاما من السماء ، وقد أحاطوه باساطير وجدت اذنا صاغية من الإغريق أعداء الفرس.
وفي الختام أود أن أوضح للقاريء وليس من المستبعد أنه تبع الفرس في دخولهم إلى مصر واستقرارهم فيها أعداد أكثر من تجار البلاد الخاضعة لسلطتهم واعتبر الفرس مصر مجرد ولاية ولكنها كانت في نظرهم أولى الولايات في غناها ، أو الثانية على أقل تقدير وكانوا يحملونها ما يبلغ ألف ثالنت من الفضه وقدر التالتت بستة وخمسين رطلا بين جزي ونفقات احتلال ويستغلون من معادنها ما يعادل هذا المقدار.