عروس النيل بين الحقيقة والأسطورة
بقلم الباحثة/ مي نعمان
لازال الوجدان الشعبي المصري يحتفظ بذكرى الأسطورة الفلكلورية المحببة “عروس النيل” تلك الفتاة الجميلة التي تهب نفسها للنيل طواعية فتلقى بنفسها فيه مع بشائر قدوم الفيضان الجديد ، حتى يجود بخيراته على أرض مصر محملاً بعوامل الخير الوفيرة، ويحتفظ كذلك سجل القصص المصرية بقصة البنت البكر، التي يتم اختيارها ثم لباسها افخر الثياب وتزيينها بأثمن الحلى ، حتى يتم القائها في النيل مرة كل عام حتى يتم إرضائه مع قدوم الفيضان الجديد ، فلما لم تتلقى ممن تتوفر لديهن هذه المواصفات الا ابنه الملك نفسه ، فيروى أن وصيفتها قامت بصنع دمية على نفس جسم وشكل ابنه الملك واخفتها بالثياب وقاموا بإلقائها في النيل فلما فاض النيل كعادته من ثم أبطلت عادة إلقاء العروس البشرية واستبدلت بالدامية علي شكل فتاه جميلة تتزين وتلقى في النيل وسط احتفال كبير.
ولكن هل بالفعل كان يتم إلقاء عروس حقيقة فى النيل كقربان ، هل كان ذلك المعتقد موجود لدى العقيدة المصرية القديمة؟ والإجابة وفقاً لما ورد إلينا من الفكر المصري القديم وفكرة الشعب الجميلة وضمير الشعب اليقظة لم يقبل أبدا فكرة التضحية البشرية علي الرغم من تواجدها في معظم الحضارات القديمة من حضارة بلاد الرافدين إلي بلاد الشام والهند والصين وغيرها..
بالإضافة إلى ذلك أن المصريين بالفعل كان لديهم ثلاث تصورات حول كيفية ولادة فيضان النيل جغرافيا نظروا منذ الماضي السحيق إلي الجنادل الصخرية جنوب أسوان ، باعتبارها آخر نقاط الحدود المصرية فتخيلوا أسفلها كهفا عميقاً تحت صخورها يقبع المعبود خنوم سيد منطقة الشلال، ورب منابع النيل ومن هذا الكهف تتدفق مياه الفيضان .
أما التصور الثاني فكان حول مسؤولية المعبود اوزير رب الخصب وسيد عالم ما تحت الأرض عن خروج النيل، والتصور الثالث كان عن ترجمة العلاقة بين فيضان النيل وهطول الأمطار واستقر في معتقدهم أن معبودة بهيئة بقرة ضخمة تدعى “محت ورت ” كانت تسكن السماء وتسبب في هطول أمطار الخير ومجيء النيل .
إذن فماذا عن “حعبى” الرمز المقدس للنيل والذى تخيله المصريون القدماء رجل بجسم ممتلئ وصدر وبطن مملؤه، إنه ليس معبودا للنيل بقدر ما هو’ روح النيل ‘ الذى يدفعه لأرض مصر وقوته الفعالة التي تنساب مع تدفق مياهه عبر الوادي الخصب.
ومنذ الدولة الوسطى نشأت عادة إلقاء تماثيل أنثوية في النيل مع تماثيل ‘حعبى’ وقرابين وهدايا وجدت في مقاييس النيل ، تعود هذه التماثيل إلي معبودة تدعى ‘ربيت’ قرن المصريون بينها وبين النيل واعتبروها قرينته، واعتبروا غمر مياه الفيضان للأراضي الزراعية المصرية وما ينالها من إخصاب من جراء ذلك ، إشارة لاقتران ‘حعبى’ بزوجته أو عروسه ‘ ربيت’ وسط مظاهر الفرحة الغامرة والبهجة الكبيرة .
وعروس النيل ‘ربيت’ هي ببساطة صورة مجمعة من ربات مصريات كبريات ثلاث وهم : ايزيس .. زوجه اوزير كرمز للوفاء ومساندة شرعية ، حتحور ..المعطاءة رمز الخصب والنماء وربة الجمال والبهجة، المعبوده ‘نوت’ الربة الكبرى للسماء حسب المعتقدات الدينية المصرية .