إن مفهوم “التنمية المستدامة ” مُصطلحٌ بدأ تدارُجهُ على مسامعِ القرن الواحد والعشرين ، وكذا بدأت جميع دول العالم تُـولي اهتمامًا بالغاً لتطبيق مفاهيم ومنهجية الاستدامة فى كافة المجالات الحياتية.
فهل تعرف ما المقصود بـــ التنمية المستدامة؟
إن مفهوم “التنمية المستدامة “ يكمن في دمج القضايا البيئية مع ضرورات “التنمية الاقتصادية” من أجل تلبية الاحتياجات الفورية للسكان دون تَـعرض تطلعات الأجيال القادمة للخطر .
وهى أيضا تلك “التنمية التي تلبي احتياجات الأفراد فى الحاضر دون المساس أو الاحتفاظ بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها الخاصة ، ومع ذلك فقد اتسع معناها ليشمل أفكار العدالةِ والتكافل، ليس فقط بين الأجيال، ولكن بين دول الأرض وشعوبها المُتعايشة الآن .
وسرعان سرعان ما كان من أولويات التنمية المستدامة هو تقديم دعوة عالمية للعمل للقضاء على الفقر وصون ،وحماية الأرض وتحسين المُعايشة في كل مكان ، وتغطي هذه الأهداف جميع جوانب الحياة الاقتصادية،والبيئية بل والاجتماعية.
كما قد تبنت كافة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة هذه الأهداف التى استخرجها مفهوم التنمية المستدامة فى سبعة عشر هدفاً في غضون عام ٢٠١٥ ، بوصفها جزء لا يتجزأ من جدول أعمال التنمية المستدامة بل إنـ تلك الأهداف بمثابة التخطيط لوضع الرؤية ، والأهداف الاستراتيجية لخارطه العالم لعام ٢٠٣٠ ،والذي حددت الدول الاعضاء خُطَّة مدتها ١٥ عامًا لتحقيق تلك الأهداف الموضوعه .
تتركز الأهداف السبعة عشر للتنمية المستدامة فيما يلى :-
١- القضاء على الفقر
٢- القضاء التام على الجوع
٣- الصحة الجيدة والرفاه.
٤- التعليم الجيد
٥- المساواة بين الجنسين
٦- المياه النظيفة _ وبيئة صحية
٧- طاقة نظيفة واسعار مقولة
٨- العمل اللائق ونمو الاقتصاد
٩- الصناعة والابتكار والهياكل الأساسية
١٠- الحد من أوجه عدم المساواة
١١- مدن ومجتمعات محلية مستدامه
١٢- الإنتاج والاقتصاد المسؤولان
١٣- العمل المناخي .
١٤ – الحياة تحت الماء
١٥- الحياة فى البر .
١٦- السلام والعدل والمؤسسات القوية
١٧- عقد الشراكه لتحقيق الأهداف .
إن موضوع التنميه المستدامة لا يستكفيه مقالاً واحداً بل عدة مقالات وذلك لتشعب أهدافه وطُرق ومنهجِيات الدول العربية والعالمية فى تحقيق أهدافه ، وكذا المنظمات الدُولية التي شاركت فى تحقيق أهدافه وعلى رأسها منظمة «اليونيسيف »، وتعمل اليونيسف على الحد من العوائق أمام التغذية الجيدة، مع التركيز على منع جميع أشكال سوء التغذية وهذا هو الهدف الثاني من أهداف التنمية المستدامة.
وسأتحدث اليوم عن هدفًا واحداً من أهداف التنمية المستدامة إلا وهو “الحياة في البر”
إن المُشكلات البيئية التى هى صنيعة البشر أصبحت تُشكل تهديداً مباشراً ، وإنذار بالخطر ليس بحسب على المجتمعات فقط بل ، وعلى الغذاء أيضا ، فظهر مصطلح “المناخ في مقابل الطعام! ” فبسبب المشكلات البيئية مثل التغير المناخي أصبحت ندرة الغذاء خطرًا يُهدد كوكبنا بل عالمنا كله ، لأن استمرارنا في التعدي على البيئة من حولِنا خاصة الأراضي الزراعية يجعل سكان الأرض والحياة البرية عامةً أمام مشكلة غذائية كبيرة جدا.
لذا ينبغي أن ندرك مدى أهمية الطبيعة لبقائنا، فهي ليست فقط تمُدنا بالأكسجين، بل تنظم لنا أيضا المناخ الصحي ، وتمنحنا الطعام ، إذ لا يمكن بإى حالاٍ من الأحوال توفير الغذاء في ظل غلاف جوي يُحاط بكل ما هو مُلوث من حولنا .
يؤدي تغير المناخ، والنزاعات والحروب ، وكذا الأمراض الحديثة مثل جائحة كوفيد-19، والأزمات الاقتصادية إلى حرمان الأطفال من فرصتهم بالازدهار. وإذا لم نتصرف الآن، فإننا نخاطر بخسارة ملايين الأرواح لأسباب يمكن منعها بسهولة من قبيل الأمراض، أو وقف نزيف الحروب والصراعات ، وسوء التغذية، والمياه غير المأمونة.
ومن الآن علينا أن نُفكر جيدا ما هي العلاقة بين المناخ والغذاء؟!! وأن نعمل أيضا ونجد ونجتهد فى الأبحاث العلمية والعملية فى ذلك الموضوع الحيوى حتى نستطيع أن نلحق بِركب التنمية المستدامة .
وقد حصلت مصر على المركز التاسع في مؤشر التنمية المستدامة لعام ٢٠٢٠ بحيث حققت تقدمًا في ٩ أهداف للتنمية؛ وذلك من خلال مجموعة كبيرة من المشاريع التي باشرت بتنفيذها وتشمل:-
*طرق وأنفاق كبرى ٦٥٢مشروعاً.
*بترول وغاز طبيعي ٨٤ مشروعاً.
*استثمار ١٢ مشروعاً.
*ابتكار ومدن جديدة ٢٢٩ مشروعاً.
*إنتاج حيواني وثروة سمكية ٥٩ مشروعاً.
*البحث العلمي ١٨ مشروعاً.
*تكنولوجيا المعلومات ٤٤ مشروعاً ، وذلك وفقا لما نُشر بالموسوعة المصرية .
إن رؤية مصر ٢٠٣٠ هي أجندة وطنية أُطلقتها الدولة في فبراير من عام ٢٠١٦، وتعكس الخطة الاستراتيجية طويلة المدى للدولة لتحقيق مبادئ وأهداف التنمية المستدامة في كل المجالات، وتسكينها بأجهزة الدولة المصرية المختلفة.
ترتكز رؤية مصر ٢٠٣٠ على مبادئ “التنمية المستدامة الشاملة”و”التنمية الإقليمية المتوازنة”، وتعكس رؤية مصر ٢٠٣٠ الأبعاد الثلاثة للتنمية المستدامة: البعد الاقتصادي، والبعد الاجتماعي، والبعد البيئي.
قد عزمت الدولة المصرية في مقبل عام ٢٠١٨ على تحديث أجندتها للتنمية المستدامة بمشاركة مختلف الوزارات والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني مُستعينةً بعدد من الخبراء في كافة المجالات، وذلك لمواكبة التغييرات التي طرأت على السياق المحلي والإقليمي والعالمي ، وبإصدار النسخة الثانية لرؤية مصر ٢٠٣٠ أولت الدولة المصرية اهتماماً بالغاً بأن تُقدم مصر رؤية ملهمة تشرح كيف تخدم ، وتقدم المساهمة المصرية الأجندة الأممية والإفريقية ، وكيف سيخدم ذلك السياق العالمي.
إذ تؤكد الرؤية المُحدثة أيضا على تناول وتداخل كافة القضايا من منظور الأبعاد الثلاثة للتنمية المستدامة البيئي والاقتصادي والاجتماعي، فهي رؤية شاملة ومتسقة تتكون من استراتيجيات قطاعية للجهات الحكومية المختلفة .
ثم عملت مصر على إنشاء جهاز مستقبل مصر ومقره الرئيسي فى محور الضبعة ، وقد بدأ في عام ٢٠١٧ بمشروعات إستصلاح زراعي بمساحات صغيرة مُعتمدما على استخدام أساليب الرى الحديث وتكنولوجيا الزراعات الحديثة ، وبلغت عدد الأراضى المستصلحة إلى ما يقارب ٨٠٠ ألف فدان مع نهاية عام ٢٠٢٣ .
توسعت أيضا مشروعات جهاز مستقبل مصر للإستصلاح الزراعى فكان بذرة بناءٍ حقيقي لدلتا مصر الجديدة ، بل وإمتدت حتى المنيا وبنى سويف ، ، وأسوان والفيوم ، والداخلة والعوينات لتحقيق حلم مصري إلى ما يقُرب من ٤,٥ مليون فدان بحلولِ عام ٢٠٢٧ ، وذلك بالاعتماد والتركيز على الزراعة بأنظمة الرى المحوري ، والري بالتنقيط والزراعة تحت الصوب بأنظمة وتكنولوجيا الري الحديث والدقيقة للحفاظ على الموارد المائية وبما يعزز من تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
عند افتتاح الرئيس” عبد الفتاح السيسي” المرحلة الأولى من موسم الحصاد بمشروع مستقبل مصر للتنمية المستدامة، مؤكدا أن هذا المشروع يحقق التنمية المستدامة في قطاع الزراعة علي أرض الواقع ، وفى حوار ـ العقيد” بهاء الغنام” مدير جهاز مستقبل مصر على راديو مصر قال فيه :- إن الرئيس عبد الفتاح السيسى يستهدف تأمين أمن مصر الغذائي بالمشروعات القومية، مشيرا إلي أن مشروع جهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة يعد أحد أكبر الكيانات في العالم في مجالات وأنشطة التنمية على صعيد مشروعات “الزراعة والتصنيع الزراعي والإقتصاد البيئي والمشروعات التكاملية”.
قال العقيد الدكتور بهاء الغنام، المدير التنفيذي لجهاز مستقبل مصر، إن مشروع مستقبل مصر للتنمية المستدامة يستهدف توفير ٨٠ ألف فرصة عمل مباشرة و ٣,٥ مليون فرصة عمل غير مباشرة في عام ٢٠٢٧.
كما أطلقت مصر العديد من المبادرات سعياً منها لتحقيق أهداف التنمية المستدامة وتحقيق العدالة الإجتماعية وغيرها من اهداف التنمية ومنها على سبيل المثال لا الحصر :-
مبادرة بهدف تمكين المرأة والشباب والفئات الأكثر احتياجًا وضمان حقوقهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية
– الا وهى مبادرة زيادة العائد الشهري للرائدات الريفيات .
– مبادرة تعال بفكرة ضمن مبادرة مشروعك للشباب ومبادرة ابدا
– مبادرة حياة كريمة .
– إطلاق تطبيق واصل للرد على الاستفسارات الخاصة بفيروس كورونا للصم وضعاف السمع
المبادرات التي تم إطلاقها قبل الأزمة بهدف تحقيق دعم المشاركة المجتمعية فى التنمية لكافة الفئات
– مبادرة صوتك مسموع التى تهدف إلى التواصل مع المواطنين لتلقي الشكاوى على مستوى المحافظات.
مبادة “مؤسسة أهل مصر” لمساندة القطاع الصحي بإمدادهم بالأجهزة الطبية والمستلزمات الوقائية اللازمة
– ومبادرة “إصلاح جهاز إنقاذ حياة” لدعم إصلاح وصيانة أجهزة التنفس الصناعي وغيرها.
– مبادرات المحافظات للحث على المشاركة المجتمعية مثل مبادرات “كافح الوباء” و”تعقيم بلدنا” و”خليك في بيتك”.
كما ركزت الدولة المصرية جهوداً كبيرة لتحقيق الهدف الخامس من أهداف التنمية المستدامة من خلال إطلاق العديد من المبادرات فى ذلك إلا وهو هدف “نظام بيئي متكامل ومستدام”
*المبادرات التي تم إطلاقها بهدف تحقيق أفضل استخدام للموارد الطبيعية
– إنشاء عدد من المشروعات الكبرى لتحلية المياه لسد الاحتياجات المتزايدة للمواطنين والأنشطة الاقتصادية
– إعداد حزمة سياسات منها رفع الدعم وذلك لترشيد استهلاك الطاقة وتحسين كفاءة انتاج ونقل الطاقة الكهربائية.
المبادرات التي تم إطلاقها بهدف تحقيق الاعتماد المتزايد على الطاقة المتجددة
– التنمية والاستثمار المحلي والأجنبي في مشروعات الطاقة المتجددة مما ساعد على تلبية الاحتياجات المتزايدة على الطاقة دون توقف الخدمة.
المبادرات التي تم إطلاقها بهدف تحقيق صون الطبيعة وحماية مواردها والتنوع البيولوجي
– إطلاق حملة “اتحضر للأخضرــ اتحضر للمستقبل” مما ساعد على رفع الوعي لدى المواطن عن القضايا البيئية ، والعديد ، والعديد من المبادرات الأخري.
في هذه العام ينقضي نصف الفترة المحددة تقريبا لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وهي تلك الخطة المؤلفة من ١٧ بنداً تشمل العالم بأكملة وتهدف إلى تحقيق تحسين كبير في حياة الناس والكوكب بحلول عام ٢٠٣٠ .
ولكن !! سؤال يطرح نفسه إذ لم يتبقَ سوى ست سنوات على انقضاء مدة الخطة، فهل نحنُ متخلفون عن الركب حالياً ؟ أم نحن محتاجين إلى بذل مزيد من الجهد المبذول والعمل الشاق وتضافر كافة القطاعات والأجهزة المعنية ونشر ثقافة الوعي بأهمية التنمية المستدامة ، وتعزيز أهمية دور الشباب فى ذلك للحفاظ على مسيرة التنمية المستدامة فى ظل وجود صراعات داخلية وخارجية بالعالم المحيط بنا .
إذ تتجسد أهمية المجتمع المدني في تضافر منظماته التي تستطيع أن تُسهم في التنمية المستدامة إسهامًا حقيقيًّا إذا نجحت في بناء الوعي التنموي واستقراره وتوظيفه من خلال مشاركة حقيقية وفاعلة في العملية التنموية.
ولا سبيل لتحقيق أهداف التنمية المستدامة إلا بتضافر كافة شعوب ودول العالم وذلك لترسيخ مباديء السلام والعدل وتعزيزالمشاركات والشراكات بين جميع الدول وإلا ستضيع كل الفرص المكتسبه التى تم تحقيقها خلال تلك السنوات الماضية..