مآذن القاهرة
بقلم الباحثة/ مى نعمان
تتعدد وجوه القاهرة بتعدد المراحل التي عاشتها تلك المدينة منذ عصورها الأولى. تنفرد مدينة القاهرة بوجود مجموعة كبيرة من المآذن ترجع إلى عصور مختلفة تحمل كل منها خصائص العصر الذى بنيت فيه وملامحه ، قد تبدو المآذن مجموعة من المبانى النحيلة الرشيقة التى ترتفع لتسد الفراغ إذا نظرنا إليها بمعزل عن الظروف، ولكن عندما نتوغل إلى الزمن الذي بنيت فيه سنجد أرشيفاً حياً للعمارة الإسلامية.
المئذنه لم تولد مع المسجد بل أنشئت في فترة متأخرة قليلاً كضرورة تقتضيها الحاجة، ويؤكد البخارى أن المسلمين عندما هاجروا إلى المدينة كانوا يجتمعون” فيتحينون للصلاة” لا ينادى لها، فتكلموا يوماً في هذا ،فقال بعضهم اتخذوا ناقوس مثل النصارى ، وقال بعضهم بل بوقاً مثل قرن اليهود، فقال عمر: أولا تبعثون رجلاً منكم ينادى بالصلاة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بلال قم فنادي للصلاة، وكانت المساجد الأولى تخلو من المآذن “كمسجد الكوفة، المسجد الجامع بالبصرة، مسجد عمرو بن العاص” كان الناقوس مستخدماً فيه لدعوة الناس للصلاة حتى سنة ٥٣ھ.
فى البداية أُطلقت كلمة ” صومعة” أو ” منارة” على المآذن وكانت كلمة “صومعة” فى الأصل تطلق على صوامع الرهبان المسيحيين، وهى عبارة عن بناء مربع يعلو عن الأرض وعندما ” ابن جبير” دمشق وصف ثلاث صوامع بالمسجد الأموى ” كالبرج المشيد” ولاتزال كلمة صومعة مستخدمة في شمال أفريقيا حتى يومنا هذا وربما لأن شكل المآذن مازال مربعاً حتى الآن.
أما لفظ ” المنارة” فيعني المكان الذى ينبعث منه الضوء أو النور وهذا يعني أن المآذن كانت تستخدم فى وقت ما لأغراض أخرى غير الآذان كإرسال الإشارات إلى السفر، أو إرشاد التائهين في الصحراء، أما الكلمة فمشتقة من كلمة ” آذان”.
تعد مئذنة جامع أحمد بن طولون بمدينة القطائع هي أقدم مآذن القاهرة ونفسر طرازها المميز تبعاً لمئذنة جامع سامراء العراقية والتي تواجد فيها ابن طولون قبل تواجده بالقاهرة وبناء مدينته القطائع.
وبالقرب من نهاية شارع المعز لدين الله الفاطمي نرى بوضوح مئذنة جامع الحاكم بأمر الله وهما عبارة عن مئذنتين تبدأ كل منهما بقاعدة مربعة ضخمة ثم من الداخل قاعدة مربعة يليها جسم اسطوانى وسلم المئذنه يدور حوله وتتزين الجدران الخارجية بالزخارف.
وفوق جبل المقطم تقوم مئذنة الجيوشى وهي ثاني المآذن التي وصلت إلينا من العصر الفاطمى وظهرت بها عناصر معمارية جديدة مثل المقرنصات.
أما من العصر الأيوبى تبقى إلينا مئذنة مدرسة الصالح نجم الدين الأيوبي المقامة فى شارع بين القصرين فى منطقة الصاغة، أنشائها الملك الصالح نجم الدين أيوب الكامل وبأسفل المئذنة لوحة تشير إلى الشروع فى بناء المدرسة.
من مآذن العصر المملوكي الأول مئذنة المنصور قلاوون والتي أستوحى تصميمها من قبة مسجد الصخرة والتى يرقد تحتهت الناصر والمنصور قلاوون، ومن فوق الطابق الثاني للمئذنة نستطيع رؤية مئذنة مسجد السلطان برقوق وتتميز بالزخارف الرخامية والتى تعد الأولى من نوعها فى عمارة المآذن المصرية ، وبين مئذنه المنصور قلاوون و السلطان برقوق نجد مئذنه ذات أرتفاع أقل وهى مئذنة الناصر محمد بن قلاوون والتي تتميز بالزخارف ذات الطابع الأندلسي فنلاحظ أن فى هذه البقعة الصغيرة تنتصب كل مئذنة لتعبر عن عصر بأكمله.
ولا تتوقف مآذن القاهرة عند هذا فقط بل نجد مئذنتى شيخون تعبر عن التأثيرات السورية ، مئذنة السلطان الأشرف أبى النصر قايتباى، وعلى جانب آخر مئذنة السلطان الغورى.
مع الغزو العثماني لمصر ظهرت مآذن ذات طابع إسطنبولي مثل مئذنة جامع محمد على بالقلعة ، مئنة مسجد المحمودية التى بناها محمود باشا العثمانى، ولكن نلاحظ فى المساجد الحديثة محاكاه لمآذن العصور الوسطى المملوكية، وليس هذا لأن تلك العصور شهدت قمة التطور للمئذنة المصرية ولكن لأن مآذن هذا العصر تعد متكاملة العناصر من الناحية الفنية والجمالية وأرقى ما وصلت إليه المآذن المصرية .