رحلة إلى القمر وأول إنسان يدور حول الأرض
رحلة إلى القمر وأول إنسان يدور حول الأرض
كتبت / بسنت الغباري
منذ القدم، سعى الإنسان إلى كشف حقيقة الظواهر التي تحدث حوله وفرض سيطرته على الطبيعة وفهم تقلباتها، فلجأ إلى السحر، لكن بعد تاريخ طويل من فشل تلك الأساليب، اتجه الإنسان إلى الروحانيات، مفترضاً أنه لا بد من وجود قوى خارقة فعالة تقف وراء ظواهر هذا العالم، فنسج للمرة الأولى أساطيره عن آلهة تجسد طاقاتها وقوتها مادياً في هذه الأرض، كان مشهد الليل والقبة السماوية الحالكة أكثر المشاهد تأثيراً في نفس الإنسان القديم، وأصبحت السماء مثاراً للتأمل والتفكير العميق، وكان القمر أكثر كوكب شغل الإنسان الأول وأسر اهتمامه، إذ انبعثت كثير من الأساطير عن ذلك الجرم السماوي بسحر أطواره وتبدل أشكاله، وبدأ الربط بين القمر وخصب الأرض ونمو الزرع وتتابع الفصول، وكذلك الربط بأطوار المرأة الشهرية وخصوبتها، ولم تغب الشمس عن أساطير البشر، فقد ارتكز كثير منها حول هذا النجم كمصدر للحياة والنماء والدفء، وانتقل هذا الشغف تدريجاً إلى الفضاء، الذي احتل مساحات كبيرة في أدبيات الشعوب على اختلاف معتقداتها، ونمت أحلام الإنسان في الوصول إلى الكواكب واستكشاف الكون، وجاءت قصة “من الأرض إلى القمر ” التي نسجها كاتب الخيال العلمي جول فيرن عام 1865، وقبل 100 عام من رحلة “أبولو”، ظهر التصور الأول لفكرة القمر الصناعي عام 1869 في قصة قصيرة للكاتب إدوارد هيل بعنوان the brick moon ، قدم فيها نموذجاً يمكنه أن ينطلق نحو الفضاء في المستقبل.
في كتاب “الأصول الرياضية للفلسفة الطبيعية” الصادر عام 1687، شرح نيوتن أن قانون الجاذبية هو قانون عالمي يشكل القوة الرئيسة لحركة الكواكب، مؤكداً أنه في حال تمكن الإنسان من صنع مدفع قوي جداً لرمي كرة من على قمة جبل مرتفع جداً، فإن كرة المدفع سوف تغادر الأرض، لكن تحتاج لسرعة معينة بحيث تتنافس جاذبية الأرض وانحناء السطح مع سرعة الكرة، الأمر الذي يؤدي إلى دوران الكرة حول الأرض من دون أي اصطدام لمدة طويلة جداً، وبعد 270 عاماً، جاء “سبوتنيك 1” ليحوّل تجربة نيوتن الذهنية إلى تجربة واقعية، حين أصبح عام 1957 أول قمر اصطناعي ينطلق إلى الفضاء.
لم تحمل خيالات الإنسان عن طريقة الصعود إلى القمر أي تصور للصواريخ، وأول محاولة يُروى أنها نفذت لغزو الفضاء باستخدام الصواريخ ترجع إلى العالم الصيني فان هو، الذي صنع في القرن السادس عشر أول نموذج بسيط لمركبة فضائية، يتكون من كرسي ثُبت في أسفله عدد من الصواريخ، وفي ما بدا حينها كما لو أنه طريقة صحيحة للدفع، لكن بمجرد أن أُشعلت الصواريخ حتى تحول فان هو ومركبته إلى هباء منثور، وكان من البديهي أن يكون مفتاح الأسرار التي تراكمت عبر العصور من تعلق الإنسان بالقمر ومراقبته ورصده، هو الهدف الأول لبرامج الفضاء، فإذا كان هناك من أمل في استيطان الفضاء فإن القمر باعثه الأوحد، فضلاً عن مآرب استغلال ثرواته وعناصره، ومن هنا بدأت خطط الصعود إلى القمر.
أول إنسان يدور حول الأرض:
في نهاية الخمسينيات، بدأ الاتحاد السوڤيتي العمل على إرسال رجل فضاء إلى مدار أرضي منخفض من خلال برنامج “فوستوك”، وكان سبق ذلك إرسال حيوانات نفق بعضها في الفضاء مثل القرود والكلاب.
وفي أبريل (نيسان) 1961،
بدأ عصر ارتياد الفضاء بواسطة الإنسان، حيث وقع الاختيار على رائد الفضاء يوري غاغارين ليكون قائد رحلة فوستوك 1 التاريخية، وهي أول رحلة دار فيها الإنسان حول الأرض في رحلة مدارية استغرقت 108 دقائق.
وفي أغسطس (آب) من العام ذاته، حملت المركبة فوستوك 2 رائد الفضاء غرمان تيتوف الذي بقي في المدار 25 ساعة و18 دقيقة متمماً 17 دورة كاملة حول الأرض.
وفي عام 1962، جند الاتحاد السوفياتي خمس رائدات فضاء، لكن دخول المرأة عالم الفضاء كان من حظ عاملة النسيج فالنتينا تيريشكوفا، التي صعدت عام 1963 على متن مركبة “فوستوك 6″، آخر مركبة من هذه السلسلة.
برنامج “أبولو”
شهد مشروع أبولو للصعود إلى القمر بداياته في 1960، وفي ذلك الوقت لم يكن هناك أي تصور لكيفية تنفيذه، لذا كان لابد لـ”ناسا” أن تطلق برنامج فضاء كاملاً مستقلاً بذاته لإثبات وتطوير المفاهيم العلمية والأساليب التقنية المستخدمة في برامج أبولو، وكان ذلك برنامج جيمني الذي بدأ عمله بالتوازي مع أبولو استعداداً للهبوط على القمر.
إذا لم يكن استعمار القمر جزءًا من الخطط القادمة لوصول الإنسان إليه، فإن الرحلات ستعود إلى مرحلة الانقطاع التي شهدناها في السابق، ويعود السفر إلى القمر إلى كونه رحلة مكلفة لا جدوى لها، وذكرى من الماضي يشك فيها أحفادنا.