رحلات الفضاء وأشهر مغامرات لروادها
رحلات الفضاء وأشهر مغامرات لروادها
كتبت-كريمة عبد الوهاب
رحلات الفضاء تعتبر واحدة من أعظم الإنجازات التي استطاع البشر تحقيقها في القرن العشرين؛ ففي عام ١٩٠٠، لم يكن هناك سوى شخصٍ أو اثنَيْن فقط على وجه الأرض يعلمون أن الصاروخ ربما يجعل السفر عبر الفضاء ممكنًا، ولم تَمرَّ أربعة عقود، إلا وبدأَت الصواريخ الألمانية «في-٢» رحلاتها إلى ما وراء الغلاف الجوي، وفي عام ١٩٦٣، كان الاتحاد السوفييتي قد أطلق أقماره الصناعية الأولى، ووصل إلى القمر، ووضع أول رجل وأول امرأة في مدار الأرض، وفي نهاية ذلك العِقْد نفسه، دار رُوَّاد الفضاء الأمريكان حول القمر ثم هبطوا عليه وبحلول السبعينيَّات من القرن العشرين استطاعت الروبوتات الأمريكية والسوفييتية الوصول إلى سطح كوكب الزهرة والمريخ، وقبل عام ١٩٨٩، كانت مَركبات الفضاء الأمريكية قد حلقت بالقُرب من الكواكب الثمانية الكبرى جميعِها، وقد انطلقت أربعة من هذه المركبات في رحلات ذهاب فقط إلى فضاء ما بين النجوم، فكانت تلك الأجهزة والتي صُنعت من خلال البشر أول من تستطيع الهروب ليس فقط من تأثير جاذبية الأرض، بل من تأثير جاذبية الشمس أيضًا.
وقد دخلت المنافسة التجارية والأرباح المعادلة في ستينيات القرن العشرين، وكان ذلك في بداية من خلال الأقمار الصناعية الخاصة بالتواصل فحسب ثم بدأ النشاط يمتد إلى قطاعات أخرى مختلفة، حتى وصل بحلول العقد الأول من الألفية الثانية إلى رحلات الفضاء المأهولة نظرًا لأنَّ الدول القومية هي الفاعلُ الرئيسي في هذا المجال؛ فإن تاريخ الفضاء كثيرًا ما يُكتَب كتاريخ البرامج القومية، أو كتاريخ البرامج التعاونية بين الدول ويسُوق ذلك معظم السرْد في هذا الكتاب، خصوصًا في الفصول الثلاثة الأولى التي تَسرُد قصة أصول تكنولوجيا الفضاء وأفكاره، وسباق الفضاء في الحرب الباردة، وعلوم الفضاء والاستكشاف (الذي كان ثمرةَ الحرب الباردة).
كما أن الحركاتِ العابرةَ للحدود القومية للبشر والأفكار والتكنولوجيا كانت على الدوام جزءًا لا يتجزَّأ من قصة رحلات الفضاء، وقد تنامَت أهميتها منذ اضْطلَعَت الشركات والدول الجديدة بدورٍ أكبرَ منذ نهاية الحرب الباردة، ويُعَدُّ التكامُل العالَمي لاقتصادات العالم والنظُم السياسية هو أساس بعض هذه التغييرات، ولكن رحلات الفضاء تؤثِّر أيضًا على عملية العولمة ومُعدَّلها، وذلك من خلال التأثيرعلى ثقافة الكوكب وشبكات التواصل الخاصة به.
وتَحُولُ رحلات الفضاء دون الانهيار الحضاري الذي قد تجلُبه علينا الحرب أو التغييرات المناخية، ومن ثَمَّ فإنها ستستمرُّ على الأحرى في المستقبل، كونها قد أضحَت جزءًا لا يتجزأ من الحياة على كوكب الأرض ومن الممكن أن يتوسع الجنس البشري للخارج وينتشر على أكثر من كوكب، وذلك وفقًا لتوقعات الداعين إلى رحلات الفضاء منذ زمن طويل، ولكنه ليس أمرًا مؤكَّدًا بأي حال من الأحوال، أياً كان ما سيحدث، فإن رحلات الفضاء سواء المأهولة أو الآلية تعتبر إنجازًا مُذهلًا ولها آثار بالغة الأهمية على حيواتنا؛ ومن ثَم يجدُر بنا أن نَفهم شيئًا عن تاريخها.
كما استطاع الإماراتي سلطان النيادي جذب إليه أنظار العالم باعتباره أول رائد الفضاء عربي أنجز مهمة عربية طويلة الأمد في الفضاء الخارجي، بعد أن أمضى ٦ أشهر في محطة الفضاء الدولية، حتى أصبح حديث العرب والعالم، ومن بين اللقطات التي التقطها كانت شعائر الحج في المملكة العربية المتحدة، وتابع في منشور آخر حيث قال “من محطة الفضاء الدولية، إهداء إلى أولاد سلمان في هذه الليالي المباركة وإهداء لبلاد الحرمين الشريفين مهبط الوحي وأرض الرسالة، المملكة العربية السعودية”.
وكان ذلك الاستكشاف المباشر للكون، بالتزامُن مع التليسكوبات الفضائية والأرضية، قد استكاع تغيير فَهْم الإنسان لكوكبنا، وللنظام الشمسي، وللكون تغييرًا جذريًّا، ومع ذلك، فإن الاستكشاف لم يكن أبدًا هو السبب الوحيد، أو حتى السبب الرئيسي، الذي جعلنا نتجه للفضاء؛ فالأغلبية العظمى من مَرْكبات الفضاء تدور حول كوكب الأرض لِتُمِدَّه بخِدْمات، أو لتجمعَ حوله معلومات، ومنذ الستينيَّات من القرن العشرين، نجحنا في ربط الفضاء القريب من الأرض، بدايةً من المدار الأرضي الجغرافي المتزامن (المدار الذي يدور فيه القمر الصناعي في نفس اتجاه كوكب الأرض حيث المدةُ التي يستغرقها ليدور دورةً كاملة حول الأرض تُساوي مُدةَ دوران الأرض حول نفسها) على بعد ٢٢٢٠٠ ميل (٣٥٨٠٠ كيلومتر)، وأقمْنا منطقةً جديدة للحكم والنشاط الاقتصادي.
وقد أصبح ما يحدُث هناك الآن جوهريًّا للحياة اليومية، لا سيَّما في العالم المتقدِّم، وذلك من خلال توفير سبل التواصُل العالمية، والملاحة بالأقمار الصناعية، وعمليات رصد الطقس، والاستطلاعات العسكرية، والإنذار المبكر ضد الصواريخ، وعلوم الأرض، وما إلى ذلك،وكان ثمرة ذلك خَلْق بِنية تحتية فضائية نامية، ولكنها في الوقت نفسه غير مرئية، وما زال «برنامج الفضاء» حتى الآن مُرادِفًا لرحلات الفضاء المأهولة بالنسبة للكثير إلا أن رواد الفضاء قد قطعوا أقل من ٤٠٠ ميل (٦٥٠ كيلومترًا) تقريبًا من سطح الأرض منذ رحلة «أبولُّو» الأخيرة للقمر في ديسمبر عام ١٩٧٢.
ومن المُتوقَّع أن يتغير ذلك في العشرينيَّات من القرن الحادي والعشرين، ولكن ما زلنا لا ندري ما إذا كان ذلك سيُثمِر عن مستقبلٍ نابض بالحياة من بناء قواعد على سطح القمر أو القيام برحلات استكشافية إلى كوكب المريخ، وبالرغم من أنَّنا تعلمْنا دروسًا مُهِمةً في ما يقُرب من نصف القرن الذي لم يتخطى فيه رواد الفضاء مدار الأرض المنخفض، إلا أن قيمة التغيير التكنولوجي والإنجاز في الرحلات الفضائية المأهولة سوف تتضاءل عند مقارنتها بكلٍّ من عمليات استكشاف الفضاء العميق الآليَّة والبنية التحتيَّة للفضاء القريب ومن ثَمَّ، فإنَّ أحد أهدافي الرئيسية من تأليف هذا الكتاب الموجَز هو تمهيد الطريق أمام القارئ الواعي العادي ليرى بوضوحٍ النطاقَ الواسع من الأنشطة التي طوَّرناها كبشرٍ في الفضاء، وتأثير هذه الأنشطة على الوعي والثقافة.
وعلاوة على ذلك، لا مناصَ من أن يصِف التاريخُ الأصولَ والأسباب، وليس فقط الأحداثَ وتداعياتها فخيال الإنسان ورغبته الملحَّة في الاستكشاف كان له بالضرورة علاقةٌ وطيدة برحلات الفضاء، ولكن أي نشاط في هذا الاتجاه يُكلِّف أموالًا طائلة، وفي مُستهلِّ القرن العشرين، سرعان ما حلَّت سباقات التسلُّح العالمية والحرب محلَّ الحماس المتَّقِد كدوافعَ أساسية للتطوير، وما زالت البعثات العسكرية وبعثات الأمن الوطني تُمثِّل جزءًا كبيرًا جدًّا فيما يحدُث في مدار الأرض ولا ريب أنَّ اكتساب الهيبة والقوة التكنولوجية كان من العوامل الخطيرة، لا سيما لرِحْلات الفضاء المأهولة أثناء الحرب الباردة، وبعدَها.
كما قدم للمجتمع العالمي محتوى شيق للمنطقة العربية معبرًا عن جمال مواقعها الشهيرة في المنطقة، كاشفًا أبرز مظاهر جمالها، ووثق رائد الفضاء الإماراتي لحظة مشاهدته للعراق وبغداد من الفضاء، واصفًا الدولة العراقية بأنها الحضارة والتاريخ وموطن بيت الحكمة التي استطاعت جمع العلماء ونشرت العلم في جميع أنحاء العالم، وأنه لولا بغداد لما وصلت البشرية إلى التقدم والازدهار الذي نعيشه اليوم، ووصف بيروت بأنها “المدينة التي تتنفس الفن والثقافة والجمال”، وقال عن القدس “زهرة المدائن تبدو فعلًا مثل الزهرة من الفضاء”، فيما وصف قناة السويس المصرية بأنها “القلب النابض للتجارة العالمية، أما عن أهرامات الجيزة فقال: “هنا مصر التي تحتضن تاريخ الفراعنة وحضارتهم من آلاف السنين.. هل يمكنكم رؤية الأهرامات؟”.
كما نقل كيف تبدو الأرض من محطة الفضاء الدولية، مطالبًا بضرورة الحفاظ عليها حيث قال أُشارككم هذه اللحظات التي أشاهد فيها الأرض لأول مرة من وحدة المراقبة “كوبولا” على متن محطة الفضاء الدولية فكلما ابتعدنا عن الأرض نراها أجمل وندرك أكثر أهمية الحفاظ عليها، كما ارتدى الزي الإماراتي (العمامة والجلباب الأبيض) للاحتفال بأجواء عيد الأضحى، فيما ظهر من الفضاء وهو يحتفل بعيد ميلاده وقد أوضح بأنه أول يوم ميلاد أحتفل فيه بالفضاء، كما أن الشعور لا يوصف هنا مع الزملاء اللي أصبحوا عائلتي الثانية.
ووصف “النيادي” اختياره أن يصبح أول رائد فضاء عربي يقوم بمهمة السير خارج محطة الفضاء الدولية: “إنه لفخر كبير وفي الوقت ذاته مسؤولية كبرى.. أنتظر هذه اللحظة التاريخية التي تتوّج سنوات من التدريبات بمختبر الطفو المحايد في ناسا وأتطلع لتقديم أفضل ما لدي لتمثيل وطني، ومتابعة مسيرة استثنائية بدأتها أجيال من رواد الفضاء قبلي”.
ووفقًا لما أكدته وكالة الفضاء الأمريكية “ناسا” وشركة “سبيس إكس”، فإن الموعد المحتمل لانفصال المركبة “دراجون” عن المحطة لن يكون قبل يوم ٣ سبتمبر الساعة ٣:٠٥ عصرًا بتوقيت الإمارات، على أن يكون الهبوط إلى الأرض غدًا الموافق ٤ سبتمبر ٢٠٢٣ في تمام الساعة ٨:٠٧ صباحًا بتوقيت الإمارات؛ وذلك وفقًا لظروف الطقس.