أخبار الفن
كشف جوانب الإنسان الخفية عندما يضع نفسه أمام مرآة الحقيقة في “النقطة العميا”
نهى وجدي
من الوارد أن تكذب علي نفسك وأن تضع مبرراً منطقياً لكل فعل بشع تقوم به، حتى تثبت لنفسك أنك علي صواب ولم تخطئ، والمهم في ذلك “إنك ماتتكشفش”
وحتى تأتي تلك الساعة الحاسمة التي يضعك أحدهم أمام المرآة “مرآة الحقيقة” وتقوم فيها بلملمة روحك ولملمة تلك الشروخ التي لم تتخيل يوماً أنها موجودة، وفي تلك اللحظة تكتشف النقطة العميا عندما تُكشف الحقيقة كاملة لنفسك .
تلك كانت الفلسفة التي قامت عليها مسرحية ” النقطة العميا” من إنتاج مسرح الغد بقيادة الفنان سامح مجاهد، والتابع للبيت الفني للمسرح بقيادة المخرج خالد جلال، وكانت من إخراج المخرج أحمد فؤاد، والمأخوذة عن رواية العطل للكاتب السويسري فريدريش دورنيمات”، والحقيقة أن هذه ليست التجربة الأولي لفؤاد ولكن كان له عدة تجارب من قبل بمسرح الدولة استطاع أن يثبت فيها نهجه الخاص ورؤيته الواضحة والمختلفة والتي تجعلك على يقين أنك عندما تذهب لمشاهدة “النقطة العميا” ستشاهد عمل جيد وستستمتع به .
تدور أحداث ” النقطة العميا” حول لعبة، تلك اللعبة التي تنقلب علي صاحبها، وبالمناسبة ليست هذه المرة الأولي الذي نري في عمل درامي فكرة اللعبة التي تنقلب علي أصحابها فقد شاهدناه من قبل في السينما في فيلم “ويجا”، وفي فيلم “أصحاب ولا أعز”، فتلك الفكرة مرسخة لدينا، فاللعبة في “النقطة العميا” كان بطلها آدم السمري، وهو الدور الذي لعبه نور محمود، وتعد تلك التجربة الأولي للفنان نور محمود في المسرح والذي عرفناه في الدراما التلفزيونية والسينما وأثبت وجوده بجدارة، وفي المسرح برغم أنها تجربته الأولي إلا أنه استطاع أن يصنع حالة ود وحميمية بينه وبين الجمهور واستطاع كذلك أن ينصهر مع خشبة المسرح لتشعر وكأنه صديق قديم لها فقد قدم دوره بكل سلاسة وبراعة.
وكان لاسم آدم السمري دلالة فهو تمثيل حي لكل بني آدم، وتبدأ حكايته في فيلا الدكتور حكيم والتي قدمها مهندس الديكور أحمد أمين من طابقين الطابق الأول الذي أعتاد أن يجلس فيه الدكتور حكيم مع أصدقائه عادل وكمال وأن يلعبوا لعبتهم المفضلة “المحكمة”، أو لعبة “الشطرنج” واختيار الشطرنج هنا ليس صدفة ولكن هو إسقاط علي الصراع الذي يدور بين شخصيات المسرحية، أما الدور الثاني فكان لمجموعة غرف لكل غرفة اسم معين حسب العقوبة التي تقع علي الجاني في لعبة المحكمة، وبجانب تلك الغرف كان هناك غرفة ترسم فيها داليا “الخادمة” وتعلق عليها لوحاتها الجميلة.
عندما يدخل آدم للفيلا بسبب عطل أصاب سيارته بعد تعرضه لرياح وسيول وأمطار شديدة فلم يجد ملجأ سوي تلك الفيلا الذي أقترحها عليه الميكانيكي والذي بالمناسبة تميز بخفة دمه، ومنذ اللحظة الأولي الذي دخل فيها آدم وقد اتضحت شخصيته فهو شخص معتز بنفسه جدا متعجرف نوعاً ما، واستطاع عادل “أحمد عثمان” أن يكشف عن جوانب شخصيته بكل سهولة ولم لا فهو متخصص في علم النفس الجنائي، اقترحوا عليه اللعبة ووافق علي الفور ظناً منه أنهم سيلعبون “القمار” وعندما عرف طبيعة اللعبة وهي “المحكمة” حاول الرفض ولكن استفزه عادل وقال له إنه بالتأكيد يخشي الخسارة مما دفعه للموافقة على الفور.
حيث بدأت اللعبة وكان كمال الذي يجسده الفنان “أحمد السلكاوي” هو محامي الجاني، وعادل كان محامي الادعاء، وطلب كمان أن يفصح آدم عن أي جريمة ارتكبها من قبل حتى تبدأ اللعبة ولكن آدم ينكر أنه قام بأي جريمة
ومن خلال الأحداث نعرف أن آدم قد تم ترقيته في وظيفته من مجرد مندوب لمدير المبيعات منذ عام واحد فقط وتحديداً بعد موت مديره السابق ومن هنا يستنتج عادل أن آدم هو من قتل مديره السابق ولكن ينكر آدم باستهزاء ويقول إنه قد مات بالسكتة القلبية لأنه كان مريض قلب.
وبسبب دهاء عادل يبدأ في الضغط النفسي علي آدم الذي يعرف من خلاله أنه كان على علاقة بزوجة مديره السابق وأنه علم منها معاناته المرضية
وهذا جعله يخطط دون وعي أن يخبر مديره بعلاقته بزوجته وفي نفس الوقت يسحب كل عملاءه من الشركة ويبلغ زميل له في الشركة بذلك وهو على ثقة أنه سيقوم بإبلاغ مديره بسبب الكره الذي يكنه لآدم، وهذا ما حدث بالضبط وكانت النتيجة موت مديره السابق بالسكتة القلبية ليصبح مكانه خالي ويتم ترقية آدم، وبعد الضغط عليه يعترف آدم أنه بالفعل خطط لذلك ولكن دون وعي.
ويعدها يحكم حكيم علي آدم السمري بالإعدام شنقاً كعقوبة على تلك الجريمة التي تبدو عبثية وخارجة عن المألوف، جريمة قتل سلاحها الخيانة الزوجية.
وتقدم حيث خلال المسرحية مباراة تمثيلية حقيقية بين الشخصيات فنور محمود الذي أدي دور آدم السمري كانت شخصيته بها العديد من الأداءات المختلفة فآدم في البداية كان تلك الشخصية المتعجرفة الذي يري نفسه كازانوفا يقع في حبه كل النساء حتي انه حاول معاكسة الخادمة داليا، حتي وضعه عادل أمام مرآه الحقيقة وكشف له نقطته العميا لنجد أمامنا شخصية أخري لملمة جميع شروخها وتغيرت مجري الأحداث
ولكن حسام فياض الذي قدم دور حكيم فقد كان دورته حكيما بالفعل وقدم الدور برصانة وهدوء، أما أحمد عثمان الذي قدم دور محامي الادعاء فكان أداءه مبهر وانفعالاته ونظراته مبدعة وأحمد السلكاوي استطاع أن يقدم شخصية كمال بخفة ظل معهودة منه بالإضافة للحظات الإنسانية التي قدمها فقد برع فيها ولا نستطيع أن نغفل داليا “هايدي بركات” والميكانيكي “عمر صلاح الدين “الذي أبدعوا أيضا في أدائهم .
وفي النهاية قدم المخرج أحمد فؤاد، عرضا جاذبا من حيث الشكل والمضمون، استطاع أن يسبر أغوار النفس البشرية، ويكشف جوانب من جوانب الإنسان الخفية التي يعتقد أن لم يفعل شيئا رغم كل ما اقترفه من جرائم في حق الآخرين، ليتبين لنا جانب من مرآة الحقيقة التي نغفلها.