التاريخ والآثار

ابن قايتباي السلطان المجنون

✍️عبدالعزيز مصطفي محمد

 

العام ١٤٩٦ كانت القاهرة حاضرة الخلافة العباسية الثانية و درة تاج سلاطين المماليك ، تنكست فيها الرؤوس و الاعلام في وداع سلطان المماليك الفقيد ، ناصر الدنيا و الدين و خادم الحرمين الشريفين الملك الأشرف قايتباي المحمودي الظاهري ، الكل شعر بفقدانه حقاً ، لا أحد في محيط سلطنة المماليك كلها يستطيع أن يحل محله حتي اتابك عسكر السلطنة ” أزبك ”

ابن قايتباي السلطان المجنون
ابن قايتباي السلطان المجنون

 

محمد أبن قايتباي”

لم يستقر الأمراء علي أحد يخلف الناصر قايتباي ، حتي أقترح عليهم الأتابك ” أزبك ” تولية إبنه محمد الحكم و كان حينها إبن الرابعة عشر عاماً.. و كان الإبن الوحيد الذي عاش بعد وفاة أبية من بين الإخوة الثلاثة الذي أسماهم أبيهم محمد ، و لقد كان محمد إبن قايتباي المحمودي ، أخر توقع لكل المصريين ، فلم يراه أحد أبدا و لم يخرجة أبية من القلعة طيلة فترة حكمه للبلاد ، بل و ازيدكم من الشعر بيت فقد كان أبية السلطان قايتباي يكرهه و جعل أقامه محمد إبنه في سراديب القلعة مع المماليك الجلبان و الجلبان هم المماليك الصغار الذين يتم تأسيسهم كما جرت العادة منذ عهد الدولة الأيوبية ، و أصر والده علي أن يكون محمد الذي لم يحوذ لقب أمير أبدا خادماً المماليك الجلبان الباقين في السراديب الغائرة بالقلعة ”

 

و عن الناصر محمد يقول المؤرخ إبن إياس ..

«ولم يشق ابن السلطان المدينة سوى في ذلك اليوم منذ نشأ، وكان مقيماً بالقلعة لم ير البحر قط».و البحر هنا المقصود به النيل الذي كان يشق شوارع مصر و ضواحيها ، و هو ما كان يدل علي تلك العزلة الصعبة التي عاش بها السلطان الصغير و التي ستنعكس علي فترة حكمه لسلطنه بعد ذلك ..

 

إبن قايتباي سلطان

لم عقد مماليك أبية العزم علي توليتة عرش أبية ، أتت ام السلطان بالأمراء جميعاً و جعلتهم يقسمون علي المصحف الشريف أمام الخليفه العباسي بالقاهرة علي أنهم لن يقتلوا أبنها كما جرت العادة لقرن من الزمان بين المماليك و بالفعل أقسم الحاضرين علي عدم الاقتراب لسلطان محمد حتي خالة أمرت اختة أن يقسم معهم علي أنه لن يقدم علي أي شئ يضر أبنها..

 

جنون السلطان الجديد

بالبداية كانت طباع السلطان الشاب هادئة مثل الفتاة العذراء حتي علم مع مرور الأيام الأولي لتوليه العرش أنه صار سلطاناً بحق فلم يعزلة أحد و لم يطلب منه أحد التنحي ، فظهرت بعد تلك الفترة علامات التهور و القسوة لديه ، فأخذ في الأيام الأولي أتباع أبية بسجن القلعة و في السجن أمر السلطان محمد بتثميد أعين أتباع أبية و كان يدعي في ذلك الوقت التكحيل أو الأعماء و قطع بعض أيديهم و صلب البعض علي أبواب قاعة عرشة ، كانت الحادثة تفوق ما توقع الأمراء أن يصل آلية جنون سلطان شاب ، كان في بداية العام الأول من السلطنة ..

 

إبن إياس و فظائع ابن قايتباي

لم يقف جنون السلطان محمد عند حادثة القلعة فقط بل و كان يستحل ما حرمه الله في وصف إبن إياس له ، فلم يمر يوم إلا و أوقع السلطان به حادثة ما و قد كان منها كما وصف المؤرخين أنه كان يلعب مع اصدقائة بداجل قبر أبية ، ليس التركيبة الرخامية الموجودة فوق الأرض لا كانوا يلعبون في جسد أبيه نفسه القابع داخل القبر دون أي مراعاة لحرمة الموت أو المكانة ..

 

و وصل الأمر به إلي التجوال ليلاً في شوارع المحروسة بين الأزقة و يضرب من لم تعجبة هيأته أو كلامه و منهم امرأة مسكينه نزل من وقتها بالمقارع يضربها حتي كانت تصرخ من الألم و تكسر العظام و لم يسعفها منه أحد.

 

و غير ذلك إلي أنه في يوم المولد النبوي الشريف أشعل النار في حراقة كانت رأسية بالنيل بالقرب من بوابة فم الخليج البحرية و الحراقة تلك كانت سفينة تنقل المحروقات المستعملة في إضاءة المصابيح الموجودة أمام المنازل ليلاً..

 

بتلك الحادثة عرف الأمراء أنه قد طفح الكيل منه و من أفعاله الطائشة فطلبوا من أحدهم أن يقيم معه بالقلعة و يمنع خروجة إلا المواكب و الصلاة التي لم يكن يفعلها أبداً ، لكنه في محبسة المزين بالحرير و الذهب ارتكب ابشع الجرائم و اكثرها فظاعة علي الإطلاق..

 

فيحكي ابن إياس و يقول نقلاً عن العاملين بالقصر و الأمراء المقيمين به أنه و لم أصاب السلطان مراره الحبس داخل القلعة ظهرت عليه علامات الغصب فطلبت أمه من نساء الحرملك تجهيز جارية جميلة من محظياتة لتكون مع في ليله أنس لعلها تنسيه ما هو فيه و تروح عنه بعض الشئ ، بالفعل وقع الإختيار علي مشاطة السلطانة الأم و كانت فتاة لم تبلغ الثامنة عشر بديعة الجمال لم يسمع بمثل جمالها إلا بالحواديت و الحكايات و ادخلوها علي السلطان في غرفته و كان جالساً بها و أغلق الحرس الباب ، فلما ظنت أنه سيختلي بها لكنها أغلق الباب من داخلة و إذ به يسطا يقترب من الفتاة حاملاً سكيناً ، ثم سمع القصر كله صرخات ترعب القلوب فقدم الجميع لغرفة السلطان محاولين فتحها دون جدوي تذكر ، حتي خرج لهم هوا حاملاً جلد الفتاة مسلوخ من قدمها حتي رأسها و محشواً بالملابس و الحرير و جثتها لحم مقطع في أنحاء الغرفة ، أصيبت أمه بالهلع و سقطت في غيبوبة و لم يتمالك الأمير المقيم معه نفسه حتي أصدر الأمر للحرس بسجنه مع أمه بالقلعة حتي يتشاور في أمر ذلك السفاح المجنون الذي تولي حكم مصر و السلطنة في غفلة من الزمن ..

 

وقت بسيط و عزل السلطان ثم قتل من خلفة و مع اختلاف الأمراء مره أخري علي من يخلف قايتباي و إبنه فتم إعادة ذلك المجنون تحت أعين الأمراء و خالة أيضاً ، لكنها شهور بسيطة و عاد إلى ما كان عليه قبل تنحيتة و عزلة و يذكر أنه و هو يتجول في الأزقة رأي سيدة جميلة في زينتها مع زوجها في خلوتهم ، أفرادها السلطان لنفسه و قفز هو و جندة من النافذة لكن زوجها أبعدها عنه و خبأها ، فأراد السلطان قتل الزوج الذي ارتمي أبيه أمامه مفدية بنفسه و الذي كان كبير تجار المحروسة ، فأخذ السلطان المال و خرج هو و من معه ، بعد تلك الحادثة و مثيلاتها المتكررة أقر الجميع بأن يقتلوا السلطان ، فلا تنحية بعد الآن و بالفعل جمعوا أنفسهم و انتظروا السلطان في الحصن الأكبر للمماليك في الجيزة و كانوا له بالمرصاد حتي توقف كوكبة لراحة في الطريق فخرجوا عليه جميعاً.. كل من أقسم علي القرآن أن لا يقتله حتي خالة ، و بالفعل قتلة عشرة من الفرسان حينما حاول الهرب من الأمراء فوق فرسة ، ليصل الخبر لربوع السلطنة و يعم الفرح في العام 1497 و بعدها يختلف الأمراء علي من يحكم فيذكر الجبرتي عن تلك الفترة أنه قد حكم مصر خمسة سلاطين في ثلاثة سنوات وصل حكم بعضهم لأسابيع و أيام حتي آتي حكم قنصوة الغوري و كان أخر الباقين من مماليك السلطان برسباي و أكبرهم سناً و تولي حكم مصر لأربعة عشر عام دون عزل أو قتل بعدما أقسم من قتلوا السلطان محمد و من بعده أنهم لن يقتلوه ..

 

اقرا ايضا:-

الإسكندرية بلد الفنون

MEU

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى