المراهقة مرحلة شائكة بين الآباء والأبناء
كتبت: إيمان حامد
مرحلة المراهقة هي مرحلة ذات أهمية بالغة فهي أشبه بالثورة الناتجة عن التغيرات الهائلة التي تحدث في حياة الطفل على المستويات العقلية والعاطفية والجسدية والاجتماعية فتبدل حياته وهناك عدد من التغيرات تظهر في مظاهر وسلوكيات الطفل يجب أن يدركها الآباء حتى يستطيعون التعامل مع أبنائهم وبناتهم دون معاناة أو صدام.
أبرز التغيرات التي تطرأ في مرحلة المراهقة مايلي :-
1/ النمو العقلي:-
تزداد القدرات العقلية المختلفة وتمثل القدرة على التفكير التجريدي أهم ملامح هذا النمو حيث يستطيع المراهق إدراك المعاني وراء الكلمات، فيستطيع أن يفهم الأمور المجردة مثل الحق والصدق والحب، و يدرك الأمور الغيبية ولكنه مع إدراكها تصبح مطروحة للتساؤل اعتمادًا على قدرته العقلية المتزايدة، فيصبح كل شيء مطروحًا للنقاش بدءا من وجود الله وانتهاء بكل القضايا التي كان يقلد فيها آبائه في المرحلة السابقة،
و لتجنب حدوث صدام بين الآباء والأبناء يجب أن يدرك الآباء إن المراهقة مرحلة يفرضها إحساسهم بأن عقلهم أصبح يدرك أبعاد الأمور وهم يحبون أن يطرحوا على عقولهم كل القضايا ليتأكدوا من قدرتهم على التفكير مثل طفولتهم في بداية تعلمهم للكلام يتحدثون كثيرًا لإثبات قدرتهم على الكلام لذا فإن تلقي أسئلتهم وشكوكهم بهدوء والتعامل معها بمنطقية وتفهم يؤدي إلى عبورهم هذه المرحلة بدون مشاكل.
ولكي يصل التفكير الإبداعي والابتكاري إلى أقصى مستوى له في هذه المرحلة فهي أهم محطات اكتشاف الإبداع وتشخيصه لذلك يجب إطلاق طاقات المراهق وإعطاءه الفرصة لاكتشاف مواهبه بنفسه في هذه المرحلة وإظهار مواهبه وقدراته ليس فقط من أجل اكتشاف وإطلاق قدراته العقلية، بل من أجل إثبات ذاته.
2/ النمو الاجتماعي:-
يصبح المراهق في تلك المرحلة قادرًا على صنع لنفسه عالمًا خاصًا به من الأصدقاء تعبيرًا عن خروجه من عالم المنزل وهو يميل إلى إثبات ذاته بالتحدي والتمرد على الأنماط التقليدية في الملبس والمظهر ويرفض أي نموذج للسلطة والسيطرة، ويرفض معها كل مظاهر هذا التسلط وهذا يحتاج إلى ذكاء شديد في التعامل للتوفيق بين رغبته في الاستقلال في اتخاذ قراراته وعدم رغبته في الإحساس بوجود شخص يفرض عليه رأيه ويبين عدم قدرته العقلية على اتخاذ القرارات المهمة في حياته.
لذلك يجب علي الآباء تقديم العون للمراهق بحيث يبدو في النهاية وكأنه صاحب القرار ويسمح له بمساحة من الخطأ في اتخاذ القرار الذي رآه بنفسه وهذا خير من أن يفرض عليه رأيه مع عدم لومه إذا ثبت خطأ قراره، أو حدثت أخطاء في التنفيذ، والمراهق يميل للنقد الشديد للأوضاع المحيطة حوله وهو ما يثير الآباء والأمهات على اعتبار أنه ينقد في حين أن به كثيرًا من العيوب التي لا يراها في نفسه.
ولكن إذا أظهرنا التفهم لما يقوله والاستماع مع الدعوة إلى المشاركة في تغيير ما يراه، فإننا سنجد المراهق يستجيب لأننا احترمنا ذاته، خاصة إن كان هذا العمل أو التغيير سيجعله يشعر بالانتماء والقدرة على الفعل والتغيير .
3/ التغيرات الجسدية والجنسية:-
وتبدأ فيما قبل المراهقة متمثلة فيما نسميه التغيرات الثانوية وهي مؤشر على دخول الطفل أو الطفلة مرحلة المراهقة ففي الأولاد يخشن الصوت ويظهر الشعر في الشارب واللحية وتقوى العضلات، وفي البنات ينعم الصوت وتتوزع الدهون بشكل أنثوي في الأرداف بحيث يتغير شكل الجسم .
وبناء على ذلك فإن أهم التحديات التي نواجهها في هذه الجزئية هي الصورة الذهنية للمراهق عن جسده والتي تكون سببًا في كثير من المشاكل النفسية في هذه المرحلة والتي لو فهم الآباء أبعادها لوقوا أبناءهم الكثير من المعاناة والمقصود بها هو تصور الولد عن جسده، والبنت عن جسدها، بمعنى أن الصورة المرسومة للجسد المثالي في هذه المرحلة للولد هي الجسد الممشوق ذو العضلات البارزة مع الوسامة.
أما عن الفتيات ذلك الجسد الأنثوي ذو المواصفات القريبة لمواصفات ” موديل “الإعلانات أو عارضة الأزياء وقد يكون الواقع مخالفًا لتصورات الأنثى والولد ومن هنا قد يحدث الكثير من حالات الانطواء أو التمرد في هذه السن لذلك يجب التهيئة المناسبة للدخول في مرحلة المراهقة ووضع هذه النقطة في الاعتبار وحل هذه المشكلة عن طريق توعيتهم أن هناك نقاط للتميز ولكسب الثقة بعيدًا عن الجسد وشكله.
4/ النمو العاطفي:-
تكون عواطف المراهق حادة بعض الشيء وسريعة التغير وهو ما يقلق الكثير من الآباء والأمهات حيث يجدون هؤلاء المراهقين متحمسين لأمر ما ليلاً ليصبحوا وقد فقدوا الحماس له وهم يعبرون عن عواطفهم بحدة قد تصل إلى درجة العنف، ويكون ذلك غالبا لشعورهم بالإحباط نتيجة رغبتهم في إثبات ذواتهم وتحقيق طموحاتهم، والتي تكون قدراتهم دونها، أو تكون العوائق في بيئتهم حائلا دون تحقيقها.
في هذه المرحلة يميلون عاطفيًا لجماعة الأصدقاء رغبة منهم في الاستقلال عن المنزل ولأنهم يشعرون بتحقيق ذاتهم معهم، وهم يتأثرون عاطفيًا بهم وهم في بداية المراهقة يميلون لأصدقائهم من نفس الجنس، ثم يتطور الأمر إلى ميل للجنس الآخر ولكن مقاومة هذه العواطف تؤدي إلى تمسكهم بها كنوع من إظهار التحدي والتمرد في وجه الكبار الذين يرون أنهم يقاومون انضمامهم إلى عالمهم.
فقد لا يستوعب الآباء طبيعة ما يشعرون به من ميل فطري نحو الجنس الآخر يؤدي بهم إلى الحيلة والارتباك ما بين رغبتهم في التعبير عن هذا الميل، وشعورهم بالذنب لإحساسهم أن المجتمع يجرم مشاعرهم وأحاسيسهم ولذا فإن رسم حدود العلاقة مع الجنس الآخر بين الزمالة والحب والصداقة من الأمور الضرورية التي تنظم عاطفتهم، وتخرجهم من حالة الحيرة والارتباك.
وأخيرًا وبعد معرفة أهم التغيرات التي تحدث في سن المراهقة فإنه يجب على الآباء والأمهات أن يدركوا أن ما يرونه من أبنائهم إنما هو من طبيعة المرحلة وليس عرضًا أو مشكلة لأن حدة التغيرات والتفاعلات التي تحدث للمراهق في هذه المرحلة قد تبدو للآباء إنها مرضًا ولكنها هي في الحقيقة المراهقة بحلوها ومرها.