القطط في الحضارة الفرعونية وتقديسها
✍️مريم ابراهيم شلبي
ولع المصريين القدماء بالقطط تراه في كافة المعابد والمقابر.. هذا الولع سره في اعتقادهم بازدواجية القطط كونها مخلصة ومشاكسة مثل الحكام القدماء والآلهة التي ترعاهم أحيانًا وتغضب عليهم في أحيان أخري.
اشتهر المصريون القدماء بولعهم الشديد بالقطط، هذا الولع ترك أثره على القطع الأثرية من التماثيل الكبيرة إلى المجوهرات الثمينة، كما قام المصريون القدماء بتحنيط عدد لا يحصى من القطط، حتى أنهم أنشأوا أول مقبرة للحيوانات الأليفة في العالم، وهي مقبرة عمرها ما يقرب من 2000 عام تضم قططًا ترتدي أطواقًا من الحديد والخرز.
كتب المؤرخ اليوناني هيرودوت أن المصريين القدماء كانوا يحلقون حواجبهم كعلامة على الاحترام عند فقدان القطط. واعتقد المصريون القدماء أن آلهتهم وحكامهم لديهم صفات تشبه القطط، كما كان يُنظر للقطط على أنها تمتلك ازدواجية: فمن ناحية يمكن أن تكون حمائية ومخلصة، ومن ناحية أخرى يمكن أن تكون مشاكسة ومستقلة وشرسة كل ذلك جعل المصريون ينظرون للقطط بوصفها مخلوقات خاصة تستحق الاهتمام. وهذا يفسر سبب قيامهم ببناء تماثيل القطط.
تمثال أبو الهول بالجيزة -المشيد على هيأة وجه رجل وجسم أسد- أشهر مثال على ولع المصريون بالقطط الكبيرة، كذلك صُورت الآلهة القوية “سخمت”؛ على أنها تحمل رأس أسد على جسد امرأة، وكانت تُعرف باسم “الإله الحامي”.
كانت القطط معروفة في مصر القديمة باسم “ماو”، وكان لها مكانة مهمة في المجتمع المصري القديم، وكان من الآلهة المصرية التى أخذت شكل القطة، كانت استيت إحدى آلهة قدماء المصريين، والتى جسدت على هيئة القطة الوديعة، أدمجت مع المعبودة سخمت في الدولة الحديثة، حيث تمثل سخمت في هيئة اللبؤة المفترسة، وترمز القطة إلى المعبودة باستت، ابنة معبود الشمس رع، التي كانت تصورها الرسومات على شكل امرأة لها رأس قطة، لذا تُعتبر “باستت” معبودة الحنان والوداعة، فقد ارتبطت بالمرأة ارتباطاً وثيقاً.
انتشرت ممارسة التضحية بالقطط عند المصريين القدماء ودفنها بعد تحنيطها بجانب مومياء أقاربهم إلى أن هذا الهوس لم يكن دائمًا لطيفًا ومحبًا، ومن المحتمل أن تكون هناك صناعات كاملة مكرسة لتربية ملايين القطط الصغيرة ليتم قتلها وتحنيطها لدفنها بجانب أقاربهم بين حوالى 700 قبل الميلاد و300 ميلادية. حيث أجرى العلماء مسحًا بالأشعة السينية على حيوانات محنطة كان أحدها قطة. وقد مكنهم ذلك من إلقاء نظرة مفصلة على هيكلها العظمي والمواد المستخدمة في عملية التحنيط. وتوصل العلماء إلى أن هذه القطة كان عمرها عندما ماتت أقل من 5 أشهر، عندما تم كسر رقبتها عمدًا؛ وهو ما يفسر لنا أن ممارسة التضحية بالقطط لم تكن نادرة، إذ تم تربيتهم في كثير من الأحيان من أجل هذا الغرض. تقول “ماري آن بولز فيجنر”، أستاذة علم الآثار المصرية لدى “جامعة تورنتو”، إن تقديم العديد من المخلوقات كذبيحة نذرية لآلهة مصر القديمة كانت وسيلة لاسترضاء الآلهة أو طلب العون منها.
في ضريح نب آمون، الموجود الآن في المتحف البريطاني، تُظهر إحدى اللوحات قطة مصاحبة لنب آمون أثناء خروجه للصيد. ممسكةً طائرًا في فمها وعصفورين آخرين في مخالبها. زُينت إحدى عيني القط بأوراق الذهب التي وفقًا للمتحف البريطاني تعد «المثال الوحيد المعروف للتذهيب على اللوحات الجدارية في غرف مقابر طيبة».
لم يقتصر وجود القطط في المقابر على اللوحات، ففي بعض الأحيان تُحنَّط القطط وتوضع داخل قبر رفيقها البشري. وفقًا لمتحف كارنيجي للتاريخ الطبيعي، أحد أسباب ذلك هو أنه عند الانتهاء من تحنيط القطط، يمكن استخدامها بعد ذلك سلعًا جنائزية.
كان يُنظر أيضًا إلى القطط في مصر القديمة على أنها تمتلك نوعًا آخر من القوة الذي تُمثَّل بالخصوبة غالبًا ما تُصَّور القطط وهي جالسة تحت كراسي النساء، ما يدل على وجود صلة ما بين القط والمرأة، وربما الخصوبة على نطاق أوسع حيث أن الارتباط قد ينبع من حقيقة أن القطط تمتلك قابلية إنجاب عدد كبير من الأبناء.
اقرا ايضا:-
مميزات الحضارة المصرية القديمة