اليربوع الأزرق رمز لأحد الكوارث البشرية
✍ إيمان حامد
وقعت الجزائر تحت الاحتلال الفرنسي عام 1830 وشهدت البلاد كافة أنواع العذاب والقتل ولكن الجزائريين لم يستسلموا فمنذ أن دخلت فرنسا إلى الجزائر والثورات تتوالى تباعًا في كل المناطق من أرض الجزائر الشاسعة إلى أن اندلعت الثورة التحريرية المجيدة والتي أخرجت فرنسا من الجزائر خاسرة ذليلة باعتبارها كانت قوة عظمى في تلك الأثناء .
وعلى الرغم من تلك الجرائم التي ارتكبتها فرنسا إلا أن هناك جريمة لن تمحى أبدًا بل ستظل تدمر الجزائريين لأكثر من مليار سنة وستبقى آثارها إلى وقت طويل طويل جدًا في عام 1958 في الصحراء الكبرى الجزائرية ، في منطقة رقان وهي منطقة صحراوية شاسعة أصل تسميتها هو ” ريكان ” حيث بدأت فرنسا بأعمال تهيئة وبناء في المنطقة وقد بدأ 6500 فرنسي و3500 جزائري من سكان المنطقة العمل ليل نهار من أجل إنهاء التحضيرات اللازمة لمشروع فرنسي سيغير مكانة فرنسا بين القوى العالمية.
وعندما انتهى تجهيز المشروع قام الجيش الفرنسي بنقل 150 سجين من سجن مدينة سيدي بلعباس وسجن مدينة معسكر إلى منطقة رقان بالجنوب الجزائري وليس لدى أحد علم إلى أين سيأخذون أو ماذا سيفعل بهم ، فكل شيء كان محاطًا بسرية تامة تنذر بالخطر.
وفي عام 1960 استيقظ سكان قرية تاعرابت التي تبعد عن منطقة رقان بـ 2 كلم على وقع انفجار ضخم هز أركانه جدران بيوتهم وخرج السكان لاستطلاع الأمر وشاهدوا سحابة كبيرة جدًا ترتفع إلى السماء على شكل فطر عملاق لم يتمكنوا من معرفة ما حدث ولم يجرأ أحد على الاقتراب من مكان الانفجار فالمنطقة المحيطة به مطوقة ويمنع الدخول إليها فهي منطقة عسكرية .
ولكن حقيقة تلك الانفجار هو أن هذا كان أول تجربة لقنبلة نووية فرنسية على أرض الجزائر في الخمسينات ومع بدأ السباق نحو التسلح النووي للقوى العظمى سارعت فرنسا لامتلاك القنبلة النووية وقامت بإبرام اتفاقية مع إسرائيل وحصلت بموجبها على الأموال لبدء مشروعها النووي وقد كلفت فرنسا أول قنبلة 1 مليار و260 مليون فرنك فرنسي.
وأطلق على تلك التجربة اسم ” اليربوع الأزرق ” واليربوع هو حيوان صحراوي صغير يشبه الفأر يعيش في المناطق الصحراوية أما اللون الازرق فهو لون مشترك بين علم فرنسا وإسرائيل وكان وزن القنبلة حوالي 70 كيلو طن أي ثلاثة أضعاف قنبلة هيروشيما اليابانية، بعد تفجير القنبلة الأولى والذي باء بالفشل مخلفًا سحابة مشعة أكثر من 100 ألف مرة من معدلها المتوقع كما سجل سقوط أمطار سوداء في البرتغال ثم في اليوم التالي سقطت الأمطار السوداء في اليابان وكانت هذه الامطار تحمل اشعاعا أكبر بـ 29 مرة من معدلها المتوقع.
وبعد ثلاثة أيام من وقوع التفجير الأول أكدت فرنسا أن الإشعاع في المنطقة غير مؤذي لكن الحقيقة كشفت عام 2013 بعد رفع السرية عن عملية اليربوع الأزرق حيث تم الكشف عن أن مستوى الإشعاع خطير وأن أضراره وصلت إلى جنوب فرنسا وغرب أفريقيا ،حيث أن فرنسا استعملت في تجاربها النووية مادة البلوتونيوم شديد الإشعاع والذي يستمر اشعاعه لـ 4 مليار سنة .
ولم تكتفي فرنسا بإجراء تجربة واحدة فبعد فشل التجربة الأولى بمنطقة رقان أكملت فرنسا سلسلة التجارب فقامت في 1960 بتفجير قنبلة أخرى باسم اليربوع الأبيض ثم تلتها قنبلة أخرى باسم اليربوع الأحمر في 27 أبريل 1960 ثم قنبلة اليربوع الأخضر في 25 أبريل 1961 واستمرت في تجاربها النووية في الصحراء الجزائرية في منطقة رقان ومنطقة إينكر بالهقار لمدة ست سنوات من 1960 الى 1966. أي حتى بعد استقلال الجزائر ” حوالي 17 تجربة”
وفي تلك الأثناء أصيب أكثر من 40 ألف نسمة بالاشعاع ، وحتى اليوم ما زالت آثارها تظهر في تشوهات خلقية لدى المواليد الجدد في مناطق التفجير والمناطق المحيطة بها ، ارتفاع معدلات الأورام الخبيثة والتعقيدات الجينية نتيجة التعرض للأشعة ، انتشار أمراض العيون وأمراض السرطان، أما بالنسبة للبيئة فقد اختفى فصل الربيع وتراجع عمر الابل لأقل من 20 سنة بالإضافة إلى إختفاء عائلات نباتية كاملة من الغطاء النباتي للمنطقة، وأصبحت بعض الأشجار عقيمة لا تثمر مثل أشجار الفستق البري والزيتون الصحراوي وتلوثت المياه أيضًا.
بعد هزيمة فرنسا في حربها مع الجزائر وخروجها قامت الدولة الجزائرية بتطويق المنطقة ومنعت الدخول اليها لخطورة الأشعة إلا أن الأمراض الخبيثة وتلوث البيئة مازال مستمرًا فبعض السكان البسطاء قاموا ببناء مساكنهم من مخلفات ألواح القصدير التي تركتها فرنسا بعد التجربة والتي كانت تحوي نسبًا عالية من الأشعة دون علمهم بالأمر نظرًا لجهلهم بخطورة هذه المواد لذا مازال السكان يعانون من هذه التجارب .
اقرا ايضا:-
اندلاع انفجار فى العاصمة اللبنانية بيروت