بين المعرفة الاستراتيجية والجهل الإداري في المنظمات
5٬002
شارك
طالب غلوم طالب كاتب وباحث ومستشار إداري
استعرض الكثيرون من الباحثين المعرفة وصنّفوها إلى معرفةٍ ظاهريةٍ و معرفةٍ ضمنيةٍ، واهتموا بمعالجة الصعوبات التي تواجه نقل المعرفة الضمنية إلى الموظفين الآخرين. فإدارة المعرفة هي مسألة مشاركة المعرفة بين الموظفين وبعضهم فهي نتاج طريقة تفكير الموظف لحل المشكلات التي تعترضه في مجال تخصصه الإداري ، وتقديم الأدلة التي تدعم رؤيته والحصول على آراء موضوعية تُؤدّي إلى اكتساب المعرفة ، وهو ما يعدّ من المتطلبات الأساسية من أجل تحقيق إدارة فاعلة للمعرفة والتفكير النقدي ، كما أن الوعي بطرق التعامل مع المعلومات يجعل الإنسان متأكداً من موضوع ما أنه صحيح أم غير صحيح بصورة جلية تمنع اللبس والغموض ..
من هنا يمكن معرفة إدارة المعرفة بشكلٍ أفضل بما يتماشى مع إدارة الجهل ، والسبب يعودُ إلى أنه من المستحيل لأي شخص – الموظف هنا- استيعاب وفهم كل شيء على أكمل وجه.
وبصورةٍ عامةٍ فإن الحكمة الحقيقية الوحيدة التي ينبغي أن نعرفها هي إدراك حدود القدرة ومستوى المعرفة التي يتمتع بها الموظف أو الموظفون، ومن ثم فإدارة المعرفة هي في الأساس مسألة مشاركة مدى جهلنا مع الآخرين وبهذه الطريقة فإننا نتعلم معاً ..!!.فعملية تراكم الوعي المعرفيّ تُسهم في تطوير المعرفة الضمنية ، وفهمنا لها وهذا ينعكس على زيادة القيمة الحقيقية للمنظمات .
في ذاك الوقت ينبغي فهم دور إدارة المجهول في المنظمات ، وما يتصل به من مفهوم المعرفة والتعلم التنظيمي ، وفهم كيفية اكتساب الموظف لمعرفةٍ جديدة في المنظمات وحجم معرفة الموظف ، ومن ثم يمكن إعداد استراتيجيات إدارة المعرفة لتلبية احتياجات مُحدّدة للعمل ، وكذلك السعي لتقديم مزيد من آليات تبادل المعرفة الفعالة وتعزيز الابتكار ، وهذا يؤكد أن ابتكار وخلق المعرفة في المنظمات يرتكز على فرضية أساسية ترى بأن المعرفة البشرية تنشأ وتتوسع من خلال فهم وإدراك المجهول ، فقد يكون الجهلُ أحد الأدوات الممكنة التي تُسهم في تحقيق الأهداف المستقبلية المرسومة من المنظمة .
فالجهلُ ليس مجردَ مساحةٍ فارغةٍ على الخارطة الذهنية للشخص- الموظف- بل مساحة من ملامح المعرفة المحدودة وقواعد للعمليات الذهنية لإدارة هذه المعرفة المحدودة. فعندما يعرف الموظف مدى جهله بالاجراءات الإدارية أو اللوائح التشريعية والتنظيمية تكون هناك إمكانية كبيرة لتحقيق النجاح ، وهذا يُسهّل علينا عملية فهم لماذا تعد إدارة الجهل أمراً مهماً وضرورياً في المحافظة على ثقافة تبادل المعرفة الاستراتيجية في المنظمات .
إن مفهوم إدارة الجهل ما يزال بحاجةٍ إلى كثيرٍ من الاستكشاف والبحث في جوانبه ، ومن ثم يمكننا القول إنه لا توجد معرفة كاملة لتعزيز وتسهيل عمليات إِدارة المعرفة . وهذا يؤكد على أن الموظف الذي يدعي امتلاكه لكل المعرفة بالمنظمة هو أكثر الموظفين جهلاً.
فكلما تعرضت المنظمات الكبيرة لبيئات عمل غير مستقرة كلما أصبح من الضروري تطوير قدرتها على إدارة الجهل بحيث تحدد ما نوعية المعرفة التي تحتاجها فى بيئة العمل غير المستقرة .
وفي بعض الأحيان قد تعتمد المنظمات الكبرى في ظل ظروف شديدة إلى الإقرار بذلك بصورةٍ غير علنية عن طريق تجزئة المنظمات وإنشاء مجموعات متنوعة من الوحدات التنظيمية ضمن مظلة المنظمة الداخلية تتكيّف إلى حد ما مع الظروف التي تواجهها كل وحدة تنظيمية أو كيان تنظيمي مثل شركة (جنرال موتورز) و( شركة موتورولا) اللتان حددتا الفوائد الرئيسة لإدارة الجهل فيما يلي : القدرة على التمييز بين المخاطر والفرص خارج نطاق بيئة العمل ، القدرة على اكتساب وتطوير الخبرة البشرية التي يمكن من خلالها تحول الآراء والمقترحات إلى أحكام وقرارات ، القدرة على مواجهة العوامل التي تؤثر على بيئة العمل بشكل مستمر وتحولها إلى عمليات ناجحة وذات قيمة
وللمضي فيما هو أبعد لإدارة الجهل فإنه من الضروري النظر في الدور المُعقّد الذي قد يلعبه الجهل في إدارة منظمات الأعمال . فللجهل وظيفةٌ اجتماعيةٌ كأن يحافظ على المكانة المميزة
ويعتمد هذا على قدرة المنظمة التنافسية وعلى تبعية المتعاملين الذين ليس بمقدورهم توفير تلك المنتجات أو الخدمات لأنفسهم بسبب نقص المعرفة .
من جانب آخر قد يُوظف الجهل في المنظمات البيروقراطية من خلال إخفاء المعرفة عن الآخرين (صيغة الأسرار) أي أن هذه الصيغة من الجهل لا تنحصر في حفظ الأسرار الإدارية أو التجارية والتدابير المتعلقة بحماية الملكية الفكرية ولكنها تذهب إلى ماهو أبعد من ذلك في المنظمات التي يغلبُ عليها البيروقراطية وخاصة فيما يتعلق بإخفاء استراتيجية المنظمة وتطوير المنتجات أو الخدمات الجديدة .
ففي المنظمات البيروقراطية يُساهم الجهل الإداري في تعزيز القيم التقليدية للمنظمة فقد يستمر مستوى الجهل في المنظمات من خلال اتباع منهج الانعزال ، وهذا يسهم في الحفاظ على ممارسات الآليات المتبعة من قبل المنظمات.
وبالتأكيد فإن عدم الاطلاع على ما جرى أو يجري في العالم الخارجي يُسهم في الحفاظ على حالة الاستقرار في المنظمات البيروقراطية حتى لو كانت الحالة غير مرضية للموظفين
كما أن الجهل بما تقدمه تلك المنظمات الأخرى من رواتب وحوافز وظروف عمل تكون أفضل بكثير فهذا يضمن عدم مطالبة الموظفين بالحصول على قدر أكبر من الرواتب والمكافآت والترقيات وإبقاء الوضع على هو عليه.