تدمير الجنس البشري “غضب رع على البشرية “
✍️الباحثة الأثرية / كندة أشرف الحناوي
تعتبر الأساطير المصرية من أهم جوانب العقيدة المصرية القديمة لأنها تعكس فكر وعقيدة المصري القديم كانت حياة الآلهة وتصرفاتهم مادة خصبة للكهنة لتغزل حولها حكايات وأساطير كثيرة. قد أصبحت تلك الأساطير بعد ذلك معقدة للغاية كما أصبحت عماد من عمائد الديانة المصرية فالاساطير المصرية هي تلك القصص المقدسة التي كان قدماء المصريين يؤمنون بها.
تتميز الأسطورة بعمقها الفلسفي. كانت الأساطير حينذاك كالعلم الآن أمرا مسلما بمحتوياته. في معظم الأحيان كانت شخصيات الأسطورة من الآلهة أو أنصاف الآلهة أما تواجد البشر فيها فكان مكملا لا أكثر. تحكي الأسطورة قصصا مقدسة تبرر ظواهر الطبيعة مثلا أو نشأة الكون أو خلق الإنسان وغيره ذلك من المواضيع التي تتناولها الفلسفة على وجه الخصوص والعلوم الإنسانية عموما
وسنذكر فيما يلي أسطورة هامة من الأساطير التي أثرت في فكر وعقيدة المصري القديم.
حيث إن أعمق فترة العلاقة بين رع وحتحور كأب وابنته كانت في قصة حدثت أثناء فترة اضمحلال رع وهي اسطورة عين شمس ” هلاك البشرية”
وتقص علينا الاسطوره وتقول : ففى شيخوخة رع نظر له العالم بانحطاط وعدم أحترام ، وذلك العالم الذى خلقه، خصوصاً الجنس البشرى الذى خلقه بدموعه، وكان البشر يسخرون منه ويقولون باستهزاء انظروا إلى رع فقد شاخ عظامه كالفضة ولحمه كالذهب وشعره مثل اللازورد”.
واعترض رع على تسميته بالعجوز، وبالرغم من تشبيهه بالمعادن النفسية فذلك يظهر أن عظمة وجسده تحول لما لم يكن عليه في شبابه فغضب من البشر جميعًا وقرر أن يلقنهم درساً ، فنادى على أتباعه المقربين تعالى هنا يا ابنتي الحبيبة حتحور ، قرة عينى وأنت أيضاً أيها الإله شو وتفنوت وجب ونوت والإله العظيم نون من عروشهم فى مياه السماء .
واستجابت الآلهة للاستدعاء بهدوء حتى لا يشعر البشر بما يحدث ، ويحاولون الاحتماء من الانتقام ، واجتمع الآلهة في قصر رع السرى لمعرفة لماذا استدعاهم أبيهم ، سجدوا أمامه وسأله ماذا يريدهم أن يفعلوا له . وصف رع نون بأكبر الآلهة : انظر إلى أولئك البشر الذين خلقتهم ، كيف يدعونني؟ أخبرني ماذا أفعل لهم ، فأنا لن أذبحهم حتى أسمع كلمتك الأخيرة ، وتخبرنا القصة.
أن الإله الأعلى قرر العقاب قبل سماع نصيحة الآلهة الآخرين ، وأجاب نون الإله بما أراد أن يسمعه رع، واقترح أن يرسل رع حتحور قرة عين أبيها لقتل من تعدى على الإله العظيم وذكر لرع أنه مازال أعظم الآلهة وعرشه مقدس ، ولابد أن يظل البشر يهابونه. وسريعا وافقت الآلهة الأخرى على هذه الخطة السهلة ، وأرسلت حتحور في شكل سخمت أنثى الأسد المتوحشة للانتقام، واندفعت سخمت لمهاجمة فريستها وكانت مثل الأسد تستمتع بالذبح وسفك الدماء، وسرعان ما علمت البشر أنه لا يجب أن يسخروا من كبير الآلهة . وبينما كانت تقتل كل من تلقى هنا وهناك .
كان والدها يتابع عملها بسعادة فى أول الأمر، ولكن سريعًا قرر أن انتقامه اكتمل.
وطلب منها التوقف قبل أن تقضى على كل الجنس البشرى : تعالى في سلام يا حتحور، ألم تنه ما طلبت منك أن تفعليه ؟! ولكن لم يكن هناك من يوقفها بعد أن ذاقت طعم الدماء ، فصرخت أستحلفك بحياتك يا رع أنا أعمل بجد وأستمتع من كل قلبى وظل نهر النيل لعدة ليالي أحمر اللون من الدماء ، وخاضت حتحور في الدماء حتى سار لون أقدامها قرمزي ، حتى أشفق رع على البشر ، ولكن لم يكن يوجد رجل أو إله يستطيع وقف القتل الوحشي عند الآلهة التى تستمتع بدورها كأنثى الأسد ، وبسبب قواها المعروفة لم يستطع أحد وقف القتل ولا حتى رع نفسه ، لذا كان يجب وقفها إما بالإقناع أو بالخداع ، فأرسل رع رسله بدون علم حتحور إلى جزيرة الفنتين بأسوان ومعهم أوامر بإحضار كميات هائلة من الديدي ، ويبدو أن الديدي مادة تصبغ إلى اللون الأحمر ، بعد أن أحضره الرسل إلى رع في هليوبوليس بسرعة الريح ، أسرع النساء حفاة الأقدام لصنع بيرة وخلطها باليوسفى لتعطيها لون الدماء ، وظلوا يعملون طوال الليل بينما حتحور مستلقية .
وصنعوا سبعة ألاف قدر من البيرة الحمراء ، وأنهوا مهمتهم تماماً حتى عندما بزغ الفجر، وأشرف رع وباقى الآلهة على العمل طوال الليل وشعروا بالرضا عن أنفسهم ، وأخبرهم رع أنه سيستخدم العصير لإنقاذ البشر من الدمار الكامل وأرسل رسله لنشره على كل الأرض استيقظت حتحور بعد فترة قصيرة واستعدت لاستكمال مهمتها الممتعة. فمرت عبر الأرض باحثة عن فريسة جديدة لإشباع رغبتها في العطس ولكنها لم تر أحد ما عدا الأرض المملوءة بما يشبه الدماء ، وشعرت بالسعادة لفكرة أنها أهدرت كثير من سائل الحياة . فوقفت لتشرب منه وكلما شربت أكثر أرادت أكثر وأخيراً غطت في نوم عميق .
لم يعد عقلها يحثها على القتل، وناداها والدها بهدوء تعالى تعالى في سلام أيتها الإلهة العظيمة العادلة . وهكذا انتهى حبها للذبح، وأمر رع بإقامة احتفال كبير فى المستقبل لهذا الحدث في مدينة – أمون ” وهو المكان الذي كانت تعبد فيه الإلهة حتحور. وأكد رع لها ولتابعيه أنه سيكون هناك ثلاث زلعات من البيرة لكل جارية له تشارك فى احتفالات العام الجديد. وللأجيال القادمة كان أتباع حتحور يكافئون باحتفال بيرة سنوى هناك).
هناك تفسير لأحد الدارسين لهذه القصة أنها خططت (اختلقت) لتبرر الإسراف في تناول الشراب مع العيد السنوى لحتحور).
بالرغم ان الاله العجوز قد حفظ بني الإنسان من الهلاك إلا انه لم يرغب في البقاء سيدا على هذه المخلوقات الناكرة للمعروف ولقد قال متململا ” وبحياتي لقد تعب قلبي وجودي معهم” وهنا تدخل نون العجوز في الأمر ونادي على ابنته نوت التي على شكل بقره وجلس رع على ظهرها فرفعته إلى السماء وتكونت بذلك السماء ولكن عندما ألقت نوت بنظرها إلى أسفل (ارتحلت من شاهق الارتفاع ) فنادي رع على الاله شو وقال له ابني شو ضيع نفسك تحت ابنتي نوت وخذها فوق رأسك ) فنقذ شو ما أمر به وسند منذ ذلك الحين بقرة السماء التي تلمع النجوم على بطنها وتتحرك الشمس فوقها في قاربها هنا وهناك.