المبتعثون والقوة الناعمة الإماراتية

2٬604

طالب غلوم طالب 

تطوير وتحريك القوة الناعمة يتطلب براعة فائقة واستثماراً كبيراً وصبراً ..ذلك أن الحصول على نتائج لا يكون فورياً وقد يستغرق وقتاً طويلاً ، فالبراعة في استخدام القوة الناعمة أصعب من القوة الصلبة والخشنة لأن تأثيرها يعتمد على قبول الجمهور المتلقي لها ..علاوةً على ذلك فإن مصادر القوة الناعمة كثيراً ما تعمل بصورة غير مباشرة عن طريق تشكيل بيئة مناسبة وأدوات تناسب هذه البيئة يمكن من خلالها أن تقوم الدولة باستخدام قوتها الناعمة وهذا يستغرق في بعض الأحيان أعواماً و قد تؤدي إلى النتائج المرغوب فيها بعد حين ..

وفي هذا السياق نستطيع أن نقول إن القوة الناعمة لها ثلاثة أبعاد مهمة ، أما البعد الأول والأكثر مباشرة هو بعد التواصل اليومي وهو ينطوي على توضيح سياق قرارات من شأنها تحسين صورة الدولة أما البعد الثاني فهو التواصل الاستراتيجي الذي تطور فيه مجموعة من المواضيع البسيطة وهو كثير الشبه بما يحدث في حملة إعلانية ويكون التخطيط في هذا المجال أسهل من التنفيذ ، أما البعد الثالث من أبعاد القوة الناعمة فهو تطوير علاقات مع أشخاص أساسيين على مدى سنوات كثيرة عن طريق منح المنح الدراسية والمبادلات والتدريب والندوات والمؤتمرات والوصول إلى قنوات أجهزة الإعلام . 

ويتجلى تفرد النموذج الإماراتي في القدرة على تحقيق نجاح تنموي واقتصادي واجتماعي كبير وفريدٍ من نوعه في المنطقة من خلال مؤسساتها  الخدمية و التعليمية والتدريبية باعتبارها إحدى أدوات قوتها الناعمة خلال اثنين وخمسين عاماً هي عمر الاتحاد ، فدولة الإمارات  العربية المتحدة تعتمد على مجموعة عناصر لقوتها الناعمة وهي القيم والمساعدات الإنسانية والثقافة باعتبارها أحد روافد القوة الناعمة وفي ذات الوقت لا تقل أهمية عن عناصر القوة الصلبة .

هكذا تسعى دولة الإمارات العربية المتحدة على مدار تاريخها الحديث إلى تحسين وتطوير قوتها الناعمة وفي ذلك تستخدم البعد الثالث من أبعاد القوة الناعمة وفي ذات الوقت تجسيد توجهات القيادة الرشيدة بالاستثمار الأمثل في الكوادر الوطنية  بما يمكنها من تحقيق التنمية البشرية باعتبار أن الإنسان هو الوسيلة الوحيدة والهدف من تحقيق أهداف التنمية الاجتماعية والاقتصادية الشاملة والمستدامة  من خلال توفير بعثات دراسية خارج الدولة تبتعث خلالها مئات الطلاب المتميزين علمياً ممن تنطبق عليهم شروط ومعايير الابتعاث في الكثير من المجالات وعلى رأسها التخصصات الحديثة ، كما طرحت دولة  الإمارات العديد من البرامج للمنح والبعثات الدراسية المختلفة على رأسها (برنامج البعثات الدراسية التي تنظمها وزارة التربية والتعليم – برنامج مكتب البعثات الدراسية التابع لوزارة شئون الرئاسة – برنامج البعثات الدراسية التي تنظمها دائرة التعليم والمعرفة – برنامج بعثة هيئة تنظيم الاتصالات والحكومة الرقمية – برنامج مسار للمنح الدراسية – برنامج انطلق للمنح الدراسية ) ، حيث يتم الابتعاث إلى أفضل 200 جامعة في العالم بتصنيف QS ، وقد أصبح تحديد دول الابتعاث أكثر دقةً  حيث يتم الابتعاث للدول التي لديها ثلاث جامعات وأكثر ضمن هذه القائمة.

ويهدف الابتعاث إلى توفير التدريب على إتقان اللغات الأجنبية في البلدان الخارجية وتنظيم  المعارض الوطنية أو المتحدثين البارزين في جولات خارجية وهو ما يسمح للجمهور المستهدف بالاطلاع على أفضل ما لدى دولة  الإمارات  العربية المتحدة  بما يجعل هذا الجمهور يُحسن الظن والتصور بشأن  دولة الإمارات بهدف تعزيز التعاون  والتفاهم المشترك بين الشعوب وبالتالي العلاقات الطيبة بين الإمارات والبلدان الأخرى حيث يتفق معظم خبراء الاتصال على أن الوسيلة الأكثر فعالية  في التواصل هي التعامل المباشر وما تسفر عنه التجربة الفعلية وهو أمر يفوق ما يتحقق عبر الدبلوماسية التقليدية وهذا الأمر جعل الدبلوماسية العامة تركز على التبادل التعليمي وتبادل الطلاب فمن خلال قضاء فترة من الوقت في بلد آخر والعيش بين سكانها واستيعاب ثقافتها والتحدث بلغتها ومن ثم عرض ثقافتها  الإماراتية  الأصيلة والقيم الإنسانية التي يحملها الدين الإسلامي مثل ( ا لتسامح وكرم الضيافة ومحبة الخير للآخرين وغيرها من القيم  النبيلة )بين طيات سلوكياته في البلد المضيف تكون الفكرة أنه مع وجود الطلاب والزائرين في البلد الخارجي وتعامل جمهور البلد المضيف للبعثة التعليمية معهم ومعرفة ثقافتهم العربية  سيتحدثون بكل ما هو طيب  عنهم  …

 ويستند هذا النهج على افتراض مؤداه (إن تعرفنا تحبنا) بمعنى إذا عرفتنا جيداً من خلال هذه الوسائل فستحبنا حتماً.

كما أن تبادلات النخب وهم هؤلاء الأفراد الذين يُشكّلون اليوم العنصر المُحرّك والمؤثر في مجتمعاتهم ونعنى بهم قادة الرأي مثل الأكاديميين والمعلمين والسياسيين وقادة الصناعة والفنانيين والكتاب والصحفيين فهؤلاء هم القادة المثقفون الذين يشغلون أو سيُصبحون في مكان مرموق يتيح لهم الحديث بشكل طيب عن الدولة  داخل مجتمعاتهم ولأن صوتهم يكون وليد التجربة بعد أن قضوا فترة من الوقت في دولة الإمارات فستحظى آراؤهم ووجهات نظرهم بالمصداقة والاحترام الكافيين. 

إن  دولة الإمارات  العربية المتحدة  تثبت للعالم باستمرار  أنها تتقدم نحو المستقبل بخطى واثقة وبتفاعل مستمر مع مسارات العلم والتقنيات الحديثة والدبلوماسية ، فهي دولة التسامح واللامستحيل ومعانقة الفضاء الخارجي والريادة في المؤشرات العالمية ، كما أنها أرض الفرص والأفكار الخلاقة والمبادرات البناءة، …إنها قصة نجاح ملهمة ذات أبعد ورؤى عالمية مستدامة  .

قد يعجبك ايضآ