مقالات

الذكاء الاصطناعي والقوة الناعمة الإماراتية

 

 

 

طالب علوم:طالب كاتب وباحث إماراتي 

 

يدرك العالم الآن أن الذكاء الاصطناعي بمنزلة الإعصار أو الزلزال الذي سيقلب قواعد الكون رأساً على عقب ولن يترك أياً من المجالات إلا ويحدث فيها الأثر العظيم وسيجعل الكثير من المسلمات التي تعارف عليها البشر عقوداً طويلة محل جدل ونقاش فهو يُشكّل عاملاً مساعداً لصناع القرار للوقوف على الوضع الحالي حيث يمنح الذكاء الاصطناعي قدرة هائلة على تحليل أي حجم من البيانات والمعلومات في وقت قصير وبدقة كبيرة ما يعني فهمه لها بشكل أعمق وأشمل ويسهل اتخاذ القرار الصائب الذي يحقق مصلحة الدول .

وقد ازداد استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في كافة المجالات الاقتصادية والتجارية والدبلوماسية وكذلك المجالات العسكرية في ظل تفاوت كبير بين إمكانات الدول في مجالات الذكاء الاصطناعي السلمية والعسكرية ومدى مواكبة قواعد القانون الدولي لتلك التطورات في استخدامات الذكاء الاصطناعي في كافة مجالات العلاقات الدولية (سلماً وحرباً) ومدى كفاية القواعد القانونية الحالية لمعالجة تلك التطورات ، ما يؤكد على ضرورة صياغة نصوص قانونية حديثة تتوافق مع التطور الهائل في مجال الذكاء الاصطناعي أو على الأقل صياغة معاهدات دولية لتحديث الاتفاقات القائمة بالفعل .

في هذا السياق نجد أن الذكاء الاصطناعي يسهل العمل الحكومي ويخلق منافسين وشركاء له في التأثير على صنع القرار في مقدمتهم شركات التكنولوجيا التي تملك تقنيات هذا الذكاء

وقد أصبح لها الآن تأثير مهم على المستويات الاقتصادية والسياسية والأمنية وبرز دورها الكبير في الشئون العامة خاصة إذا تحولت هذه الشركات إلى أدوات في أيدي الدول التي تنتمي إليها لممارسة تأثير في سياسات الدول الأخرى وقرارتها وهو ما يعرف بمفهوم (القوة الناعمة للدولة) فمن خلال امتلاك تقنيات الذكاء الاصطناعي يمكن إرغام الدول على سياسات ترغبها الدولة مالكة شركات تقنيات الذكاء الاصطناعي من خلال القوة القائمة على جذب الآخرين أو الدول عن طريق الإقناع والاستجابة والاستحواذ على قُلُوب وعُقُول البشر في جميع أنحاء العالم وتهدف القوّة الناعمة إلى استمتاع الدولة التي تمارسها بقبول الشعوب ضمنياً . فحين تتضامن الشعوب مع أي دولة تأكد أنها تملك من القوّة الناعمة ما يجعل الشعوب تتعاطف معها

فالتقدم التقني لم يكن ضمن عناصر قوة الدولة في العصور السابقة إلا أنه في الوقت الراهن يمكنه أن يشكل الجغرافيا السياسية للعالم ، وفي ذاك الوقت فإن الإتقان التكنولوجي وخاصة تقنيات الذكاء الاصطناعي يمنح الدولة التي تستطيع أن تملكه القدرة على فرض نفوذها، فامتلاك تقنيات الذكاء الاصطناعي يؤدي إلى مزيد من الإبداع و الابتكار من خلال تقديم منصة للابتكار العلمي والتقني المستمر والتي تؤدي إلى مزيد من الابتكار، وبدلاً من الاعتماد على ثروة الموارد الطبيعية أو إتقان تقنية معينة يكمن مصدر قوة الدولة الآن في قدرتها على الابتكار المستمر.

على سبيل المثال يمكن النظر إلى القوة الناعمة التي يمكن أن تمارسها الصين على الدول التي تزودها بأجهزة الاتصالات مثل كثير من الدول الأفريقية، حيث تشكل المكونات التي تنتجها شركة “هواوي” الصينية حوالي (70%) من شبكات “4G”، ولهذا كانت هذه الدول مترددة في توجيه أية انتقادات ضد الحكومة الصينية، كما أن تفوق تايوان في تصنيع أشباه الموصلات والرقائق الإلكترونية يوفر رادعاً قوياً ضد غزوها من بكين حيث تخشى الصين تدمير أكبر مصدر للرقائق الدقيقة في تايوان.

خلاصة القول إن تقنيات الذكاء الاصطناعي وما تعتمد عليه من ابتكارات تدعم القوة الناعمة لأي دولة حين تمتلكها ، كما أن المكانة المرموقة المرتبطة بالطفرات التقنية الإماراتية في مجال الذكاء الاصطناعي وفرص تكوين الثروات التي أوجدتها الشركات الإماراتية تجتذب النشطاء والمستثمرين وقناصيّ الفرص من شتى بقاع العالم للاستثمار في مجال الذكاء الاصطناعي، ولهذا فإن قدرة الدولة على إبراز قوتها في المجال الدولي عسكرياً واقتصادياً وثقافياً تعتمد على قدرتها على الابتكار بشكل أسرع وأفضل من منافسيها، وهذا ما تفعله دولة الإمارات العربية المتحدة من سباق مع الزمان في مجال تنفيذ وتطوير استراتيجيات وممكنات وآليات مرتبطة بالذكاء الاصطناعي .

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا