التاريخ والآثار

مظاهر الاحتفال بشهر رمضان في مصر الفاطمية

بقلم الباحث : محمد حمدي محمود 

 

لقد ورث العالم العربي الإسلامي بشكل عام ، ومصر بشكل خاص الكثير من العادات والتقاليد التراثية علي مر العصور والأزمان ؛ حيث من أهم هذه العادات والتقاليد كان الاحتفال بشهر رمضان المعظم لما له من القدسية الكبيرة في نفوس كل مسلمي العالم وليس مسلمي مصر فحسب ، فمن المعروف أن شهر رمضان له قدراً كبيراً من التراث ، والعادات والتقاليد التي تمسك بها مسلمي مصر ولم ينطبق الأمر علي الاحتفال بشهر رمضان فحسب بل كل المناسبات الدينية الأخري ؛ حيث تعود هذه العادات والتقاليد لعصر الدولة الفاطمية .

مظاهر الاحتفال بشهر رمضان في مصر الفاطمية
مظاهر الاحتفال بشهر رمضان في مصر الفاطمية

 

فما أن كان يأتي شهر رمضان المبارك في مصر في العصر الفاطمي حتي يتسارع الناس في البدء بالتجهيزات من إقامة الموائد التي كانت تحتوي علي كل ما لذ وطاب من شتي أنواع الطعام إلي جانب ذلك كان الفاطميين هم أول من أبتكروا العديد من أنواع الحلوى التي تقدم في يومنا هذا في رمضان ، وإلي جانب ذلك أسرف الخلفاء ، والولاة الفاطميين في الطعام ، والشراب ، وأكثروا من تزيين الشوارع بالزينات ، والأضواء ؛ حيث ظلت بعض هذه العادات والتقاليد موجودة حتي اليوم .

 

ومن مظاهر الاحتفال بشهر رمضان المعظم في مصر في العصر الفاطمي قيام قاضي قضاة مصر بالطواف في مساجد القاهرة وباقي أقاليم مصر من أجل تفقد ما تم من الإصلاحات والتجهيزات في المساجد من فرش السجاجيد الجديدة ، وتعليق المسارج والقناديل من أجل الإضاءة .

 

والدليل علي هذه الاستعدادات أن الرحالة ” ناصر خسرو علوي ” الذي زار مصر في القرن الخامس الهجري كان قد وصف العناقيد النجمية التي أهداها الخليفة الفاطمي ” الحاكم بأمر الله ” لمسجد ” عمرو بن العاص ” بالفسطاط بأن وزنها قد وصل لسبعة قناطير من الفضة الخالصة ، وكانت هذه العناقيد النجمية توقد في ليالي رمضان بحوالي 700 قنديل وبعد إنتهاء شهر رمضان كانت هذه العناقيد تحفظ في المكان الذي خصص لها في المسجد من أجل استخدامها مرة أخري في رمضان المقبل .

مظاهر الاحتفال بشهر رمضان في مصر الفاطمية
مظاهر الاحتفال بشهر رمضان في مصر الفاطمية

 

كما كانت الدولة تخصص مبلغاً من المال من أجل شراء كميات كبرية من البخور الهندي ، والكافور ، والمسك وكان يتم توزيعه علي المساجد في شهر رمضان .

 

وقد كانت الأسواق تزدهر ازدهاراً كبيراً في مصر الفاطمية في شهر رمضان وذلك بسبب نشاط الحركة التجارية في البلاد فمن أشهر هذه الأسواق :

 

سوق الشماعين :
يقع هذا السوق في منطقة النحاسين ، وكان يُعد من أشهر أسواق مصر في القرنين الثامن والتاسع الهجريين ، وكان هذا السوق يشتهر بتجارة الشموع الكبيرة التي كان حجم الواحدة منها يصل لعشرة أرطال كما كانت تباع فيه الشوع الصغيرة التي كان الأطفال يستخدمونها في إضاءة الفوانيس ، وكانت العادة بأن يقوم الأطفال بإضاءة تلك الفوانيس وينطلقون في الحواري ، والأزقة يغنون ويمرحون من بعد الأفطار وحتي صلاة القيام .

 

سوق الحلاويين :
كان هذا السوق من أشهر الأسواق التي كانت تُقام في رمضان ، فكان المصريين كثيراً ما يذهبون لهذا السوق ؛ حيث كان يتم صنع حلوي السكر التي كانت تتخذ شكل الخيول ، والأسود ، وغيرها من الحيوانات وكان هذا النوع من حلوي السكر يُعرب ” بالعلاليق ” .

 

سوق السمكرية :
يقع هذا السوق الذي كان من أشهر أسواق القاهرة الفاطمية علي الأطلاق في منطقة ” باب زويلة ” وكان هذا السوق مختص بتجارة جميع أنواع الياميش ، والمسكرات ، وقمر الدين ، كما كان يوجد في هذا السوق وكالة تُعرف ” بوكالة قوصون ” التي يعود تاريخها للقرن الثامن الهجري ، وكانت هذه الوكالة مقراً للتجار العرب الوافدين من بلاد الشام الذين يأتون لمصر وهم يحملون الكثير من المنتجات والسلع الرمضانية مثل الفستق ، واللوز ، وجوز الهند ، والخروب إلي جانب المنتجات الأخري مثل الزيوت ، والصابون .

 

وفي هذه الأسواق كان يتم عرض شتي أنواع الحلويات مثل ” القطايف ” ، و” الكنافة ” ؛ حيث تذكر بعض المصادر بأن حلوي الكنافة قد تم صنعها خصيصاً للخليفة ” سليمان بن عبد الملك ” وهناك من يقول بأنها صنعت للخليفة ” معاوية بن أبي سفيان ” .

 

وإذا تحدثنا عن مظاهر إحتفال الخلفاء الفاطميين بشهر رمضان المبارك فسنجد أن الخلفاء كانوا يقومون بالخروج إلي الشوارع والساحات في مهرجان إعلان حلول شهر رمضان ؛ حيث كان الخليفة يخرج من أحد أبواب القصر المعروف بباب الذهب مرتدياً الملابس الفاخرة وحولة الوزراء وكبار رجال الدولة وكبار قادة الجيش وهم يلبسون الملابس المزكرشة ، وبخيولهم الموشحة بالذهب ، وفي أيديهم الرماح والأسلحة المطعمة بالذهب والفضة ، وأمام هذا الموكب تُرفع الرايات الملونة ، وتسير كتائب الجند ، وفرق الموسيقي وكانت الشوارع التي يسير بها موكب الخليفة مزينة بالزينات الملونة .

 

وكان من أهم عادات شهر رمضان المبارك في مصر الفاطمية ” موائد الرحمن ” التي كان يجتمع عليها الغني ، والفقير ؛ حيث كانت الموائد تُعرف ” بسماط رمضان ” ؛ حيث تحدث عنها المؤرخ ” تقي الدين المقريزي ” قائلاً : ” كان السماط يُمد في قاعة الذهب بالقصر الشرقي الكبير في ليالي رمضان ، وفي العيدين ، وفي هذه القاعة كان جلوس الخلفاء في موكب يومي الأثنين ، والخيس وبها كان يُعمل سماط رمضان للأمراء ، وسماط الطعام في العيدين ” .

 

وكان أول من أعد مائدة إفطار في شهر رمضان هو الخليفة الفاطمي ” العزيز بالله ” ، وقد أقيمت هذه المائدة من أجل إفطار أهل مسجد عمرو بن العاص كما أقام مائدة أخري في الجامع الأزهر وكانت هذه المائدة ممتدة طوال الشهور الثلاثة ” رجب ، وشعبان ، ورمضان ” كما تذكر المصادر أن مطبخ قصر الخليفة العزيز بالله كان يخرج منه في شهر رمضان 1100 قدر من الطعام يتم توزيعه علي الفقراء ، والمحتاجين .

 

ولما جاء الخليفة المستنصر بالله أهتم هو الأخر بموائد الرحمن فكان يعد موائد خاصة لإفطار الأمراء ، وكبار رجال الدولة في قصر الذهب كما أقام الموائد في المساجد الكبرى في القاهرة من أجل الفقراء ، والمساكين حتي قيل بأن نفقات هذه الموائد في 27 يوم من رمضان قد وصلت إلي 3000 دينار .

 

وبالإضافة للموائد التي أقيمت في جامع عمرو بن العاص ، والجامع الأزهر أقيمت الكثير من الموائد الأخرى فعلي سبيل المثال مائدة مسجد ” الأقمر ” أحد المساجد الفاطمية في شارع المعز لدين الله الفاطمي إلي جانب الطعام الذي يخرج من مطبخ قصر الخليفة ويوزع علي عامة الشعب في شوارع وأزقة القاهرة .

 

وكان القائمون علي موائد الأفطار في رمضان يقومون بتقديم جميع أنواع المأكولات كما كان القائمون علي مخزن قصر الخليفة يوفرون كميات كبيرة من السكر ، والدقيق من أجل صناعة الحلوى الرمضانية مثل القطايف ، والكنافة .

اقرا ايضا:-

أغرب العادات فى رمضان 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا