مقالات

الهجرة..الكابوس الذي يتمناه كل شاب

كتب حازم الكرماني

منذ ميلاد الإنسان، يجد نفسه في مرعي أهله الذين في الأغلب مايكونوا متوسطي الدخل، ويعيش الإنسان حياة الطفولة في راحة بال لا يحمل هم الغد، حتى يبلغ سن المراهقه ويجد نفسه في احتياج شديد للمزيد من المال، ولأن أسرته تكون متوسطة الدخل تستطيع أن توفر له الاحتياج حتى يبلغ الرشد، وفي رشده يكون قد أتم تعليمه وبدأ في الاندماج في المجتمع ويخرج من مرعي أهله بالتدريج حتى ينفصل عنهم تمامآ في مرحلة الشباب الذي يكون قد اكتمل وعيه فيه ويبدأ في اختيار مهنة مناسبة له ولشغفه ويترتب علي هذا الشغف التعليم والكلية التي يختارها حتى يتخرج منها ويمارسها كمهنة تجلب له رزقه وقوت يومه، تستمر حياته ويتزوج ويتدرج في مناصب مهنته علي حسب كفائته وينجب طفلاً يعيد هذه الدورة مره أخرى
ولكن كيف تحولت هذه المطالب التي تعتبر من أساسيات الحياة إلي حلم بعيد المنال ومستحيل الوصول!؟

ضحايا الفساد البشري 

منذ قيام الدول و بدء تأسيس المؤسسات التي هدفها تنظيم خدمة الشعب، وارتكب الإنسان أخطاء كارثية أهمهم هو إعطاء المناصب العليا للأقارب وعديمي الكفاءة، وهو ما كان له أثر رجعي امتد حتى يومنا هذا، لأنه أدى إلى ظهور ظاهرة الفساد الاجتماعي، وأصبح من المتعارف عليه أن من يتولى المناصب العليا في الدولة و مؤسساتها اصغرها قبل أكبرها الاقارب والاصدقاء والمعارف، ايضا ادي نفاذ الموارد الطبيعية علي الارض إلي انخفاض أجور العمال والفلاحين والموظفين مما أدى إلي ظهور ظاهرة الرشوة وهو ما يجعل الأغنياء فقط من يستطيعون أن يستهلكوا ما يشائوا عن طريق المال و ايضآ ظهور مدارس وجامعات التعليم العالي ولكن في الواقع هو التعليم الغالي، فلا يدرس في هذه الجامعات إلا الأغنياء أصحاب رؤوس الأموال العالية، وهذا الفساد الاجتماعي السبب الأول والأخير فيه هو أولياء الأمور الذين لم يستطيعوا توفير مطالب أبنائهم ولم يستطيعوا إدارة البيوت بشكل صحيح ورغم ذالك مازالوا يديرون البيوت حتي يومنا هذا وهو ما يجعل الفساد أمر قابل للتمدد والانتشار بشكل اكبر

وهذا الفساد لم يكن ضحيته عشرات الشباب أو حتي الآلاف بل إن ضحيته تتجاوز الخمس أجيال، أجيال بها من الشباب العبقري والطموح الملايين منها وبها من الكفاءات المهملة الكثير والكثير، وادي هذا الفساد إلى لجوء الشباب إلى الحل الأمثل بالنسبة لهم وهي الهجرة إلى مكان أخر يقدر جهودهم وكفاءتهم وعبقريتهم بالشكل الصحيح المناسب
وهنا ظهرت ظاهرة الهجرة التي أصبحت حلم كل شاب طموح

“البلد دي احسن من غيرها”

ومن العجيب أن من كان يلجأ إلى الهجرة ويسافر كان يتفوق وينجح نجاحاً رهيب، مثل الدكتور أحمد زويل، والدكتور مجدي يعقوب، والكثير من الأمثلة التي تدعونا للتساؤل
ما الذي يوجد بالخارج لا يوجد لدينا!؟
الغريب أن إجابة هذا السؤال تحمل بعد فلسفي
فهذا المكان حقا أفضل من كل أماكن العالم من حيث الموارد و الموقع الاستراتيجي و كثرة المهن، ولكن في نفس اللحظة لا تستطيع أبدا أن تتفوق على أماكن العالم الأول، ورغم تفوقها عليهم في كل هذا تظل مكان عالم ثالث!!

وهذا لأن أماكن العالم الأول لا تهتم بالموارد بقدر اهتمامها بالإنسان، تفكر دائما في تأهيل إنسان متقدم فكرياً وتصنع له بيئة مناسبة للعمل حتى يستطيع إخراج أفضل ما يمكنه إخراجه، وهذا ما يجعلها رغم فقر مواردها إلا أنها أماكن متقدمة، وهذا ما يجعل الشاب يفكر في الهجرة إلي هذه الأماكن

المزارع الطموح والأرض البور

في مكان زراعي متطرف من أحدي البلاد عاش رجل هو وزوجته وطفله حياة هادئة، وكان الرجل يحب الزراعة لدرجة كبيرة، وكان يقرأ ويبحث كيف يتطور في الزراعة ويخرج محصول اكبر كل سنة، وكان هناك تاجر من المدينة يأتي كل سنة ليأخذ منه المحصول ويدفع له ثمنه، ولكن في يوم من الأيام جاء رجل غريب يشبه التاجر، واتضح أنه أبن التاجر، وكان أبن التاجر رجل غليظ غبي يعيش علي نهب وسرقة مجهود الآخرين وكان ذو طبع ماكر وخبيث وتنعكس صفاته على وجه يظهر بوجه قبيح و كان يبحث سعر المحصول حتى أخبره المزارع أنه لن يعطيه المحصول في هذه السنة، فغضب منه الفتى الغليظ وقرر الا يأخذ المحصول فقط بل اقسم أن يأخذ الأرض

وفي ليلة ضبابية جاء التاجر مع مجموعة مخربين وقطاع طرق وهاجم القرية و أحرق المحصول بالكامل وأخذ من الحيوانات اقواهم وأحسنهم، وترك رسالة للمزارع يخبره أنه إذا لم يبع له الأرض سوف يحرق المحصول في كل سنة، فما كان من المزارع إلا أنه باع الأرض للفتي الغليظ و عاش في أرضه كأنه غريب وبات يعمل لدى الفتى الغليظ بمرتب ضئيل جدا جدا وظل الرجل هكذا حتى مات حزينا، وقد أوصى ابنه أن يسترجع الأرض، وظل ابن المزارع يخطط و يفكر كيف يسترجع الأرض، وبعد محاولات كثيرا استرجع الأرض اخيرآ، ولكنه بعد ان استرجعها كان قد نسي أنه مزارع ابن مزارع، وأصبح أجهل الناس بزراعة الأرض، مما أدى إلى بور الأرض وفسادها، وأصبحت غير صالحه حتي للحياة،وظل الرجل يحاول أن يزرع هذه الأرض طوال عمره حتى أنه تزوج وقد خلف ولدا طموح جدا، احب الاولاد الزراعة عكس أبيه كان يحب قراءة كتب جدة التي قد غرقت في التراب والعفن من قلة الاستخدام وحين بلغ الشباب بدأ في تطبيق نظريته هو وجده ولكن…

قد فات الاوان وبارت الأرض لأن أبيه لم يكن في نفس مهارة جده في الزراعة، فقد كان أبوه لا يزرع الأرض إطلاقآ بل كان منشغل في الحروب والنزاعات مع التجار وبدء يصبح مثلهم ونسي الزراعه تمامآ مما ادي إلي بور الأرض
ووجد الحفيد نفسه في أرض بور…لا تصلح حتي للعيش فيها
وأبسط الأمور التي يريد أن يقوم بها أصبحت مستحيلا
وكان أمامه خيارين إما ان يظل يحاول استصلاح الأرض أو أن يترك المزرعه ويبحث عن أرض أخري تحتوي ذكائه و نظرياته في الزراعة
واختار الصبي الحل الأخر، وذهب يبحث عن أرض
وعندما وجد الأرض المناسبة…..ظهر رجل يبدو عليه التقدم في السن والتفتح في العقل، ولكن وجهه كان قبيح وظهر أنه يحتوي افكار الحفيد ويطورها، وعمل لديه بأجر ضئيل جدا لكنه شعر بالسعادة في وسط المزرعة الكبيرة التي كانت مليئة بالشباب من جميع جهات الدنيا الاربعة

وعاش الحفيد وتزوج وأنجب أطفال تظن أن هذه الأرض أرضهم، وهم لا يعلمون أن صاحب المزرعة هو الفتى الغليظ الذي كان السبب في أن تبور الأرض ويموت الجد ويضيع الابن والحفيد !!

الخلاصة

قد أصبح شبابنا مغيب لا يعلم أن السبب الرئيسي في ضياع أحلامهم و فقر مكانهم وضياع ثرواتهم هم أنفسهم الذين يريدون اليوم أن يعيشوا معهم ويعملوا لحسابهم، والحل يجب أن يكون من المكان عن طريق محاربة الفساد وإصلاح المؤسسات والخاصة وإصلاح التعليم وتعيين الكفاءات في المناصب العليا، وهذا هو الحل الطبيعي الذي يلجئ إليه أي مكان يريد أن يصبح مكان عظيم !!

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا