الخشب في مصر القديمة
بقلم الباحث : محمد حمدي محمود
لقد أستغل المصري القديم ثروة الأخشاب المتوفرة بكثرة في مصر منذ أقدم العصور في إقامة بعض منشأتهم ، وفي تطوير الصناعة ، وأدخلوا الخشب في صناعة بعض الأدوات التي تُستخدم في الحياة اليومية ، فكان المصريون القدماء من ضمن أوائل الشعوب التي استخدمت الأدوات الخشبية ، كما أدخلوا الخشب في الكثير من الصناعات ، والاستخدامات فسقفوا المنازل ، والمقابر به كما استخدموه في صناعة ، والسفن ، والتوابيت ، والتماثيل ، والصناديق ، والأثاث المنزلي ، وبعض قطع الأثاث الجنائزي ، والعربات ، كما صنعوا منه بعض الأسلحة والمعدات ، واللعاب .
فالأخشاب هي أحد الموارد الرئيسية الطبيعية التي أعتمدت عليها الحضارة البشرية في مهدها في الكثير من الأغراض مثل الصناعة ، والبناء ، والوقود وذلك بسبب ما يمتاز به من القوة والصلابة ، وأشكاله المتنوعة ، وخفة وزنة مقارناً بالأحجار ، والمعادن .
أستخدم المصري القديم انواع متعددة من الأخشاب في الكثير من الأغراض بسبب ما يتميز به الخشب من تنوع الخصائص ومن أمثلة هذه الأنواع :
خشب السنط :
فقد ذكرت المصادر القديمة أن وادي النيل قد حوي علي الكثير من أنواع الأخشاب المحلية مثل خشب السنط الذي كان يُستخدم في صناعة قوارب النقل لما يتميز به من القوة والصلابة ، والدليل علي مدي الأهمية الكبرى لخشب السنط انه ذكر في الكثير من حوليات ، ونقوش الدولة القديمة ، وكذلك ذكر في كتابات المؤرخ ” هيرودوت ” أما عن المناطق التي كان خشب السنط يُجلب منها فكانت منطقة ” حتنوب ” في مصر الوسطي ، و” بلاد النوبة ” في الجنوب .
خشب نخيل البلح :
كما أستخدم المصري القديم خشب النخيل الذي كان يزرع بكثرة في كل أرجاء مصر منذ أقدم العصور ، وكان هذا النوع من الأخشاب يُستخدم في الكثير من الأغراض مثل صناعة الدعامات ، والعوارض ، وأسقف الغرف في المنازل ، والمعابد ، والمقابر وقد عثر علي بقايا لبعض مصنوعات خشب النخيل في منطقة الواحات الخارجية تعود للعصر الحجري القديم .
خشب الجميز :
ومن أهم أنواع الأخشاب أيضاً التي أستخدمها المصري القديم خشب الجميز وقد أستخدم هذا النوع من الخشب في صناعة التوابيت ، والتماثيل ، وقطع الأثاث نظراً لسهولة تقطيعه وتشكيلة إلي جانب كبر حجمة ، وتُعتبر شجرة الجميز من أقدم أنواع الأشجار التي كانت تزرع علي أرض مصر ؛ حيث اعتبرها المصري القديم من الأشجار ذات القدسية الكبيرة ، فكان يتم رسمها علي جدران المعابد ، فكان لدي المصري القديم اعتقاد بأن الإلهه ” حتحور ” قد تقمصت دور شجرة الجميز من أجل إطعام وسقاية المارة ، والموتى في المقابر في العالم الأخر ، كما رسمت شجرة الجميز في النقوش التي تمثل تقديم القرابين ، وقد أعتقد المصري القديم بأن التابوت الذي دفن فيه الإله ” أوزوريس ” قد صنع من خشب شجرة الجميز .
خشب الأرز :
ومن أهم أنواع الأخشاب أيضاً التي أستخدمها المصريين القدماء خشب الأرز ؛ حيث ذكرته المصادر القديمة باسم ” عش ” ، وقد ذكر هذا النوع من الخشب في متون الأهرام ، وأعتبر المصري القديم هذه الشجرة مقدسة بسبب ارتباطها بالمعبود ” أوزوريس ” مثلها مثل شجرة الجميز ، وكان هذا النوع من الخشب يتم استيراده من خارج مصر وبالتحديد من بلاد فينيقيا .
وقد كان خشب الأرز يتميز بالقوة ، والمتانة ، ومقاومة عوامل التلف لذلك أستخدم في صناعة الأبواب ، والسفن التجارية ، وأثاث القصور الملكية ، والمعابد كما صنعت منه المقاصير التي كانت تستخدم لوضع التماثيل ، والتوابيت وذلك بسبب توفره بالكثير من الأحجام ، والقطع الكبيرة التي تناسب هذا الغرض .
خشب الأبنوس :
كما أستخدم المصري القديم خشب الأبنوس الذي كان يمتاز بالصلابة العالية إلي جانب الملمس الناعم عند الصقل ، واللون الأسود ؛ حيث كان يُستخدم في صناعة الصناديق ، والتوابيت ، والتماثيل ، والعصي كما أستخدم لكسي وترصيع المنتجات الثمينة ، وكان هذا النوع من الخشب يتم جلبة من جنوب مصر عن طريف بلاد النوبة والممالك الجنوبية ، ولكنة كان يتم زراعته في البلاد ذات المناخ الحار مثل بلاد الهند ، وغرب إفريقيا .
وإلي جانب كل هذه الأنواع من الأخشاب أستخدم المصريون القدماء انواعاً أخري من الأخشاب مثل خشب العرعر ، والبلوط ، والسرو ، والصنوبر ،والسدر الجبلي ، والدردار .
وقد تميزت الحضارة المصرية القديمة بالمصنوعات الخشبية الغاية في الروعة والجمال ولعل خير مثال علي تلك الكنوز الخشبية التي تظهر إمكانيات وهيئة تلك الصناعة مجسم ورشة النجارة التي تم الكشف عنها في في مقبرة الأمير : مكت رع ” في الدير البحري بمحافظة الأقصر والتي يعود تاريخها لعصر الدولة الوسطي وهي الأن محفوظة داخل جدران المتحف المصري بالقاهرة ؛ حيث يوضح هذا المجسم الصغير ورشة النجارة الكبيرة التي كانت تحتوي علي العديد من أدوات النجارة ، والنجارين الذين كانوا يقومون بأعمال تقطيع وثقل الخشب بالحجارة تمهيداً لاستخدامه في صنع العديد من المنتجات الخشبية .
وقد وصل النجار المصري القديم لمراحل متطورة في الصناعات الخشبية من حيث نحت وتعشيق وصنع الوصلات ذات الألسنة المثبتة بالأوتاد وذلك في عصر الدولة القديمة ، كما وصل لمراحل متقدمة في فن تلوين الصناعات الخشبية ‘لي جانب تزينها بالمعادن ، والأحجار الكريمة ، والزجاج الملون ، والعاج إلي جانب إضافة بعض قطع الذهب ، والفضة مما أدي لتحويل المنتجات الخشبية المتواضعة إلي منتجات ثمينة قيمة يحرص المصري القديم علي اقتناؤها والحفاظ عليها .
