التاريخ والآثار

ومن الحب ماقتل

✍️ناريمان حامد

 

الحبُّ ليس روايةً يا حلوتي.. بختامها يتزوج الأبطالُ، لكنه الإبحار دون سفينةٍ وشعورنا أن الوصول مُحال.” _نزار قبانى
وهذا ما سيتضح لنا خلال حكايتنا ..

ومن الحب ماقتل
ومن الحب ماقتل

 

_استعد لنركب ألة الزمن لنعود سوياً إلى عام 130م أثناء فترة حكم الإمبراطور “هادريان” وبالتحديد في قصر “إيزادورا” المطل على النيل بمدينة أنتنيوبولس “الشيخ عبادة حالياً” حيث كانت تعيش فتاة إغريقية شقراء فاتنة الجمال في عمر الزهور وهي “إيزادورا”، وكان أبوها حاكماً للإقليم المعروف حالياً بمحافظة المنيا ..

 

ومن الحب ما قتل
ومن الحب ما قتل

 

_كانت حياتها هادئة تماماً حتى انقلبت رأساً على عقب عندما خرجت من مدينتها عبر النهر إلى مدينة خمنو “الأشمونين حالياً” لتحضر أحد الاحتفالات الخاصة بـ”تحوتى” رمز الحكمة فى مصر القديمة ..

وهناك تعرفت بالصدفة البحتة على ضابط مصري وسيم يُدعَى “حابي”

ووقعوا بالحب من أول نظرة ولكنه كان من أبناء عامة الشعب ولا يليق لابنة الحاكم ذات الأصول الإغريقية العريقة، فلا يوجد أي وجه للمقارنة بينهما من حيث المستوى ورغم ذلك قال الحب كلمته وساقها القدر لتقابل حبيبها ولكن من يدري ماذا تخبئ لهما الأيام والليالي!! فالحياة لاتصفو دائماً للمحبين ..

 

_وبرغم كل العلامات التي تخبرها بأن حبها من المستحيل إن يكتمل، تعلقت به إيزدورا حتى أنهما كانا يتقابلان كل ليلة على شاطئ النيل بجوار قصر أبيها.

ثلاث سنوات مضت هي أجمل ما في حياة حابي وإيزادورا ..ثلاث سنوات من الحب والسعادة..

 

_وبعدها خيم الحزن والحرمان على الحبيبين، وباعدت بينهما الأيام عندما عرف والدها أنها وقعت في غرام شخص من أحد العامة؛ فعاقبها أشد عقاب وأمر بحبسها في غرفة أسفل القصر بجوار غُرف الخدم، وآمرهم بمراقبتها وقرر أنها تتزوج من شخص آخر يليق بمستواهم .. وانقطعت الصلة بينها وبين حابي..

ومن الحب ماقتل
ومن الحب ماقتل

 

_وخيم الحزن على حياتها، لكن بعض من الخدم أشفقوا على حالتها وحاولوا مساعدتها في الهرب إلى حبيبها.. وعندما علم والدها بفقدانها في القصر أمر بالبحث عنها، وأمر أيضاً بقتل حابي ..!
لكنها عندما علمت بذلك قررت الرجوع إلى القصر حتى لايؤذي والدها حابي ..الذي رفض ذهابها بمفردها، ولكن أصدقائها من الخدم أقنعوه بأنها إذا ذهبت تستطيع تهدئه والدها وتجد طريقه لأقناعه ثم قالت إيزادورا كلمتها الأخيرة له:

“لاتَخَف سنجتمعُ ولو بَعدَ حِين!”
ونظرت إلى صديق حابي وقالت له:
“اخْفِ حابي عن الأعينِ لهذا اليومِ فقط .. إما غداً فدَعْهُ .. لنْ يضرَّه شيء”.

ثم ذهبت إيزادورا بقاربها في النهر وقررت إنهاء حياتها بهذه البساطة، وهُنا صدق شكسبير:
“ما الحب إلا جنون!”.

_وعندما علم والدها الذي عاش يحارب الحب فماتت هي شهيدته! إنهار وندم على مافعل وعلى فقدانه لابنته الوحيدة.. وقرر بناء مقبرة لها لم يرَ مثلها إنسان وكتب على مقبرتها هذا الرثاء:
«أيتها الصغيرة الجميلة، أيتها الطيبة البريئة، والزهرة الناضرة، التي ذبلت في ربيع العمر، يا ملاكي الطاهر الذى رحل دون وداع»
وهذا آخر ما دون باليونانية على جدران مقبرتها التي تقع بقرية تونا الجبل بمحافظة المنيا، التي تضم مؤمياء الأميرة إيزادورا، أول شهيدة للحب في التاريخ، وكانت هذه الكلمات رثاء الأب الذي حرم أميرته الصغيرة من حق الحب والحياة.

 

_أما حبيبها فظل مخلصاً ووفياً فكان يذهب كل ليلة يشعل شمعة بداخل مقبرتها حتى لا تبقى روحها وحيدة وظلت جثتها محنطة وموضوعه على سرير رخامى أبيض حتى الآن!

 

_وعندما علم عميد الأدب العربي “طه حسين” بقصتها أثناء وجوده في إستراحة بمنطقة تونا الجبل بجوار مقبرتها، فظل كل يوم أثناء إقامته يوقد لها شمعة مثلما كان يفعل حبيبها حابى .. بل كتب في هذه الإستراحة روايته الشهيرة دعاء الكروان، وذكر أنه مثلت بعض لقطات الفليم فى إستراحة د. سامى جبرة، كبير مفتشي الآثار بالمنطقة ومكتشف مقبرة إيزادورا.

ومن الحب ماقتل
ومن الحب ماقتل

 

_ في النهاية، تمت سرقة الكنوز والمقابر الفرعونية على مر العصور، ولكننا لم نسرق منهم إبداعهم وأسرارهم.. سرقناهم شخصياً ولكننا لم نسرق أساطيرهم وقصصهم التي نحكيها لأولادنا .. لم نسرق بطولاتهم أو مشاعرهم .. انتصاراتهم أو هزائمهم .. تشتتهم أو اتحادهم .. حبهم أو كراهيتم.

 

المراجع المستخدمة:
1- آثار مصر في العصرين اليوناني والروماني، عزت زكي.
2- إيزادورا ثنائية الحب والخلود، سلوى محمود.

اقرا ايضا:-

دور المرأة ومكانتها فى المجتمع المصري القديم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا