التاريخ والآثار

حرخوف” حكاية أول مستكشف في التاريخ القديم

 

 

كتبت ميرنا محمد مرشده سياحيه

منذ العصور القديمة ، ومصر أقدم دولة مركزية في العالم منذ توحيد القطرين على يد الملك “نارمر” (مينا).وكان من الطبيعي والحتمي أن تستكشف مصر البلدان من حولها ، وخاصة جيرانها في الشمال والجنوب والشرق والغرب ومن أهم المناطق التي أراد المصريون القدماء السيطرة عليها وتنظيم التجارة معها وحتى بناء جسور العلاقات بينهم هو بالتأكيد امتداده الأفريقي ، لذلك انطلق المصريون في مغامرات. في أدغال إفريقيا الواحدة تلو الأخرى ، وأخبرونا عن مغامراتهم وقصصهم العجيبة في ذلك البلد البكر. ومن أشهر هذه المغامرات رحلة الرحالة المصري “حرخوف

 

حرخوف الرحالة المصري حيث كان لا يعود من ذات الطريق الذي سلكه في الذهاب، فالمغامرة السهلة لم تكن تشوقه، لذلك كان يسلك طرقا عدة ، رغم مشقة الطرق ووعرتها حيث كان من أوائل المصريين الذين اكتشفوا إفريقيا المجهولة وربما يكون أول طفل مصري يقوم برحلة مع والده نحو إفريقيا، ثم قام بعدها بعدة رحلات في شبابه نحو إفريقيا، منها رحلة للصحراء الغربية، حيث اهتم المؤرخون أن “حرخوف”يسير وفق طريقة علمية في الرحلات الجغرافية.

 

” لقد أعطيت الخبز للجائع وكسوت العاري وأعطيت قارباً لمن لا قارب له ” من نصوص مقبرة حرخوف

لكن من هو حرخوف؟ ومتي عاش؟وكيف قام برحلاته؟

الرحالة حرخوف” من الأسرة السادسة

إسمه بالهرغليفيه هو “حر-خو.اف” ويعني الإله حورس يحميه, هو أحد مواليد “إالفنتين” (في أسوان حالياً) وواحد من أعظم حكامها في التاريخ المصري, خدم “حرخوف” في عصر الملوك “مرنرع الأول” و”ببي الثاني” آخر ملوك الأسرة السادسة والدولة القديمة,

وكان يحمل رتبة: “قائد الفرق الأجنبیة”. وقام بعدة رحلات إلى مناطق الجنوب، بأمر من الملك “مرنرع “فى التوسع والعمل على اكتشاف البلاد الواقعة إلى الجنوب من مصر، وإقامة علاقات وطيدة معها، وفى عصر هذه الأسرة امتدت عمليات التوغل المصرى حتى دنقلة، ومن خلالها استطاعت مصر الاتصال بأعماق إفريقيا، وكان حرخوف أحد أبرز المستكشفين المصريين فى ذلك العصر، وقد سجل رحلاته على جدران مقبرته التى دفن بها فى أسوان.

 

  يذكر لنا “حرخوف” بخصوص رحلته

“إن جلالة الملك مرنرع، سیدى، بعثنى مع والدى، الصديق الأوحد، الكاھن – المرتل إيرى إلى بلاد إيام للتعرف على طريق ھذه المنطقة، حیث جُبت أنحاءھا فى سبعة أشھر، وأحضرت منھا .” كافة المنتجات البديعة النادرة، وقد كوفئت بمكافأة سخیة وھا ھو “حرخوف”، باعتباره “قائد أعلى أوحد للحملات “، ينطلق فى رحلته ا لثانیة، حیث اتخذ الطريق الموازى للوادى. “جلالته أرسلنى مرة ثانیة بمفردى. وتقدمت صاعدا من خلال طريق إلفنتین. وھبطت إلى بلاد “إرثت” (وتعرف باسم مخر، وتررس، وإرثتى)، فى خلال ثمانیة أشھر . ونزلت، وأحضرت معى منتجات مستمدة من ھذه المنطقة بكمیات ھائلة، والتى لم يحضر أبدا مثیلا لھا من ھذا البلد قبلا .

لكننى نزلت ومعى ثلاثمائة حمار محملة بالبخور، والأبنوس، وزيت الحكنو، وحبوب سات، وجلود الفھود، وأنیاب الفیلة، وأخشاب من أجل صنع الرماح؛ وكافة الأشیاء البديعة القیمة،

وعلى مدى ثلاث مھمات، أو ربما أربع، نتبعه، فى عدة مناطق بالنوبة، على جانبى النیل؛ وربما أكثر تعمقا. بعد ذلك، تقدم نحو الجنوب إلى بلاد “إيام”: حیث كانت حضارة “كرما “؛ ثم مملكة “كوش “.

وقد يلاحظ أيضا أن أحد الطرق التى سلكھا “حرخوف” ھى “درب الأربعین” الشھیرة (سكة الأربعین يوم). وھى تؤدى، من مصر، إلى “دارفور”.. بلا ريب إذن أن السرد الذى قدمه “حرخوف”، ھو بمثابة وصف من جانب أحد الرحالة المستكشفین، الذى يتمیز بالشجاعة والفطنة والتمرس . إن ھذا النص، يعتبر، بلا أدنى شك، من أكثر النصوص قدما وعراقة فى العالم أجمع . وھو يعطینا لمحة . مباشرة عن العلاقات القائمة وقتئذ، بین الملك “مرنرع” والأمراء النوبیین

 

تم ذكر سرد مسيرة حرخوف من خلال صلاة القرابين والدفن الجيد، وقائمة الفضائل – المكونات المعيارية للسيرة الذاتية للمقبرة. منحوتة على السطح الخارجي للحجر الناعم المتقشر للمقبرة ثمانية وخمسون سطراً. تم بناء مقبرة حرخوف في مقابر قبة الهوا، اكتشفها وفحصها في عام 1892 من قبل إرنستو شياباريللي. منحوتة من الصخرة، توجد غرفة مساحتها 25 مترًا مربعًا بها أعمدة عند المدخل سجل فيها سردًا تفصيليًا لحياته وأسفاره وألقابه، بالإضافة إلى الرسالة التي أرسلها بيبي الثاني بعد رحلته الرابعة.

حين علم بيبي الثاني أن حرخوف عاد من هذه الحملات محملا بشحنات كبيرة من المنتجات الأجنبية مثل البخور والأبنوس وجلود الفهد وسن الفيل، وكذلك قزم راقص، وعندما علم بيبى الثانى بوجوده فى إحدى الحملات عن طريق العودة لم يستطع أن يخفى تشوقه، فوجه إلى حرخوف مرسوما نسخه هذا الرحالة ضمن سيرته الذاتية حيث أمره بإلحاح بأن يصحب هذا القزم إلى مقر الحكم بالعديد من الاحتياطيات الواجبة حول هذه الشخصية الأثيرة قائلا له: «إذا نزل معك على السفينة فضع أشخاصا أكفاء حوله فى جانبى السفينة حتى لا يسقط فى الماء، وإذا نام الليل فعين رجالا أكفاء ليناموا حوله فى حجرته»، وهذا القصة الغريبة حول القزم وحرخوف نُقشت كاملة على أحد جدران مقابر البر الغربي بأسوان، ولا تزال حتى الآن شاهدة على عظمة وحضارة قدماء المصريين.

 

ولقد سبق الرحالة حرخوف الكثير من المغامرين المصرين الذي قاموا برحلات نحو إفريقيا مثل مخو، والرحالة سابني، وقد كانوا يعودون بالبخور والعطور وسن الريش وريش النعام، وبعد عصر حرخوف اتجهت الرحلة التي جهزتها الملكة حبتشوت نحو إفريقيا والمسجلة علي جدران معبدها بالدير البحري، إلا إن حرخوف الذي تولي منصب القائد العسكري للجنوب ومدير كل البلاد الأجنبية في الجنوب كان شغوفا جدا بنهر النيل والروابط التي تربط المصريين بالنهر وإفريقيا مثل معظم المصريين، ورغم أنه توغل في إفريقيا كثيرا إلا إنه كان حين يعود لمصر يطلب من المسؤلين العودة ثانية من خلال النهر نحو إفريقيا، فيسلك الطريق نحو إلفنتين بأسوان ويتوغل جنوبا وكان في الطريق يسجل كل مشاهداته، وكان يقضي في الجنوب نحو 8 أشهر في كل رحلة وقد كان الناس في مصر القديمة يصغون لكلامه، وهو يتحدث عن مغامراته.وصلتنا قصصهم فى نقوش متعددة تسجل صفحات مضيئة من قصة الحضارة المصرية العظيمة، وارتباطها الوثيق بنهر النيل وبقارتها الإفريقية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا