التاريخ والآثار

الثأر العباسي

كتب: عبدالعزيز مصطفي

 

لطالما قال العرب قديما أن الضربة التي لا تقصم ظهرك تقويك و لربما كان للدولة العباسية التي أنا بصدد الحديث عنها نصيب كبير بضربات لا تقسم الظهور فقط بل تهدم الجبال منذ كانت دعوة بالمهد لكنها خرجت من كل ذلك أقوي من من ذي قبل بكثير حتى علت شوكتها و صارت قوة ضاربة تناطح سيوفها أعداءهم إلى حد قد لا يتصوره أحد.

الثأر العباسي
الثأر العباسي

 

و لكن متى أصبح لبني العباس ثأر عند سابقيهم بالملك ؟

 

للإجابة علي ذلك السؤال علي إعادة تناول قيام الدولة العباسية بشكل سريع لمعرفة تفاصيل تلك الوقائع التي هي أساس حديثي اليوم أولاً الدولة العباسية أو الدعوة تلك التي أسسها رجالٌ من سلالة عم الرسول العباس بن عبد المطلب، أصغر أعمام النبي الكريم وقد اعتمدت دعوه العباسيون في تأسيس دولتهم المستقلة على جند و قادة من الفرس الناقمين على الأمويين؛ حيث استبعدوهم من كل مناصب الدولة والمراكز الكبرى المهمه ، بينما اختُصَّوا بها العرب وحدهم ، كذلك استمال بني العباس في دعوتهم الشيعة العلوية للمساعدة على زعزعة كيان الدولة الأموية ويمكن إرجاع نضوج الدعوة العباسية إلى مؤسسها الفعلي الداعية محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، وابنه إبراهيم الذي سجنه و نكل به آخر الخلفاء الأمويين مروان بن محمد في مدينة حران ثم قتلة في عام 746م، فتولى من بعده أخوه أبو العباس شؤون الحركة العباسية كلها ليرث الدعوة و الثأر لاخية و أمامه إبراهيم و لكل بني العباس الذي نكل بهم منذ عهد هشام بن عبد الملك بن مروان و حتي مروان بن محمد ، فتخذ أبو أبو العباس لنفسه لقب السفاح و عن جدارة لكثرة الأهوال التي فعلها قبيل انتصارة علي مروان بن محمد و قتلة في مصر فما أن دانت زمام الأمور للعباسيين حتى فعلوا مقاتلة عظيمة، راحوا يبحون فيها دماء بني أمية في شتى بقاع المعمورة؛ فلم يكفيهم مقُتل قرابة الـ300 رجل أموي في معركة الزاب.

 

أباح بعدها القائد العباسي، عبدالله بن علي، مدينة دمشق للجيش العباسي المنتصر فور سقوطها و قد ظلت دمشق يسمع فيها صرخات أمراء البيت الأموي لساعات طوال، فقتل خلال تلك الساعات كل مَن وجدوه الجنود من الأمويين ومعاونيهم، و قد استعانوا خلال تلك المذبحة بمرشدين من أهالي دمشق كان أشهرهم هو عبدالله بن عُمر الجُمحي الذي كان من بين الذين يعرفون أماكن دور بني أمية، و قد اقتحمت من قبل جنود القائد ابن علي، فلم يتركوا أمويّاً بها وجدوه حياً إلا وقتلوه شر قتلة و نكلوا به و لم يكتفِ العباسيون بذلك، وإنما انتشروا في أرجاء البلاد المجاورة، يتقصّون اي أثر لأموي نجح في الفرار مسبقاً من دمشق، و ساعدة حظة بالاختباء هنا أو هناك و قد قُتل ثمانين امير أمويّاً في مذبحة جديدة نفذها جنود ابن علي قرب نهر أبي فطرس بحدود بفلسطين، تبعها مذبحة مروعة أخرى في قرية بوصير المصرية خلال أحدي محاولات الفرار ، قُتل فيها أبرز رجال الأمويين في مصر، تلاها مقتلة عظيمة لكنها هذى المرة ارتُكبت بحقِّ أتباع الأمويين في مصر الذين كان بعضهم من أهلها بالاصل ، و منهم الذين أُخرجوا من ديارهم وسُجنوا في حصن قلنسوة بفلسطين، حيث قُتلوا جميعاً.

 

ولم ينج من تلك الفظائع في مصر إلا أبناء الخليفة الأخير الذين أودعوا في السجن، ونساؤه اللائي لم يُمسسن بسوء، وأطلق سراحهن و عادوا إلي دورهم مره أخري أما العراق، فقد لجأ عددٌ من الأمراء الأمويين كان على رأسهم سليمان بن هشام بن عبدالملك و هو بطلب العفو من الخليفة أبي العباس السفاح، فوافق على منحهم الأمان في بداية الأمر، إلا أنه تراجع عنه لاحقاً وأمر بإبادتهم جميعاً بينما كانوا يأكلون معه بل و جعل شاعراً يدخل عليه و يلقي علي أبيات لطلب الثأر كي لا تأخذه بهم اي رأفه كما فعلوا باخية الاكبر ، كما نُكّل بأمويي مدينة البصرة، وألقاهم العباسيين في قارعة الطريق، وامتدَّت ايدي الملاحقات حتى بلاد الحرم مكة والمدينة، وقُتل أغلب من لجأ لها من الأمويين إلى المدينتين المقدستين عند المسلمين و كان عقابة لا يختلف عن غيره من ابناء عمومتهم في باقي الدول التي سيطر عليها العباسيين.

 

بعد تلك الوقائع بات الأهالي في الثغور يتقرّبون للحُكام الجدد بقتل الأمويين الفارين من تحت ايديهم، مثلما فعل رهط كبير من قبيلة كلب عياض بالأمير الأموي عنبسة بن عبد الملك، فور عثورهم عليه هائما علي وجهه في بادية الشام، فقتلوه وأذاعوا النبأ فرحين للخليفة أبو العباس في تفاخر غريب و في الحديث عن الأمويين في دمشق.

 

كان لا بدّ من الاعتراف بالظلم المروّع الذي حلّ بهم، كفصيل إنساني فقت فلم يكن بعض خلفاء بني أمية يختلفون عن بني العباس في البطش إلا أنهم كانوا أضعف و لكن و مع التنكيل بهم عاش العالم الإسلامي لفترة من الزمن، مع تياراً دموياً، اعتبر أن الدعائم الأولي و الأساسية لبناء دولة بني العباس يجب أن تُروَى بدماء أمراء بني أمية و هنا اتسعت دائرة العقاب رويداً رويداً، ولم تعد تشمل الأحياء فحسب، بل الأموات أيضاً. بعدما نُبشت قبور خلفاء البيت الأموي؛

 

كان أول القبور قبر معاوية و لم يجدوا بالقبر شئ كما قيل غير شعره بطولة بالقبر و بعده كان قبر ابنة يزيد و حرقت عظامة وعبد الملك و لم يجدوا منه غير جمجمة رأسه فحرقت مع عظام أبناءه والوليد وسليمان.

 

و أما قبر هشام بن عبدالملك فقد عثر فاتحين القبر على جثته صحيحة البدن لم يتلف منها شئ غير انفه حتى مع مرور عشر سنوات على موتة ، هنا تذكر الجميع أمر هشام بتعليق أحد أحفاد الحسين بن علي بن أبي طالب بعد موته و جلدة فكان الأمر و العهدة علي من أوصل تلك الحكايات.

 

إنه قد علقت جثة هشام بن عبد الملك بن مروان فضُربت بالسياط عدة جلدات ثم أُحرقت، وكان القبر الوحيد الذي نجَى من هذا التنكيل هو ضريح عمر بن عبد العزيز؛ الذي كان له مكانة خاصة عند المسلمين بالعالم كله و ليس بين العباسيين فقط فقد كان أول من أكرمهم.

 

بعد كل ذلك وضع العباسيون أيديهم في كل أملاك الأمويين، والتي شمل نطاقها قرى ذات عدد هائل وضياعاً وأنهراً وعيون وأراضي وأسواقاً كبيرة وقصوراً فارهة انتشرت في ربوع الدولة الإسلامية، من الإسكندرية إلى أذربيجان، وصادروا أغلبها، بما حوت من عبيد ومجوهرات وثياب، ووزعوها على أنفسهم وعلى أقرب رجالهم من الخاصة مثل أبو مسلم و غيرهم.

 

و رغم كل جهود العباسيون لاستئصال شأفة الأمويين فإنهم لم ينجحوا فعلاً في إبادتهم أو التخلص منهم جميعاً فقد تسرّب من بين السيوف المسنونة والسياط المرفوعة وأعين الجواسيس وحمامات الدماء الكثيرة عددٌ من آل أمية، أشهر هؤلاء الناجين كان عبدالرحمن بن معاوية الأموي القرشي، المعروف بلقب “عبدالرحمن الداخل” أو “صقر قريش”، الذي فرَّ من الشام إلى الأندلس، حيث أعاد ترتيب أوضاعها وأسّس فيها إمارة أموية و خلافة جديدة بزغت للنور عام 138هـ/755م، وعاشت قرابة الثلاثة قرون تحت حكمهم و منفصلة عن الخلافة العباسية تماماً لتسير كل دولة منهم في طريق أخر لم بتلاقي إلا في مصر لسخرية القدر فقد احتضنت أرضها أخر خلفاء بني أمية مروان بن محمد و ظل أبناءه يحيون بها و قد دخلها أخر الناجين من البيت العباسي ليعيد أحياء دولتهم بالقاهرة بعد فناء العباسيين بالعراق..

اقرا ايضا:-

نشأة الدولة العباسية الجزء الثاني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا