المرأة والحياة

نون النسوة لا تقبل العنف

✍️ مايا أحمد زكي

نون النسوة لا تقبل العنف فلطالما كان العنف هو وسيلة التربية وغرس القيم، والترهيب هو السائد والقسوة هي القائد، والإيذاء بكافة أنواعه هو الطريقة المُثلى لمنع الوقوع في الخطأ، هكذا تربت أجيال وأجيال، وعانت الأنفس من الصدمات، و توارثت مفاهيم العنف على مر السنين وسقط ضحيتها جيل تلو الآخر.

حتى وصلنا إلى حالة يُرثى لها، وقفنا بالفعل على شفا حفرة من نار، تكبدنا مشقة جني ثمار ما أنبته فينا الذين خلوا من قبلنا، وتلطخنا بالجرائم الناتجة عن العنف في التربية، تلك التي أنشئت جيل استلذ بسفك الدماء على صغائر الأمور، وصارت القسوة هي أصله وتكوينه، لا يجري في دمه سوى كرات عنف.

نون النسوة لا تقبل العنف
نون النسوة لا تقبل العنف

أشباه الرجال الذين يمارسون العنف

الجدير بالذكر أنه لا يصح نعت جميع الرجال بأنهم عُنُف، بل العُنُف هم أشباه الرجال، وبالتالي فإنه لا يصح أيضًا وصف جميع النساء بأنهن معنفات، وكذلك فالنماذج التي سيتم تداولها في هذا المقال هم نسبة فقط من الرجال ونسبة فقط من النساء.

نون النسوة لا تقبل العنف
نون النسوة لا تقبل العنف

بداية العنف ضد المرأة

إن للعنف أوجه كثيرة في العموم، وله وجه حاد الملامح ضد المرأة بشكل خاص، فلقد نشأت المرأة منذ طفولتها في بيئة تحتم عليها الخوف والرعب والعار من كونها أنثى، ولا يمحي التاريخ من ذاكرته مشاهد وأد الإناث وكأنهن نقمة لا يحق لها سوى الدفن حية، ثم تطور الزمن لإبقائها حية بمقابل التستر عليها وكأنها وصمة عار، تلتحف ببردة كالكفن، لا أحد يلمحها ولا يلمح طرفها أحد.

العنف الأسري ضد المرأة

ظلت المرأة لسنوات تحيا تحت مظلة العنف من رجال أسرتها بل ومن شجرة عائلتها كاملة، تخدم في البيت عنوة ولا يصدر منها أي صوت، حتى البكاء تكتمه ولا يصح لها أن تفكر حتى بإبداء رأيها في أي الموضوعات.

تعيش في المنزل كقطعة ديكور مر عليها الزمن، يتراكم عليها غبار العنف والظلم وما من أحد يزيله عنها لكي تستنشق هواء الحرية والقوة ولو للحظة، تُضرب وتُهان وتُعنف نفسيًا ولفظيًا وجسديًا في هدوء تام، وتستمر في خدمتها كآلة بالية مكسور مُحركها من العنف وسوء التعامل.

العنف الجسدي ضد المرأة

العنف الجسدي من أشهر أنواع العنف، وهو الذي يقوم فيه الرجل بالاعتداء على المرأة سواء بيديه أو بأي أداة أخرى، ومِن الرجال مَن يستخدم أدوات حادة، وفي بعض الحالات يستخدمون الأسلحة التي قد تنهي حياة المرأة أو تبقيها حية لكن مشوهة من أثر الضرب والعنف الشديد الوحشي الذي لا يمُت إلى الإنسانية بِصلة.

العنف اللفظي ضد المرأة

العنف اللفظي يُمارس ضد المرأة من الذين يمتلكون لسان سليط؛ فيقومون بنعت المرأة بأسوأ الألفاظ، والسب والشتم، وطعنها في كرامتها بالتقليل من شأنها وتحقيرها والخوض في عرضها وشرفها، وتهديد الزوج لزوجته أنه سوف يهجرها أو يطلقها أو يتزوج بإمرأة أخرى أفضل منها، أو أن يقارنها بنساء أخريات ليشعرها بألفاظه أنها أقل منهم أو أنها دون المستوى.

العنف الجنسي ضد المرأة

من أسوأ مشاهد الذاكرة لأي أنثى هي تعرضها للعنف الجنسي إذا كانت تعرضت له، وللعنف الجنسي أنواع عدة، فختان الإناث من أبشع الجرائم المرتكبة في حق الأنثى بشكل عام، وكذلك حوادث الإغتصاب، والإغتصاب الزوجي، والتحرش الجسدي، والتحرش اللفظي، ولقد صرحت منظمة الصحة العالمية في تقديرات عالمية نشرتها أن ٣٠% من نساء العالم يتعرضن للعنف الجنسي بنسبة واحدة من كل ٣ نساء، وهذا المؤشر ينذر بخطر كبير علينا التكاتف لمواجهته.

العنف النفسي ضد المرأة

العنف النفسي من أخطر أنواع العنف لأنه لا يتم ملاحظته مباشرة بل هو تلاعب نفسي عميق، حيث يقوم الرجل بإقناع المرأة أنها هي منبع ومصب كل المشكلات، وأنه يمارس العنف ضدها لأنها هي من تجبره على ذلك بتصرفاتها، ومن تكرار تلك التوكيدات السلبية يترسخ في عقلها الباطن أنها بالفعل مخطئة؛ فينخفض لديها الإستحقاق وتقبل الذل والإهانة لاقتناعها التام أنها تستحق ذلك العنف.

وللعنف النفسي جانب آخر حيث يقدم فيه الرجل للمرأة باقات من الاعتذارات ويفترش لها الأرض ورودًا ويذرف على أعتاب قلبها دموعًا كاذبة كدموع التماسيح، ويعدها وعودًا مُخلفة قبل النطق بها أنه لن يكرر ما اقترفه في حقها من سوء وأنه نادم ولا يريد منها سوى المسامحة وأن تمنحه فرصة ثانية

وبطبيعة الحال المرأة التي تريد الحفاظ على بيتها وعائلتها تسامح الرجل بالفعل وتمنحه فرصة ثانية، لكنها لا تعلم أن تلك الفرصة التي منحتها إياه سوف يستغلها ليُعيد ممارسة العنف المبرح الذي ينقش نقوشا غائرة من الألم في نفسها.

العنف المالي ضد المرأة

العنف المالي لم يذاع صيته بشكل كبير رغم أنه يحدث منذ سنوات طويلة، يقوم فيه الرجل بحرمان المرأة من حقوقها المالية، فيأخذ كل ما تملك من أموال كراتبها الشهري أو أموال عانت في إدخارها، أو حتى سرقة مجوهراتها وبيعها ليجني منها المال، وكل ذلك يحدث عنوة لأنه يستغل سلطته الزائفة عليها ، ويستولي على حقوقها ويهدمها أمام أعينها.

العنف الاجتماعي ضد المرأة

العنف الإجتماعي قد يراه البعض انه لا يمُت إلى العنف بصلة، وكثير من النساء يتعرضن لمثل هذا العنف لكنهم لا يدركون خطورته، لكن بالطبع العنف الاجتماعي له صلة وطيدة بالعنف بمفهومه الشائع، فحين يهين الرجل المرأة أمام الآخرين وينتقص منها ، ويحط من كرامتها أو يصفعها أمامهم كما نرى في بعض الشوارع و بعض بيوت العائلات هذا بالطبع يسمى عنف اجتماعي.

وحين يمنع الرجل المرأة من الذهاب إلى عملها أو من إثبات ذاتها لأنه ضعيف الشخصية ويخشى من قوتها، وحين يحرمها من زيارة أهلها ولقاء أصدقائها ومن تكوين علاقات طيبة مع جيرانها أو حتى أن تتنزه خارج المنزل هذا كله يسمى عنف اجتماعي حتى وإن لم نعي أنه بالفعل يندرج تحت بند العنف.

نون النسوة لا تقبل العنف
نون النسوة لا تقبل العنف

الآثار الواقعة على المرأة نتيجة العنف

بالطبع تتأثر نفسية المرأة بكل نوع من أنواع العنف التي تتعرض لها، فتشعر بالخزي والإنكسار والدونية وأنها لا تستحق الأفضل من أي شئ، تنعكس الإهانة التي تشعر بها المرأة داخليًا على تصرفاتها الخارجية؛ فتنعزل عن الناس لشعورها أنها أقل منهم وتخشى التعامل معهم حتى لا يؤذيها أحد بالقول أو الفعل أو تتعرض للعنف ثانية، وتفكر بعض النساء في الإنتحار ومنهن من أقدمت على خطوة الانتحار فعليًا، فمنهن من نجحت في تلك الخطوة وخُلدت في دفاتر ضحايا العنف، ومنهن من نجت.

كيف حث الإسلام على حسن معاملة المرأة

قال الله تعالي: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا ۖ وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ۚ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}. {النساء:19}.

قال رسول الله صل الله عليه وسلم: 《استوصوا بالنساء خيرًا؛ فإنهنَّ عَوَانٌ عندكم، وإنهنَّ خُلِقْنَ من ضِلَعٍ》، وقال أيضا عليه السلام: 《لا تَضْربُوا إِمَاءَ اللَّهِ》، صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ونستدل مما سبق ذكره من القرآن والسنة أن الإسلام قد حرص حرصًا شديدًا على تكريم المرأة وحفظ حقوقها، وحث الرجال على حسن معاملتها.

دور المجتمع لمناهضة العنف ضد المرأة

علينا أن نستمر فيما بدأناه، ونستكمل تعبئة الرأي العام في اتجاه حماية المرأة، فلقد قضينا سنوات نحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه لتنقية المجتمع من شوائب العنف، كُثِفت الحملات لمناهضة العنف بكافة أنواعه، وزاد الوعي شيئًا فشئ، وتحولوا بعض ممن حولنا تدريجيًا إلى فئات تنبذ العنف نبذًا، تلك الفئات التي ترعرعت في زنازينه، الآن ترفض أن تكون فريسة لقسوة القلب، أو شرائح لحم مستساغة تحت أنياب الرهبة.

نون النسوة لا تقبل العنف
نون النسوة لا تقبل العنف

لا للعنف

مرت سنوات وسنوات حتى تمكنا من نفض غبار الفكر العقيم عن كينونة المرأة، مر وقت طويل كانت تقاسي فيه المرأة من كافة أنواع التعنيف، حتى تمكنت من قول “لا للعنف”، وحتى تمكن بعض الرجال من استيعاب أن المرأة لم تُخلق لتُعنف فحسب، بل هي مخلوق كرمه الله، له ما له وعليه ما عليه، ولا يحق لإي إنسان أن يحط من كرامته أو يهين شأنه أو يحقِّر من ذات جعلها الله خليفه له على أرضه.

وفي النهاية

كما قال جون لجند : “يجب على كل الرجال أن يدعموا حقوق المرأة، لأنه عندما تتحقق المساواة بين المرأة والرجل سيكون العالم مكانًا أفضل”، فالسر كله يكمن في المساواة، ومعرفة أن النوع أو الجنس المختلف لا ينفي أصل الخلق والتكوين وهو أننا كلنا بشر، نفخ الله فينا من روحه وكرمنا جميعًا، فلا يحق لنا أن نمارس العنف والوحشية ضد بعضنا البعض، وبكل الصدق فإن للتعاطف والرحمة والمساواة مذاق أجمل بكثير، وسحرًا تتجلى من خلاله رسالة تعمير الأرض ويتدفق نعيم الإستخلاف.

مراجعة :حنان مرسي

إقرأ أيضا:

المدمرات العشر لشخصية ابنك!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا