جولة في بلاد الذهب
كتبت.. ولاء علام
عزيزي القارئ اسمح لي أن اصطحبك بجولة في بلاد الذهب ،النوبة ،فلطالما ما أخذني شغفي إلى النوبة و التي كان يطلق عليها قديمًا بلاد الذهب حيث كانت تحتوي العديد من مناجم الذهب، و تمتاز النوبة ببيوتها ذات الطابع الخاص فهي ملونة تتراقص الوانها زهوًا، و المراكب الشراعية المتناثرة على صفحة النيل ،و ناسها بطيبتهم و جودهم و بشرتهم التي تحمل بين طياتها سمار النيل ،وعيونهم التي تتخذ الحب شرعًا و منهاجًا و قلوب بيضاء وهم شعب محب للفن و البهجة أجادوا إسعاد أنفسهم رغم ضعف الإمكانيات.
أخذ أهل النوبة على عاتقهم الحفاظ على التراث والحياة المصرية القديمة، قد اعتادوا على بناء البيوت على شكل قباب عادة تلون باللون الأبيض ليحميهم من درجات الحرارة، و يعد الرسم على الجدران عادة و تراث نوبي له أسس و قواعد.
تتميز النوبة بموقعها الممتاز كما تتميز بتاريخ يجهله الكثيرون، فقد كانت بلاد النوبة مقرا لواحدة من أقدم الحضارات في افريقيا و هي حضارة كرمة، و التي استمرت من حوالي 2500 قبل الميلاد حتى غزوها من قبل المملكة المصرية الحديثة تحت حكم تحتمس الأول حوالي 1500 قبل الميلاد حتى تفكك المملكة نحو 1070 قبل الميلاد.
كانت رحلتنا إلى قرية غرب سهيل النوبية تثير حماستك، ولكن المتعة لم تكمن في الوصول فقط إنما شملت أيضًا الرحلة للوصول، فقد أخذنا قارب من المرسى متجهًا إلى النوبة، رحلة استغرقت ساعة من أجمل الأوقات التي قضيتها في أسوان ، النيل في أسوان يختلف تمامًا عن النيل في القاهرة إنه أكثر اتساعًا وأكثر صفاء كانت الجولة كفيلة أن تضعك على مواضع الاستجمام حيث تتراقص أمواج النيل تحت قاربنا ، و يحيطنا العديد من القوارب التي رفعت أشرعتها جميعًا لتبحر عبر صفحة النيل الشفافة و تشق مياهه شديدة الزرقة.
يتميز نيل أسوان بصخور الجرانيت الموجودة وسط المياه و التي ينعكس ظلها على صفحة النيل و تتطاير فوقها أسراب الحمام في لوحة فريدة وهبها الله إياها ،بالإضافة إلى وجود جبال تضيف اللون الأصفر إلى مياه النيل وعلى ضفتي النيل يوجد مباني عالية تارة, صادفنا فندق أولد كتراكت والذي كان يومًا قصرًا للملك فاروق بجانب جبل أبو الهوا و قبته الشهيرة ، و صادفنا بيت الكنج محمد منير صاحب الصوت النوبي الجميل الذي وصل لكل مصري و شكل في وجدانه صورة جميلة عن أهل النوبة، و يوجد العديد من الجزر الرائعة و حديقة النباتات الجميلة بزهورها الرائعة الموجودة على ضفة النيل رحلة جميلة امتعت ناظري و سكنت روحي لها حتى وصلنا إلى غرب سهيل .
استضافتنا أحد البيوت النوبية الجميلة بأهلها المضيافين ،تناولنا وجبة الإفطار و كانت عبارة عن فطير و عسل و جبن، و بعدها تناولنا الشاي النوبى، و قمنا بجولة داخل البيت الذي يدل على تمسك النوبيين بتراثهم القديم و أثاثهم الموروث و ألوانها الزاهية التي اتخذها الجميع من الوان الأزرق و الأحمر و الأصفر لرسم لوحة بهيجة في بيوتهم، و يوجد بكل بيت نوبى تمساح نيلى و يعتبره النوبيين من أبرز الحيوانات و يقوم السياح بالتقاط الصور التذكارية معه.
ثم زغاريد تتعالى في البيت و دقات الطبول تعلن موعد البهجة هناك إحتفال كنت أتمنى أن يكون فرحًا نوبيًا، و لكنه كان كنوع من الفلكلور لرسم البهجة على محيى ضيوفهم، و حفر صورة لا تزول من الذاكرة يملؤها صوت الغناء و الزغاريد و الطبول و الضحكات ،هنا الكل يرقص و ينعم بالسعادة و هناك الكثير ممن يقومون برسم الحنة لم اقم بها هذه المرة و لكن في جولة أخرى لن افوت هذا التقليد.
ثم قمنا بجولة حرة في السوق و تشتهر أسوان بالاعشاب و العطارة و هناك العديد من المحلات و العديد من أنواع الأعشاب و التوابل الأسوانية التي لا توجد في أي محافظة أخرى، و لم أكن أعرف عنها شيء ولا تقتصر على الطعام فقط بل العديد يتم إستخدامه للشفاء من أمراض عديدة.