التاريخ والآثار

ملوك أدفو حملوا على عاتقهم وحدة مصر ”أسوان“

بقلم / علي سرحان

 

قد تشتهر أسوان بين غالبية المصريين باعتبارها مشتي عالميا وقد تشتهر عند البعض الآخر بالمشروع العملاق الذي نفذ في ستينيات القرن العشرين باسم ‏السد العالي‏,‏

وقد اشتهر عند آخرين بطيبة اهلها وأمانتهم, ولكن أسوان تشتهر بتاريخها المنحوت على حجرها وذهبها الذي صيغت منها روائع الحلي بمتاحف العالم وأحجارها والتي شيد منها أغلب آثار مصر, وبزيارة أسوان يمكن للزائر أن يدرك تاريخها ولكن التاريخ يحتفظ لأسوان بعظمة ثلاثة من مدنها وهي إدفو وكوم امبو ومدينة أسوان.

 

في المدينة الأولى تكمن عظمتها في أنها العاصمة الأولى لمصر وأنها مدينة الملك العظيم مينا التي تذكره كتب التاريخ بأنه صاحب فضل توحيد مصر بعد أن كانت مبعثرة في هيئة مشيخات ومدن موزعة على ضفاف النيل, وهي التي أخرجت ابطال حاربوا ببسالة في معركة طرد الهكسوس, والمدينة الثانية كوم امبو هي مدينة الإله سوبك وحورس الكبير وتضم معبدًا مزدوجا فريدا ليس له شبيه في مصر, وهي المدينة الوحيدة التي تركت نقشا به أدوات الجراحة شبيهة بتلك التي يستخدمها الجراحون الحداثي, أما المدينة الثالثة فهي مدينة أسوان التي كانت سوقا كبيرة للمنتجات الافريقية والتي يتم تبادلها مع المنتجات المصرية, وهي المدينة التي كانت أحجارها الرملية البازلتية والجرانيتية بصمات على كل شبر في الارض المصرية, وهي المدينة التي تركت للأجيال آن يعرفوا كيف قطع المصريون القدامى المسلات, وهي المدينة التي كان متروك لأصحابها أن يكتشفوا إفريقيا بأنفسهم, وهي المدينة التي خلقت في أجوائها الأوبرا الشهيرة عائدة بها.

المدينة الأولى: إدفو

لا يعرف قيمة مدينة إدفو ونواحيها إلا أهلها والأثريين, فهي المدينة التي خرج منها الحاكم المصري الذي وحد مصر وحمل اسم مينا, وهي المدينة التي شهدت الصراع الذي حدث بين الهها حورس مع عمه ست, وهي المدينة التي تأتي إليها الآلهة العظيمة حتحور في رحلتها السنوية من دندرة إلى إدفو كي تزور حبيبها حورس.

تقع الكاب على الضفة الشرقية للنيل شمال مدينة إدفو, وسماها المصريون القدامى نخب, وكانت نخب عاصمة المقاطعة الثالثة بمصر العليا, وكانت الآلهة الرئيسية التي تعبد فيها هي الالهة نخبت والتي مثلت دائما علي شكل طائر العقاب, أو امرأة متوجة بتاج الوجه القبلي, ولم تكن نخبت آلهة محلية في إدفو فقط, وإنما كانت آلهة لكل المصريين, وكان علي ملوك مصر أن يتقربوا إليها باعتبارها رمزًا لصعيد مصر, وفي عصر أوائل الأسرات كانت الكاب عاصمة مصر, وخرج من هذه البلدة ملوك حملوا على عاتقهم وحدة مصر, ومن هؤلاء الملوك خرج الملك العظيم مينا.

وعلى الطريق البري وقبل الوصول لمدينة إدفو من الناحية الشمالية يري الزائر بناء ضخمًا جدا من الطوب اللبن وهو يمثل بقايا مدينة الكاب القديمة, وهي تبدو في شكل سور ضخم من الطوب اللبن, وبناه ملك من أواخر العصور الفرعونية اسمه نختنبو الثاني, ويبلغ سمك سور المدينة القديمة اكثر من احد عشر مترا, ويوجد بداخله معبد الالهة نخبت وبيت ولادة وبحيرة مقدسة, وهناك بقايا معابد للإلهين سوبك و تحوت.

وإذا واصل الزائر سيره لمسافة خمسمائة متر شمال أطلال مدينة الكاب القديمة سيجد جبانة الكاب, وهي جبانة تؤرخ بعصر الدولة الحديثة, وتضم الجبانة إحدى وثلاثين مقبرة ترجع أغلبها إلي الأسرة الثامنة عشرة, ويوجد بها مناظر جميلة وملونة عن الحياة اليومية للمصري القديم, ومن أهم المقابر التي توجد بجبانة الكاب مقبرة باحري عمدة مدينة الكاب في عصر الملك تحتمس الثالث, ومقابر أبطال حرب مصر ضد الهكسوس أحمس بن إبانا, و رني, وأحمس بن نخبت, وأيضا مقبرة سيتاو الكاهن الأكبر للآلهة نخبت التي عاشت في عصر الملك رمسيس التاسع.

وفي مواجهة مدينة الكاب القديمة, وعلى الناحية الغربية من النيل تقع قرية الكوم الأحمر, وأقيمت هذه القرية على البقايا القديمة لمدينة نخن, والتي سماها الإغريق هيراكونبوليس أي مدينة الصقر حيث اعتبرت مقر عبادة الإله الصقر حورس, وعثر فيها على قطع أثرية هامة ترجع لعصر الاسرة السادسة مثل التماثيل النحاسية للملكين ببي الأول و مرن- رع, والرأس الذهبية للصقر حورس, كما عثر بها على لوحة نارمر( نعرمر) الشهيرة, وتعرض جميع هذه الآثار بالمتحف المصري بالقاهرة.

أما درة ما تمتلكه مدينة إدفو هو معبدها أو كما يعرف باسم معبد الإله حورس, ويعد هذا المعبد هو أجمل وأكمل المعابد المصرية علي الاطلاق, وكشف عن هذا المعبد الأثري الفرنسي أوجست مارييت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر, وأستغرق تشييد هذا المعبد مائة وثمانين سنة, وبدأ بناؤه في عصر الملك بطليموس الثالث عام 237 ق م, وانتهت زخرفته في عام 57 ق م.

المدينة الثانية: كوم أمبو

احتفظت مدينة كوم امبو في اسمها باسم المدينة المصرية القديمة امبوس, والمعروف أنه في أوائل القرن العشرين كانت المنطقة التي تحيط بالمعبد عبارة عن أرض صحراوية, ولكن في أوائل القرن العشرين باعت الحكومة المصرية ثلاثين ألف فدان إلى شركة السير ارنست كاسل الانجليزية, وهي الشركة المسماة وادي كوم امبو, وبدأت الشركة بعد ذلك في بناء مدينة جديدة باسم كوم امبو لإقامة وسكن الموظفين القائمين بإدارة أطيان هذه الشركة والعمال والمزارعين العاملين بإصلاح الأرض وفلاحتها, ومن هنا تأسست مدينة كوم امبو.

علي بعد 20 كم شمال مدينة كوم امبو يقع جبل السلسلة, ويعد هذا الجبل ذو اهمية كبيرة في مصر القديمة حيث كان يجلب منه الحجر الرملي الذي بني به اغلب معابد الدولة الحديثة, ومن المعروف أن أحجار سد إسنا الحديث قطعت من هذا المحجر أوائل القرن العشرين, وفي غرب قرية السلسلة نحت الملك حورمحب مقاصير صخرية تتميز بأهمية تاريخية وفنية, وتتكون من واجهة وبها خمس أبواب تفصلها عن بعض أعمدة, وإلي الجنوب من المقاصير يوجد محجر روماني تم استغلاله في العصر الروماني.

وفي داخل مدينة كوم امبو يوجد معبد كوم امبو وأهدي إلى إلهين وهما الإله ذو رأس الصقر حور- ور, والإله ذو رأس التمساح سوبك, وبالتالي فإنه معبد مزدوج الطابع, وكان لكل إله منهما ثالوثه الخاص به.

                           

 إقرأ أيضًا:-  

الأقصر تبهر العالم

  الوشم في مصر القديمة  

          

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا