التاريخ والآثار

مؤسس أول إمبراطورية في التاريخ

بقلم الأثرية: أمانى حمام زغلول  

 

 إن الحضارة المصرية القديمة أعظم حضارات العالم فكانت خطوات المصريين منذ النشأة في التقدم للأمام ،وهي وليدة تلك الحضارة العريقة ،لقد نشأة الحضارة المصرية القديمة وترعرعت ولم تقتصر تلك الحضارة على المصريين فقط بل أثرت في الشعوب المجاورة لها ولقد كان لأرض مصر الطبيعية وموقعها المتميز الأثر الكبير  في تطور تلك الحضارة

،ومازال هذا الموقع حتى اليوم.

 

ومما لاشك فيه أن وراء تلك الحضارة العظيمة بناة عظام وأبطال لا يغفل التاريخ عن ذكرهم وعما ما قاموا به من أجل تلك الحضارة ومن بين تلك الأبطال العظام والملوك الذين سطروا بأعمالهم و بأسمائهم فى التاريخ هو البطل الملك العظيم تحتمس الثالث أعظم ملوك الفراعنة كما أنه صاحب أكبر وأعظم امبراطورية عسكرية مترامية الأطراف بمصر القديمة.

 ومنشئ أشهر معابدها، يتمتع تحتمس الثالث بسمات شخصية خارقة وعبقرية فذة وعسكرية ليس لها مثيل تدرب تحتمس الثالث منذ صغره في ساحات المعارك لذلك اكسبته التدريبات العسكرية صلابة وخبرات عسكرية عظيمة،اهتم تحتمس الثالث بالجيش وجعله نظاميا وزوده بالأسلحة والفرسان والعربات الحربية، ولم يلفت انتباه الجيش إلى قضايا الدولة الدينية أو الإدارية أو المالية بل جعله يصب كل اهتمامه وتركيزه في الحروب

والفتوحات التي قام بها ولم يشغل الجيش بأمور الدولة نحن نعلم الفتوحات التي قام بها تحتمس الثالث والتي لم يقم بها غيره من الملوك من قبل. لقد توسعت في عهده الإمبراطورية بشكل لم يحدث من قبل. لقد كان في عهده يتقن المصريون القدماء صناعة النبال والسهام ،أصبحت مصر في عهده ذات نفاذية خارقة يعترف بها كل المؤرخين حتى اليوم. 

 

شخصية تحتمس الثالث 

 

 اشتهر تحتمس الثالث  بالذكاء والحكمة وحبه الشديد في النشاط الحربي وتوسيع إمبراطوريته ويظهر ذلك من خلال تنفيذه وأساليبه في الحروب و فن القتال فكان يتميز بالذكاء وكان لا يأمر جندي من جنوده بأن يفعل شيء لا يقدر هو القيام بفعله، وله العديد من المواقف التي تدل على مدى شجاعته منها موقفه يوم عقد مجلسه الحربي في (عرونا) حتى يثبت للجيش مدى شجاعته، وهذا يدل على أنه قائد وجندي ممتاز في أدائه فاتسم هذا القائد بالحزم الشديد واللين فى نفس الوقت وأدي ذلك إلى تكوين أعظم وأول إمبراطورية في التاريخ وكان على دراية بكل صغيرة

وكبيرة ، لذلك وصفه وزيره (رخميرع)بأنه الصقر الذي يرى كل شيء مثل الإله  تحوت إله المعارف و الحكمة والذكاء عند المصري القديم.

 

 وكان هذا الملك شديد الصدق في أقواله واحترامه للمعبود آمون ظهر ذلك من خلال الهدايا والقرابين التي كان يقدمها له و يمنحها اياه بالإضافة لتشيد العديد من المعابد له. ولم يكن تحتمس الثالث قائدا قاسيا فظا غليظا وإنما اتسم بالمودة حيث أنه أدرك أن إمبراطوريتة لن تستطيع الصمود والتقدم إلا إذا قامت على شيء من المودة وظهر 

ذلك من خلال بقائه على الأمراء الذين حاربوا ولم ينتقم منهم أو يعزلهم من وظائفهم ومناصبهم بل قربهم إليه وثبتهم فى مناصبهم.

 

 لذلك فبدلاً  من أن يشقو عليه عصا الطاعة قدموا له الولاء والطاعة. ورأ  تحتمس الثالث أن يأخذ معه بعض أبنائهم و يقوم بتعليمهم في مصر مع أبناءه حتى يشبوا على طاعته وعدم عصيانه يكونوا موالين لمصر ممثلين الحضارة المصرية في البلدان الأخرى وحتى يرتبطوا بروابط الصداقة مع المصريين و مع أبناء كبار الموظفين وكان تحتمس الثالث دائما يقوم بتشجيع رجاله وجنوده فكان يعطيهم الهدايا وعندما يقوم أحدهم بإنجازات بارعة في الحرب 

يقوم بالثناء عليه وترقيته وجعله في رتبة أكبر. 

 

والدليل على ذلك أن أحد ضباطه يسمى( آمون -ام- حب )حيث كتب على مقبرته فى طيبه المكافأت التي أعطاها إياه الملك تحتمس الثالث عندما ظهر الشجاعة مقابل إنقاذه لحياة الملك عندما هاجمت الملك أحد الفيلة أثناء صيده في الفرات . تمكن تحتمس الثالث بقوته الوصول بتلك بإمبراطورية إلى آسيا الصغرى وأعالي الفرات 

وجزر البحر الأبيض المتوسط وغيرها فهو الملك العظيم البطل المغوار الشجاع صاحب أعظم قوة  في العالم.

 

نظرة هذا الملك للحكم. 

 

 تتضح نظرة الملك تحتمس الثالث للحكم من خلال النقوش الموجودة في مقبرة وزيره (رخميرع) وهي وصايا قالها الوزير وتعتبر بمثابة دستور صالحة للماضي والحاضر وأيضا فى أى زمان ومكان وأي عصر حيث يوجد بها تحليل نفسى للشعب، و توضح العالقة بين الحاكم والمحكوم ويقال أن الأنشطة الحربية التي قام بها تحتمس الثالث فاقت وتخطت أي نشاط قام به الملوك من قبل ومن بعد. 

 

وأيضا فلم يترك لنفسه وقت يلهو فيه كغيره من الملوك بل كان في وقت فراغه كان يلهي نفسه بصياغة الأواني ،وكان متميزا في التدريب العسكري حيث أكسبه ذلك خبرة عالية وكان قوي الذاكرة وشديد الصدق في أقواله وأفعاله وشجاع وليس معنى تلك الشجاعة أنه كان مهووسا بالحرب إنه كان في نفس الوقت يمنع انتشار الرشوة والفساد والحيف في جمع الضرائب.

 

تحتمس الثالث وأمجاده. 

 

 عندما صعد تحتمس الثالث إلى العرش كانت في تلك الأثناء توجد ثورة عارمة في في الإمارات الآسيوية ،وذلك بعد وفاة الملكة حتشبسوت ومن المعروف أن الملك تحتمس الثالث قام بالعديد من الحملات التي لا يقل عددها عن سبعة عشر حملة عسكرية وكانت أول حملة يقوم بها في العام الثاني والعشرين من حكمه (أي السنة الأولى من الانفراد بالحكم ) بعد 

وفاة حتشبسوت وقام بالعديد بالإنجازات في تلك الحملة منها إعادة فتح بلاد (رتنو )حيث أنه بدأ مسيرته من شرق الدلتا حتى صعد إلى منطقة غزة واتجه إلى بلاد تسمى يحم ( وهي بلدة إيما حاليا) حتى وصل إلى سهل مجدو وذلك بعد أن تمكن من عبور الممر الضيق في  عرونا الذي كان من الصعب على الجيش عبوره لأنه شديد الضيق حيث لا يتسع إلا للعبور عربة واحدة وفي طريقه إلى مجدو استولى على مدن عديدة منها (ينوعموا، ونوجس، ومهرتكارو)وسقطت مجدو بعد حصار دام سبعة شهور وبعدها واصل مسيرته الحربية إلى مدينة صور وخلال العام الثاني والعشرين وحتى الرابع والعشرين قام ببعض الحملات التفقدية لضمان جباية الجزية التي فرضها على المغوليين ومنهم آمر،وأشور ،ورتنو. 

 

ومن العام التاسع والعشرين إلى العام الثاني والثلاثين قام بالهجوم على جاهي وقادش وأيضا قام بالاستيلاء على مدينة أولازا عند مصب نهر البارد التي كانت تحت سيطرة أمير تونيب الذي تحالف مع أمير قادش وقام أيضا بالاستيلاء على مدينة ارداتا التي تقع على مسافة بضعة كيلومترات وذلك جنوب غرب طرابلس. وفي الحملة السادسة واصل المصريون التقدم إلى سوريا عن طريق البحر ثم واصلو التقدم حتى وصلوا إلى قادش واستولوا عليها هي والمناطق المجاورة بها. وفي العام الحادي

والثالثون أشارت الحوليات للمرة الأولى إلى الضريبة التي قام بتسليمها كل من “كوش ووات” لمصر وبعد ذلك أكتفي تحتمس الثالث بحملة واحدة وذلك قرب نهاية حكمه في العام الخمسين. 

 

وفي العام الثالث والثلاثين حدث صدام مباشر بين الجيوش المصرية مع الميتانيين ولكن كان يوجد حاجز طبيعي بينهم يمنع الوصول إليهم كان البد من اختراقه وهو نهر الفرات  و لذلك قام تحتمس بإصدار أمر ببناء السفن حتى يعبر النهر وبالفعل تم ذلك ،ثم صعدت الجيوش

المصرية إلى الشمال وأتت على كل ما في المنطقة الواقعة جنوب قرقميش وأما عن الحملات التسعة الأخرى فكرست محاولات إخضاع قوات الميتانيين في نهارين. 

 

 وكانت حملات تحتمس الأخيرة ماهي إلا للحفاظ على المكاسب المادية و حفظ الأمن في البلاد وفي الحقيقة أدرك أن البلاد المفتوحة لا يمكن السيطرة على كل أرجائها ويكتفي تحتمس الثالث أن يأخذ معه بعض أبناء الأمراء والزعماء إلى مصر حتى يتم تربيتهم وتنشئتهم في مصر مع أبناءه وكبار رجاله قبل أن يتم إعادتهم إلى بلادهم مرة أخرى حتى يشبو مؤمنين مخلصين للحضارة المصرية وممثلين لها في البلاد الأخرى ولكن هذا الأسلوب غير كافي (أي أسلوب وقف الحرب) حيث نرى أن بعض الأمراء في أسيا تمردت مرة أخرى فكانت تقوم ببعض الغارات المسلحة من جديد في عام

١٤٦٤ تم عقد تحالف بين أمراء قادش و تونيب (مدينة سوريا حصينة على مقربة من نهر العاصي) ولكن قام الملك تحتمس بحملة لكي يستتب الأمن والهدوء على الأقل حتى وفاته وقرب نهاية حكمة استغل الملك تحتمس الثالث انشغال السودانيين بحركة تمرد محلية و قام بالهجوم عليهم حتى يقوم بتعزيز وتثبيت وجوده حتى الجندل الرابع وفي١٤٥٠ امتدت إمبراطوريته من نباتا عند النيل الجنوبي وحتى نهر الفرات ولقد بلغت مصر في عهده ذروة المجد.

 

آثار تحتمس الثالث

 يحق لهذا الملك العظيم أن يفتخر بتلك الفتوحات العظيمة التي قام بها منذ أن اختاره (آمون) ملكا على مصر وذلك فى خلال ثلاث وثلاثين عام حيث قام بما لا يستطيع غيره القيام به حيث أمر جلالته مهندسة في العمارة الذي يسمى ( يوم  راع ) أن يشيد له مسلات في طيبة وذلك في العام الثلاثين من حكمه وعندما عاد الملك من انتصاراته الكبرى وجد الاحتفال 

به وبجيوشه. 

وكان من بين أعمال هذا الاحتفال تشيد مسلتين كبيرتين في معبد الكرنك وقد نقش على إحداهما بعض النصوص التي تدل على مدى عظمة الملك تحتمس وترجمة تلك النصوص كالآتي (تحتمس عابر منحنى النهرين العظيم أى نهر الفرات) مصحوبا بجيشه وكان النصر حليفهم وتوجد هذه المسلة الآن بالأستانة. أما عن المسلة الأخرى فقد بليت ومن المعروف أن مسلات هذا الملك قد تلفت أو تم نقلها إلى أحد البلاد الأجنبية ولم يبقى من تلك المسلات 

سوى واحدة موجودة في مكانها الأصلي تدل على سلطة الملك العظيم وقوته أما عن المسلات التي تم نقلها فهي  منتشرة الآن في عواصم البلاد التي تم نقلها إليها منها الأستانة ثم لندن ثم نيويورك وغيرها ومن عظمة آثار الملك تحتمس الثالث وكثرتها التي تدل على مدى قوته وعظمته نسى أهل طيبة أنه كان مجرد كاهنا في معبد آمون. 

 

فقد أصبح القوم لايرون سوى نقوشا تدل على مدى انتصاراته التاريخية على جدران المعابد والمسلات وتذكرهم تلك النقوش بالغنائم الكثيرة التي اغتنمها الجيش المصري في الفتوحات وتبين أيضا تلك النقوش الهبات والهدايا العظيمة التي كان يمنحها للمعابد وخاصة آمون ، ونجد أنه نقش على جدار صرح معبد آمون ثلاث مرات أسماء مائة وتسع عشرة مدينة قام

بالاستيلاء عليها في فتوحاته وأيضا جاء بعد ذلك مائتين وثمانية وأربعين اسما لمدن آسيوية قام بإخضاعها في غزواته الحديثة. 

 

 ومن إنجازات تحتمس الثالث أيضا في العمارة هو إتمام أعمال معمارية في الدير البحري ومدينة هابو وأيضا النوبة وقام بالعديد من الإنشاءات في بوهن ،وصاى ،وفارس، ودكة،و أرجو، وكوبان وأيضا في حصن سمنة، و جبل البركل بالإضافة إلى تشيدة في طيبة وأيضا تنتشر منشآتها في كوم أمبو ،و أرمنت ،والطود ،ومدمود ،ودندرة  وهليوبوليس وأيضا العديد من مواقع الدلتا التى لم يحفظ لنا الزمن شيئا من آثارها وقام تحتمس الثالث في نهاية عهده

بإنشاء مدرسة في قصرة في طيبة لكي يقوم بتعليم ابنه وولي عهده فيها و أيضا لكي يتعلم معه أبناء كبار الموظفين وأبناء الأمراء الذين جلبهم من آسيا ليشبو جميعا مخلصين للحضارة المصرية وممثلين لها في الحضارات الأخرى .

 

                      مسلة تحتمس الثالث باسطنبول

 

المصادر:

 

  • جيمس هنري برستد، تاريخ منذ أقدم العصور إلى الفارسى ،الطبعة الرابعة، 
  • نيقولا جريمال ،تاريخ مصر القديمة ، القاهرة ، دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع ،١٩٩٣
  • جان فيركوتير ،مصر القديمة ،القاهرة

 

إقرأ أيضًا:- 

 

نماذج من الحياة اليومية للمصرى القديم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا