رؤية وابداع

دراسة نقدية بقلم محمد البنا لنص خمر القصائد لامل المنشاوي

أمل منشاوي

منذ كنت صغيرًا أدمنت احتساء الخمر، لكنه خمر غير الخمر، أخبرتني أمي أنه حلو المذاق لكنه مرهق للوجدان، يأخذك إلى عالم تصنعه أنت لا يصنعك هو، كانت عندما تتعارك مع أبي تهرع إلى الكأس فتكتب قصيدة، تعلمت منها كيف أكتب قصيدة، مع الوقت أحببت خمر القصائد، سألت أمي ذات يوم:

لماذا لا تعلمين أبي احتساء الخمر؟

قالت: بل هو من يعصر النبيذ!

كأس أمي مليء بالدموع والألم، كنت أتعجب من هذا، اليوم وأنا في مثل عمرها آنذاك أصبحت لا أكف عن السُكْرِ، فزوجتي حاذقة في صناعة النبيذ!

#أمل منشاوي..١٨ مايو ٢٠٢٢

……………

الدراسة

نحن المبدعون بصفة عامة نبدع عادة عندما نكون حزانى، ففي الحزن قوة تمدنا بطاقة هائلة على الإحساس بالألم والوجع حد التأوه والأنين جهارًا، أو التشظي الداخلي سرًا، فيتحول هذا الوجع وذلك الألم إلى أحرف ننزفها كأجمل ما تكون شعرًا ونثرًا أو رسمًا أو نحتًا…هذا ملخص الفكرة ومفادها وضالتها المنشودة التي أوثقتها المبدعة أمل المنشاوي بخيوط حريرية غاية في الرقة شديدة في المتانة، فأحكمت وثاقها تأويلًا لا تصريحًا، واضمارًا لا مباشرة.

رأي الصبي ولم يفهم، لكنه تذوق فاستطعم، وسأل ببراءة فأُجيب بصراحة أكبر من استيعابه العقلي عن عمد كي لا يفقد الإحساس بحلاوة المذاق وطيبه، وكبر فعانى مثلما عانت أمه، ففهم وتألم فأبدع.

تبادل الأدوار ( الأب / الزوجة)، ( الأم / الأبن)..تم بحذق ومهارة ربما عن عمد وربما عفويًا، وفي كليهما تحققت الفائدة المرجوة بشقيها ( المفارقة الممتعة سرديًا/ المساوة بين الجنسين)، وسأقف عن الشق الثاني لأنه الأولى بالعناية لما فيه من حداثة، هنا يتساوى الذكر والأنثى في كونهما على قدم واحدة من القدرة على الإيذاء مجازًا، ولنقل على وجه الدقة ..القدرة على إحزان الآخر( زوج/ زوجة) وفي ذات الوقت تساوا في القدرة على الاستفادة من الإحساس بالحزن( زوجة/ زوج)،

صب النبيذ من حزنٍ ليسكرني

ما يدري أني من قبلُ به ثملُ

نص اتسم بالسيولة السردية وهو ليس بالجديد على أسلوبية الكاتبة، فذلك ما عهدناه واعتدناه منها في جل قصصها القصيرة، والجديد ها هنا أنها وثقته أيضًافي متن ق ق ج.

نص لا يشعر متلقيه وهو يمضي عينيه فوق سطوره أنه يقرأ، بل يعوم، بل تحمله موجة هادئة ناعمة فوق سطح بحيرة ساكنة، تحمله من شط ( بداية النص)لتضعه مبتسمًا شاكرًا صنيعها على الشط الآخر ( نهاية النص وخاتمته المدهشة).

لغة سردية بسيطة منبسطة كوسادة موشاة بنقوش لغوية رائعة ..مثل ( خمر القصائد / صب النبيذ، لم لا تشركين أبي؟،..،..) كلمات منفردة أو شبه جملجمل مكتملة أحسنت القاصة توظيفها، وأنطقتها فأنطقت النص..زوجة وابن وأب وزوج وزوجة، فالكل ظاهر للقارئ عيانًا، لا فرق بين راو أو مروي عنه.

هذا النص نوع من أنواع القص القصير جدًا أحبه وأحبذه وأدعو إليه جهارًا نهارًا..أن أبدعوا هنا ..هنا تجربة إنسانية حية واقعية بلا ألغاز ومتاهات وفوازير وتعجيز وترميز مغالى فيه حد الملل..يا سادة نحن ككتاب لسنا في ساحة تحدي لقدرة القارئ على الفهم والاستيعاب..نحن في ساحة أدب، ملزمون أن نقدم للقارئ أطباقًا شهية يتذوقها وجدانيًا وذهنيًا فيستطعمها فيقبل علينا ولا ينفر منا.

تحية لك أمل..لما قدمتيه من دروس هامة في سياق نص بسيط وبسيط جدًا..فهذا هو الإبداع.

محمد البنا..١٩ مايو ٢٠٢٢

إقرأ أيضاً:

هل تأتي؟

طيف عابر

لمتنا

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا