مقالاتأخبار مصرالتاريخ والآثار

عيد شم النسيم عند القدماء المصريين

بقلم الأثرية/ أسماء أحمد أبو قرن

 

كانت السنة المصرية القديمة تحتوي علي عدد من أيام الأعياد ترتبط بالتقويم (يوم رأس السنة وأعياد كل شهرين وبدايات الفصول ) ، وكذلك الأحداث الريفية (البذر والحصاد والفيضان ) ، والمناسبات الملكية (التتويج واليوبيل ) ، وفوق كل شيء، الاحتفالات الدينية.

عيد شم النسيم

 

– عيد شم النسيم:

كان المصريين القدماء يحددون سنتهم الشمسية طبقا لظواهر فلكية رصدوها ، وكانت السنة عندهم تبدأ بعد اكتمال البدر الذي يلي الاعتدال الربيعي مباشرة ، وهو الذي يتساوي فيه الليل والنهار ، وقت حلول الشمس في برج الحمل ويقع في ٢٥ برمهات ، ويعتقدون أن ذلك اليوم هو بدء خلق العالم لذلك اعتبروه أول الزمان.

 

وعيد شم النسيم وثيق الصلة بعيد الفصح اليهودي ، فاءن بني إسرائيل حين يخرجوا من مصر في عهد موسي عليه السلام وافق ذلك اليوم موعد احتفال المصريين ببدء الخلق وأول الربيع واعتبروه رأسا لسنتهم الدينية وأطلقوا علي يوم خروجهم (الفصح) ، وهي كلمة عبرية من فصح أو فسخ بمعني اجتاز أو عبر واشتقت منها كلمة ( بصخة ) التي يستعملها المسيحيون في الكنائس ، إشارة إلي نجاتهم وتحريرهم عندما ذبحوا خروف الفصح ورشوا دمه علي بيوتهم .

فصل الحصاد

وكان شم النسيم يوافق موعد احتفالهم بأول فصل الربيع يحتفلون به في فصل فصل الحصاد وقد اطلقوا عليه بالهيروغليفية اسم (شمو) ، وهو أحد فصول السنة المصرية ويشمل أربعة أشهر من منتصف فبراير حتي منتصف يونيو وحرف الإسم علي مر العصور إلي شم واضيفت إليه كلمة (النسيم) حتي تصبح علما عليه، وهكذا اتفق عيد الفصح العبري بعيد الخلق المصري ثم انتقل الفصح بعد ذلك إلي المسيحية لموافقة موعد قيامه السيد المسيح .

 

ولما انتشرت المسيحية في مصر اصبح عيدهم يلازم عيد المصريين القدماء ويقع دائما في يوم الإثنين وهو اليوم التالي لعيد القيامة.
وقد جاء في كتاب مختصر الأمة القبطية ” أما شم النسيم فهو عيد وطني قديم اتخذه القبط في أول فصول الربيع رأسا لسنتهم المدينة غير الزراعية .
فلما جاءت المسيحية وجد القبط أن هذا اليوم يقع دائما وسط الصوم فجعلوا الاحتفال به ثاني يوم عيد الفصح (القيامة)”..

 

وكان المصريين القدماء يحتفلون بعيد الربيع كما نحتفل بعيد شم النسيم الآن، ويشترك فيه الفرعون والوزراء والعظماء فهو العيد الذي تبعث فيه الحياة ويتجدد النبات وينشط الحيوان لتجديد النوع وهو بمثابة ” الخلق الجديد” في الطبيعة .
وكانوا يفرحون لحلوله ويجعلون منه يوم راحة ففيه تزدهر الخضرة وتتفتح الزهور ويخرج الناس افواجا وجماعات إلي الحدائق والحقول للتريض وهم في نشوة من الفرح والسرور ويقضون يومهم في أحضان الطبيعة الباسمة ويستنشقون أريج الزهور ويستمتعون بالورود تاركين وراءهم متاعب الحياة وهمومها .

 

واعتاد المصريين القدماء أن يخرجوا مبكرين حفزا للهمم والنشاط ورمزا لأولئك الذين اطاعوا الآلهة “حتحور” وخرجوا عند الفجر يحملون أواني البيرة ، وهي تشبه لون الدم المسفوك ، ليكسبوها قبل فتكها واهلاكها البشر.

كما اعتادوا ان يحملوا معهم طعامهم وشرابهم ، وكانت الأسر تجد متعة في ركوب القوارب الخفيفة وهي تسير بهم علي ضفة اليم يجمعون الزهور ويصطادون الأسماك والطيور ويغنون ويرقصون علي أنغام الناي والمزمار ويقضون يومهم في لهو ومرح .

نوع من انواع الطعام

وكان أحب أنواع الطعام لديهم في ذلك اليوم البيض والسمك المملح (الفسيخ) والبصل والخس و(الملانة) ولحم الاوز والبط المشوي .
فالبيض يرمز لخصب الطيور وموعد ظهور جيل جديد منه ، ولأن أكله بعد موعد فصل الربيع غير مقبول.
والبيضة عند الفلاسفة أصل الخلق وازدادت قداستها عند ظهور المسيحية فجعلوها رمزا للحياة وصبغوها باللون الأحمر رمزا لدم المسيح المسفوك علي الصليب وأصبحت البيضة رمزا للشئ الصغير تخرج منه الحياة مجسمة في شكل مخلوق وهكذا صارت البيضة تعبيرا عن البعث ورمزا له .

 

وفي الصيام الكبير يصوم المسيحيون عن كل ما هو حيواني وأكل البيض رمزا للحياة وفأل حسن في عيد الربيع .

وكانوا يجففون السمك ويملحونه وقد ذكر (هيرودات) المؤرخ اليوناني الذي زار مصر نحو القرن الخامس قبل الميلاد ” أن المصريين كانوا يأكلون السمك ويجففون بعضه في الشمس ويأكلونه ويحفظون البعض الآخر في الملح ” وقد يعني بذلك (الملوحة) أو(الفسيخ) الذي كانوا يرون أن أكله مفيد أثناء تغيير الفصول.

أنواع الطعام

وقد وجدت بعض النقوش الهيروغليفية تشير إلي تقديس البصل .
ومن العادات المألوفة لدي المصريين القدماء أن يعلقوا حزما منه حول اعنقاهم في عيد (نتريت) ، ويقع مع عيد الربيع في ٢٩ كيهك ، فيطوفون حول الدار البيضاء (منف) تبركا به كما اعتاد بعض الناس أن يعلقوا حزم البصل علي أبواب المنازل ويصبوا عصيره علي عتب الباب ويضعونه تحت وسائدهم ويشمونه عند مطلع الفجر اعتقادا منهم أنه يطرد الأمراض، كما اعتادوا أن يضعوه قرب أنف الطفل عند ولادته لما له من رائحة نفاذة من ثم أصبح البصل تقليدا يؤكل مع الفسيخ في عيد شم النسيم .

 

أما الخضرة وبخاصة (الملانة) والخس فأكلها لذيذ في هذا الفصل من السنة .
وقد اجمع العلماء علي أن الخس البلدي يحتوي علي مادة زيتية تجلب الخصب والقوة الحيوية وبه نسبة من فيتامين (ه) الذي يستعمل الآن لعلاج الحالات التناسلية عند المرأة والرجل علي السواء كما ثبت أن هناك علاقة كبيرة بين فيتامين (ه) وهرمونات التناسل لذلك بلغ عندهم مرتبة التقديس وخصص للمعبود “مين” التناسل.

بعض الخضرة

وكان العيد رمزا للخضرة المحببة إلي نفوسهم وعلامة بعث نبات جديد وموعد تفتح الزهور ، فحيثما ألقي المرء بنظرة علي الآثار وجد الزهور في كل مكان، وقد عشق المصريين القدماء الزهور وقدروا ما فيها من جمال الطبيعة وسحرها وقدموها علي مذابح الآلهة قربانا . وكثيرا ما كان المنشد يغني مهنئا بالعيد فيقول ” أحتفل بهذا اليوم السعيد واستنشق روائح العطر وزيوته وضع اكاليل من زهرة اللوتس علي ساقي أختك وصدرها تلك المقيمة في قلبك الجالسة بجوارك ولتصدح الموسيقي بالعزف المنشدون بالغناء ولا تهتم بشئ بل اغتنم فرص المرح والسرور قبل أن يجئ اليوم الذي تقترب فيه من الأرض التي تألف السكون”.

وكانت الزهور والخضرة بشيرا ببدء موسم الحصاد ففيه يملئون مخازنهم بالغلال ويقيمون حفلا آخر بهذه المناسبة يقدمون فيه بواكير “الخلق الجديد” من سنابل القمح الخضراء ويضفرونها علي شكل علامة (حتب) الهيروغليفية رمزا للخير والسلام ويهدونها إلي الإله الخالق الذي أنعم أنهم عليهم بهذا المحصول الوفير والخير العميم.

وبعد فقد ظل شم النسيم عيد للطبيعة والربيع قائما من عهد الفراعنة حتي اليوم ، ولم تقض عليه الأديان التي اعتنقها المصريون من مسيحية وإسلام بل أصبح عيدا قوميا يحتفل به المصريون علي اختلاف اديانهم فيخرجوا، كما اعتاد اجدادهم المصريون .

إقرأ أيضا:-

نماذج من الحياة اليومية للمصري

قصة شم النسيم عند المصريين القدماء

كنيسة القيامة

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا