مقالات

عبادة الصبر

 

كتب: عرفة ممدوح

 

أرى الصبر كطاقة لا تنفد لكنها غير قابلة للإنتقال من شخص لشخص وغير مستمرة في كل مراحل العمر وتقلبات الحياة.

أوصت عليها الكتب السماوية وأكدت عليها تأكيدًا يدل على أنها جزء من التكوين البشري
بل إن القرآن الكريم في سورة العصر

{ وَٱلۡعَصۡرِ (١) إِنَّ ٱلۡإِنسَـٰنَ لَفِی خُسۡرٍ (٢) إِلَّا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَتَوَاصَوۡا۟ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡا۟ بِٱلصَّبۡرِ (٣) }
# سُورَةُ العَصۡرِ

عبادة الصبر
عبادة الصبر

 

أكد على أن مجرد عدم التواصي بها يتدنى بالإنسان – وليس المسلم- لفئة الخُسران وكأن عدم التواصي به يُفقدك الإنسانية نفسها بكل ما تحمله من معاني ترتقي بك عن الأنعام فبصورة مباشرة يأتي التعبير القرآني

(إن الإنسان لفي خُسر)

عبادة الصبر
عبادة الصبر

 

والأمثلة على ذلك كثيرة ولعلها جاءت في ذهنك الآن و هاجمتك لحظات التسرُع والتخبط وسرعة الأحكام والحُكم على الناس والتصرفات ونقد السلوكيات دون مراعاة الأحوال التي قد تؤدي لهذه السلوكيات
ولا داعي لذكرها، فأنت أدرى بنفسك.

عبادة الصبر
عبادة الصبر

 

الصبر أيضًا سلاح يُمكِن أن تتدرب عليه لترتقي
وتتخطى بل وتتجنب فقدان مالا تتخيل فقدانه يومًا من الأيام، فقد يكون أقوى سلاح تقتل به عدوك
فكما قالوا قديمًا

” اصبر على كيد الحسودِ، فإن صبرك قاتله…
فالنار تأكل نفسها إن لم تجد ما تأكله “

 

لعل الصبر أيضًا هو أسمى المطالب وأعلاها وفي نفس الوقت أبسطها فهو الغائب الحاضر الملازم في كل الأحوال
في الصحة والمرض والقوة والضعف والبداية والنهاية
عجيب! تجده حاضرًا في المتناقضات
بين المحبين والأعداء في حالة النصر والهزيمة
تصبر على المحب وتصبر على كيد الكارِه
عجيب يخرجك من الضيق إلى الفرج يجمعُك بالمتناقضات وقد يكون أحيانًا الوسيط بين الحُزن والسرور يخرجك من هذا إلى ذاك
رأيته سلاحًا ودِرعًا وسيلة وغاية في نفس الوقت.

كفيل أن يخرجك منتصرًا من أكبر الهزائِم وكفيل أن يُلهِمك الحِكمة في أعلى درجات التيه وكذلك هو قادر على إخراجك من الفشل ليضعك على طريق المحاولة من جديد والاستعداد لما بعده بكل يسر
السهل الممتنع يأتيك في كل الأحوال ليذكرك بطاقتك الكامنة التي هي هبة من الله أودعها فيك لتتخطى كل المصائب وتصبر عن الصدمة الأولي، لتحفظ عليك عقلك من مصيبة قد تهوى بك إلى الجنون.

علاج عجيب، عندما تتخيل وجوده تندهش، كيف نجوت من هذا الفقد وتلك الخسارة، كيف تخطيت تلك الأزمة كيف صبرت على فقدان ما تحب أو تناسي ما تكره أو التعايش مع ما يحدث
ورغم تواجده وسهوله استجابته هو ليس بالشيء الهين أو بالشعور العادي
فكل المشاعر المتزنة لها حسنة إلا عبادة الصبر فإن لها منزلة لا يوازيها عبادة أخرى فتأمل عندما يمدح الله نبي من أنبيائه بقوله ( إنا وجدناه صابرا نِعم العبد…..)
وتخيل أيضًا أن يرقي الصبر بصاحبه بأن يجعله ممن ينالون درجة تعفيهم من الحساب
(إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حِساب)
وكذلك تراهم يحصلون على امتيازات ليست لغيرهم كأن يحاسبوا على أعمالِهم بصورة لم يشاركهم فيها أحد كما في قول الله

(إنما يوفى الصابرون أجرهم بأحسنِ ما كانوا يعملون)

لا تيأس ففي الصبر نجاة، ولا تستصغر الصبر فمهما كان لينًا إلا أنه يحتاج مقدار كبير من القوة والثبات ولا يناله إلا صحيح العِبادة مُتقِن للتوكل على الله مؤمِنًا حقً بالقضاء والقدر.

عبادة الصبر
عبادة الصبر

وكما يقول اليازجي
يا بائِع الصبرِ لا تُشفِق على الشاري
فدرهمُ الصبرِ يسوى الف دينار.

كن صابِرًا فـ ( إن الله مع الصابرين) فتلك المعية لا يضاهيها أي معيه فكيف بك وأنت مع الله
ومهما فقدت فأنت به أغنى وهو حسبُك
وليس أدل على عِظم الصبر من ارتباطه بأجل العبادات وهي الصوم فقد قال الله عن تلك العِبادة

(كل عمل إبن آدم له، إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به)

فتخيل أن صبرك على ترك الطعام والشراب وما هو حلال في غير نهار رمضان هو عبادة كاملة الأركان ترقى بصاحبها أعلى الدرجات
أكرم نفسك على صبرك وحُسن توكلك، وإن لم تكُن صابرًا فتعلم فما خسر من صبروا ولكن الخُسران، كل الخُسران لمن تناسى الصبر والتواصي به، فنحن أحوج ما نكون لأن نتذكر الصبر ونُذكِر به ونواسي بعضنا به، ولا تنسى أن الجبر يأتي مع الصبر، فكل الصابرين قد جُبروا ولحِقهُم العِوض، وما اقترنت البشرى بالصبر إلا لمقامه

( وبشِر الصابرين)
كُن مع الله، كن صابرًا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا